السؤال
السلام عليكم
مشكلتي هي أمي، فهي تكرهني، ولا تريد التحدث معي منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
أنا تزوجت من شخص ميسور، وحياتي -الحمد لله- سعيدة، ومنذ ذلك الوقت وهي جعلت إخوتي يكرهوني، ودائما أعرف أنها تتحدث بالسيء من وراء ظهري مع إخوتي وأقاربي.
إنها تتهمني بأشياء لم أفعلها، وتخاصمني على أساسها، ومهما شرحت لها وأقسمت بالله أني لم أفعل ذلك تكذبني، وتكمل خصامها لي.
كل هذا بسبب أن حياتها غير مستقرة مع أبي، فهي تشعر بالغيرة أن حياتي مستقرة وهي لا، وأيضا من ضمن الأسباب أنها تريدني أن أقاطع أبي مثلما جعلت إخوتي يقاطعونه!
أمي طلقت من أبي منذ ثلاثة أشهر، ومنذ ذلك الحين وهي رافضة التحدث معي تماما؛ لأنها تعلم أني أتحدث مع أبي. حاولت كثيرا أن أتواصل معها، ولكنها رفضت، هي قالت لي بالصراحة: إما أن تختاريني أنا أو أباك.
هذا بالاختصار الشديد، أريد أن أعلم هل علي ذنب بمقاطعتها لي؟ هل يمكن أن أقاطع أبي إرضاء لها؟ كيف يمكن أن أتعامل معها؟ علما بأنها -للأسف- شخصية سامة جدا، عندما أتعامل معها أكون دائما في حزن واكتئاب، وهذا يؤثر على بيتي وزوجي وابني.
يا رب سامحني، ولكن آخر ثلاثة شهور لم تتحدث معي فيها كانت أفضل ثلاثة شهور نفسيا في حياتي، فلم أتعرض للضغط النفسي منها!
شكرا جزيلا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يهدي الوالدة، وأن يلهمها السداد والرشاد، ونتمنى أن تنجحي في الصبر على ما يحدث، والاجتهاد في إرضائها، وأنت على خير، وليس لك أن تقاطعي الوالد بناء على رغبة الوالدة، ولا تقاطعيها بناء على رغبة الوالد؛ فإن الشرع الذي يأمرك بالإحسان إليها، هو الشرع الذي يأمرك بالإحسان إلى الوالد، ولكن من المهم جدا ألا تظهري الحفاوة بالوالد أمامها.
اجعلي علاقتك بالوالد جيدة ومستمرة، ولكن بعيدا عن الوالدة، واجعلي علاقتك بالوالدة أيضا مستمرة، واجتهدي في إرضائها، ولا تقصري في مساعدتها، والسؤال عنها، وبعد ذلك لا يضرك ما يحصل؛ لأن البر عبادة لله تبارك وتعالى، فإذا قام الإنسان بما عليه ولم ترض الوالدة، أو لم يرض الوالد؛ فإن الأجر كامل عند الله؛ لذلك جاء بعد آيات البر (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) في نهاية هذه الآيات قال ربنا العظيم: (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا). قال العلماء: هذه فيها عزاء وتسلية لمن تقوم بما عليها، أو يقوم بما عليه تجاه الوالد أو الوالدة، ولا يرضى الوالد أو الوالدة، رغم أن الابن قام بما عليه، عند ذلك لا إشكال أبدا من الناحية الشرعية.
تسلحي بالصبر، واستمري في التواصل معها، ولا تقصري في القيام بحقها، زوريها حتى ولو طردتك فالأجر كامل، اتصلي بها ولو أغلقت الخط في وجهك فالأجر كامل، حاولي أن تحسني إليها، لا تقصري أبدا، كرري المحاولات، وهذا كله مما تؤجرين عليه، لأنك تتعاملين مع والدة وليس مع زميلة تعاندينها إذا عاندت، أو تردي عليها إذا تكلمت، ولكنك تتعاملين مع والدة أمرك الله بالإحسان إليها، ولو كان منها ما كان من جفاء ومن خصام، ومن معاملة سيئة.
تسلحي بالصبر، وادفعي السيئة بالحسنة، فإن الله العظيم قال: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). كذلك الأمر بالنسبة لإخوتك، قومي بما عليك، أحسني وإن أساؤوا، تواصلي وإن انقطعوا، ادعي الله لهم وإن قصروا. هذا هو المعنى الشرعي، وبذلك تفوزين بالحسنى، و-إن شاء الله- سيأتي اليوم الذي يقهر فيه الشيطان، ويعود للنفوس صفاؤها.
الإمام مالك قال للرجل الذي قال: أبي يأمرني وأمي تنهاني، قال له: "أطع أباك، ولا تعص أمك"، ونحن نقول: أحسني إلى والدك، ولا تقصري في حق الوالدة، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
لا تحملي نفسك ما لا تطيق، لكن -أكرر- لا تقابلي إساءة الوالدة بالإساءة، ولكن بالصبر، وبالإحسان، وبالاحتمال، وكذلك الإخوة أيضا إن أساؤوا فلا تسيئي، ونبشرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فلم يقل النبي ﷺ قاطعهم، ولم يقل له أعطهم الصاع بصاعين، وإنما قال نبي الرحمة والصلة ﷺ: (لئن كنت كما قلت) وهذه بشارة (فكأنما تسفهم المل) كأنك تطعمهم الرماد الحار، كناية عما يدخل عليهم من شر مقابل تقصيرهم في حق هذا الذي أحسن إليهم، ثم بشره فقال: (ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).
أنت على خير، وأحسني إلى زوجك، وقدري ما يقوم به من المعروف، وعيشي حياتك معه في أكمل صورها وأحسن صورها، وتعاوني معه على الطاعات، وأيضا اصبري على الوالدة وكرري المحاولات، وأدخلي الخالات والعمات والوساطات لإصلاح الوضع.
نسأل الله أن يعينك على لزوم الخير، وعموما هذا لا يعتبر عقوقا، وأنت على خير، وشكرا لك على التواصل، ونتمنى أن نسمع عنكم ومنكم الخير.