السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع؛ فقد استفدت منه كثيرا.
أنا فتاة عمري 22 سنة، في السنة الأخيرة من الجامعة، أحفظ القرآن، لكنني أواجه صعوبة في المواظبة على مراجعته يوميا، مشكلتي الأساسية تتعلق بموضوع الزواج، لم أرتبط من قبل، وبدأت أمي مؤخرا تكثر من الحديث حوله؛ مما أشعرني بالقلق، تجارب الزواج في محيطي -مثل علاقة والدي، وأختي وزوجها، وبعض صديقاتي-، لا تشجعني! أرى الشجار المستمر، وأحيانا الضرب؛ مما يجعلني غير متحمسة.
كما أن لدي قلقا حول معايير اختيار الشريك؛ أخشى أن يظهر الشاب ملتزما ثم يتغير بعد الزواج، أو أن يكون بخيلا أو لا يحترم عائلتي.
هذا كله يجعل فكرة الزواج مرهقة لي، خاصة أنني قد أترك عائلتي لشخص غريب.
تزداد مخاوفي حينما تلمح أمي لرجل ترى أنه مناسب لي، كونه ساعدنا في ظروف سابقة ويعمل مع أبي وأخي، لكنني لم أرتح لهذا، وأشعر أن أمي هي من قررت عني! كما أن عائلته أقل محافظة منا؛ مما يزيد من قلقي.
أدرك أن الله لن يقدر لي إلا الخير، لكن خوفي يزداد، وأحتاج إلى توجيهكم.
بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ياسمين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.
في البداية: نشجعك على الاهتمام بمراجعة القرآن الكريم، وإعطائه من وقتك وجهدك ما يرسخ حفظه في قلبك، ويجعله سببا في تحقيق السعادة والرضا والطمأنينة لك.
ويمكنك تحقيق ذلك بتخصيص وقت، ولو كان قليلا لمراجعة القرآن الكريم، بشرط الاستمرارية والمداومة، مع الحرص على التدبر في معاني الآيات وفهم مقاصدها، فهذا يعين على تثبيت الحفظ وتحقيق أثر القرآن في النفس، والاجتهاد في تكرار القرآن في نوافل الصلوات، وقيام الليل وغيره، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، فبالمداومة والاستمرارية يرسخ حفظ القرآن في القلب.
أما بخصوص مخاوفك من الزواج، فمن الطبيعي أن تواجهي شعورا بالخوف تجاه هذا الموضوع، خاصة عندما تكونين محاطة بتجارب سلبية ومشاحنات متكررة، فالخوف من المجهول أمر طبيعي، لكن من المهم التغلب على هذه المخاوف عبر عدم التركيز على الجانب السلبي فقط، فليست كل التجارب فاشلة أو سلبية كما تظنين؛ فهناك تجارب مميزة تحمل معها نجاحات واستقرارا رائعا؛ لذلك يجب النظر للزواج بنظرة متوازنة وواعية؛ فكما أن هناك إخفاقات، هناك أيضا نجاحات كثيرة، فهذه النظرة الشاملة ستساعدك على تجاوز مخاوفك، -بإذن الله-.
الأمر الآخر -أختي الفاضلة-: إن طرق التعامل وأساليب الحياة تتنوع بين البشر، وبالتالي تتنوع النتائج وتختلف، وفي الحقيقة كما تزرعين ستحصدين الثمرة؛ لذلك من الضروري وضع أسس صحيحة لخطوات الزواج الناجح، ليثمر استقرارا ومودة وسعادة بعد ذلك، وأولى هذه الخطوات هي الالتزام بتعاليم الشريعة في الاختيار؛ فالمعايير الشرعية واضحة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد عريض)، فجعل الشرع معيار الاختيار هو الدين والأخلاق، وجعل بينهما تلازما، وكذلك شرع فترة الخطبة للتعارف وفق الضوابط الشرعية، وكل هذا يتيح فهم طبيعة الطرف الآخر، ومدى التوافق والانسجام الروحي والنفسي والعقلي، قبل اتخاذ قرار الزواج.
أما حديث عائلتك عن شخص ما، فلا يعني بالضرورة أن هذا الشخص أصبح مفروضا عليك دون رأي منك، فقد تكون تلميحات والدتك؛ تعبيرا عن رغبتها في لفت انتباهك إلى هذا الأمر الفطري لكل فتاة؛ فمن سعادة الوالدين رؤية أبنائهما مستقرين وسعداء، فقد جاء في الحديث: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)؛ مما يدل على أن الإسلام يحترم إرادة المرأة، ورأيها في اختيار شريك حياتها، ويمنع إجبارها على الزواج ممن تكره.
أخيرا: من أهم أسس الاستقرار في الزواج هو تحقيق أكبر قدر من التوافق والانسجام بين الزوجين، وبما أنك فتاة متدينة وحافظة لكتاب الله، فإن الاعتماد على المعايير الدينية والأخلاقية؛ سيكون مصدر أمان واستقرار نفسي لك -بإذن الله-.
كما نذكرك بأهمية الاستخارة قبل اتخاذ أي قرار، وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله ليهديك للخير ويعينك عليه، وأن يوفقك لحسن الاختيار والاستقرار في حياتك الزوجية، كما ننصحك بالاطلاع على تجارب إيجابية للزواج السعيد، كزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمهات المؤمنين، وزواج السلف الصالح، وتجارب الزواج الناجحة في الواقع المعاصر، وهي كثيرة أكثر من أن تحصى. كما ننصحك بالابتعاد عن التفكير السلبي، أو تعميم هذه السلبية في كل التجارب، وبإذن الله ستجدين ثمرة ذلك استقرارا نفسيا وسعادة.
وفقك الله ويسر لك أمرك.