السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختي في الصف الثاني الثانوي، تبلغ من العمر 17 سنة، تم تشخيص مرضها بالوسواس القهري، علما أنها كانت تعاني منه في صغرها بشكل بسيط جدا، ولكنه تطور منذ سنة أو أكثر، وصار يأتيها بعدة أشكال، منها: القرف من كل شيء له علاقة بالأنف، وحوض الوضوء، والمناديل، وصوت الاستنشاق والاستنثار.
أختي تبكي وتدقق النظر في حوض الوضوء، وهذا جعلها لا تدخل إلى دورة المياه بانتظام، وأصبحت مقصرة في صلاتها؛ لأنها تخاف من رؤية أي شيء في دورة المياه، على الرغم من نظافة منزلنا بشهادة الجميع، مثال آخر: أحيانا تقول: أنت لمست أنفك ثم لمست الهاتف، فأصبح الهاتف مقرفا، وكذلك مقابض الأبواب.
مثال آخر: لا تأكل من الملاعق والأكواب الموجودة في المنزل، ولها كوب خاص وملعقة خاصة، ولو قمنا بتقليب الطعام بملعقة معينة، أو استخدمنا الشوكة أثناء تحضير الطعام؛ فإنها لا تأكل من الطعام، فخف وزنها كثيرا بسبب الوسواس، وهي دائما مشتتة.
قمنا بزيارة أكثر من طبيب، وآخر طبيب صرف لها فافرين، لكنها لم تتناوله ولم تنتظم عليه مهما طلبت منها. والدتي امرأة كبيرة، وأحيانا تخرج بعض الأصوات في دورة المياه لإخراج البلغم مثل صوت -أخن-، وأختي عندما تسمع الصوت تصرخ بوالدتي، وتقول: لو أن أحد إخوتي كان منزعجا من هذا الصوت لن تفعليه، ولكنك تكرهينني!
وضحت لها كثيرا بأن والدتي لا تفرق بيننا، وهذا كله من الوسواس، علما أنها تبكي بمجرد سماع الصوت، واليوم صرخت بوالدتي وشتمتها، فبكت والدتي كثيرا بسبب ذلك.
حاولت مع أختي بالعلاج السلوكي؛ لأنه لا يوجد لدينا أي معالج سلوكي بالمنطقة، وبدأت معها بأقل الوساوس شدة، فأجبرتها على الشرب من كوب آخر غير كوبها، ونعم فعلت ولكن بصعوبة، ولم أكمل الخطة، وشعرت بالتعب كثيرا، وأختي لديها قناعة تامة أنها بخير وأننا نحن المقرفون، وتصر على السكن في بيتنا الآخر لوحدها، ولكن والدتي رفضت ذلك، وهي تقابل كلامنا معها بالصراخ مثل الأطفال! مع العلم أن ما تعانيه ليس وراثيا في العائلة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ روضة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، ونشكرك كثيرا اهتمامك بأمر شقيقتك التي بالفعل تعاني من وساوس قهرية متعددة المحتوى، ومن الواضح أن هذا النوع من الوسواس مزعج؛ لأنه يؤدي إلى احتكاكات مع الآخرين.
هذه الفتاة لا بد أن تفهم طبيعة الوسواس، نعم هي قابلت طبيبين، وطبعا من المفترض أن يكون الأطباء قد قاموا بشرح الحالة لها، والشرح الدقيق المتأني والعلمي يجعل المريض يقتنع بالدواء، وهذا هو المطلوب في حالتها، يجب أن تفهم أن هذا مرض، وأنه يجب أن يعالج، وأن هذا المرض له علاقة ببعض المواد الكيميائية والهرمونية في الدماغ؛ ولذا لا بد أن تأخذ الدواء، وبعد ذلك تشجع على أخذ الدواء، ويشرح لها اسم الدواء وطبيعته ومكوناته، وأنه دواء سليم، وأنه دواء غير إدماني، وأنه دواء ليس له أضرار على مكوناتها الهرمونية، وهكذا.
إذا الشرح الدقيق الوافي يقنع المريض، أنا لا أقول: إن الإخوة الأطباء قد قصروا، لكن من الأحسن أن ترجعوا للطبيب ليشرح لها حالتها.
ارجعوا للطبيب، ووضحوا له أن هذه الابنة مصرة على ألا تأخذ الدواء، والطبيب بما يحمله من سلطة علاجية يستطيع أن يوصل لها التفاصيل الدقيقة التي تجعلها -إن شاء الله تعالى- تتناول الدواء، هذه هي النقطة الضرورية والمركزة.
استجابة المراهقين واليافعين -ومن هم في سن أختك- للدواء يكون ممتازا جدا، والـ (فافرين) هو واحد من الأدوية الطيبة والجيدة والسليمة، ويوجد دواء آخر يسمى (سيرترالين)، هذا هو اسمه العلمي، ويسمى تجاريا (زولفت)، وله تسميات أخرى كثيرة، منها (مودابكس)، وهذا منتج مصري ممتاز جدا.
عموما: الدواء مهم، ومهم جدا، وهذه الابنة أيضا قابلة للاستجابة السلوكية؛ لأنك أصررت عليها أن تشرب كوبا آخر فاستجابت لذلك، حتى وإن كان ذلك بتردد وصعوبة.
فأرجو أن تستمري أنت أيضا في هذه المناهج العلاجية:
- ألا تتبع الوسواس أبدا.
- أن يكون هنالك تعاطف وشدة وتشجيع في نفس الوقت.
- وطبعا العلاجات السلوكية كثيرة، لكن أهمها ما نسميه بالتجاهل والتحقير: أي أن يحقر المريض الفكرة ويتجاهلها.
- وهنالك طريقة علاجية أيضا تسمى صرف الانتباه: أن تصرف انتباهها عن الوسواس من خلال الإتيان والانخراط في فكرة أخرى جميلة محببة، أو عمل آخر يكون محببا لها، فهذا تمرين ممتاز جدا.
- والتمرين الثالث نسميه التنفير: وهو أن نربط الوسواس -قولا كان أو فعلا- بقول أو فعل يكون منفرا منه، مثلا: أن تأتي بالفكرة الوسواسية وتقوم بالضرب على يدها بقوة وشدة حتى تحس بالألم، وتربطه بين الألم والفكرة أو الفعل الوسواسي، وتكرر هذا التمرين 20 مرة متتالية.
وبالمواصلة والمثابرة على هذه التطبيقات سوف تستجيب هذه البنية -إن شاء الله تعالى- للعلاج.
بجانب ذلك يجب أن تشجعوها على الانخراط في الأعمال المنزلية، مثل: ترتيب المنزل، القراءة، الحرص على الصلوات في وقتها ... وهكذا، إذا نجعلها تنخرط في نشاطات حياتية أخرى، هذا في حد ذاته يكون علاجا ممتازا للوسواس القهري.
طبعا بالنسبة لدخول والدتك الحمام والإتيان بهذا الصوت، هذا يعتبر من المثيرات أو الروابط للوسواس، وهذه علاقة معروفة جدا، فنرجو أن يقلل من مثل هذه المثيرات بقدر المستطاع.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.