والدي يقترض مني المال ويصعب عليه أن يعيده، فكيف أتصرف؟

0 4

السؤال

أنا فتاة عزباء، أساعد والدي في مصروف البيت، بنسبة كبيرة، وأتعاون معه فيتعلم إخواني، ولكن هناك مشكلتان، وهما:

أبي يقترض بعض المال مني، لعمل حر، ثم إنه لا يسدد ذلك المال، ولا يعيده، ولا يعاون بمصروف البيت، وأحيانا يخسر في أعماله.

أنا أشعر بألم شديد عندما أرفض إقراضه المال بنفس الوقت، وأنا لا أسرف في حياتي، وعندي مسؤوليات تجاه البيت، وتجاه أمي وأبي؛ بحيث إذا نقص شيء من أكل أو شرب أو لبس أقوم به.

لا أعلم ماذا أفعل؟ هل أرفض إقراض أبي المال لعمله أم أعطيه المال، وأحتسب فقط لعمله الأمور الأخرى، وأشجعه عليها؟

أرجوكم أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ روان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

بداية: نسأل الله تعالى أن يأجرك على برك بوالديك وعونك لأسرتك، فهذا من أعظم القربات التي يرضى الله بها عن عباده، ويحصل بها الخير والفلاح في الدنيا والآخرة، فنسأل الله أن يكتب لك الأجر ويرزقك من حيث لا تحتسبين.

أختي الفاضلة: نشعر بما تعانين منه، ورغبتك في تحقيق التوازن بين البر بوالديك والالتزامات الأخرى، وحتى نساعدك في تحقيق هذا التوازن، نقدم لك بعض التوجيهات التي تساعدك على ذلك:

أولا: إقراض الابنة لوالدها أمر مشروع، بل هو من البر والإحسان الذي دعا إليه الإسلام، قال الله تعالى: (وقضىٰ ربك ألا تعۡبدوا إلا إياه وبٱلۡوٰلديۡن إحۡسٰنا)، وقد جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: (أنت ومالك لأبيك) رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني. وهذا الحديث يدل على أن مال الولد مباح للوالد عند الحاجة بالمعروف، ولكن بشرط ألا يكون ذلك على وجه الظلم، وألا يؤدي إلى الإضرار به أو إتلاف ماله.

ثانيا: إذا اقترض الأب مالا من ابنه أو ابنته ولم يسدده، فإنه لا يعتبر آثما إذا كان في حاجة شديدة ولم يتمكن من السداد، أما إذا كان قادرا على السداد وتهاون أو امتنع، فإن هذا يدخل في باب أكل أموال الناس بالباطل، وهو محرم في الشرع، قال تعالى: (يا أيها ٱلذين ءامنوا لا تأۡكلوٓا أمۡوٰلكم بيۡنكم بٱلۡبٰطل) وقد قال العلماء: إن الوالد إذا أخذ مال ولده، فإنه يأخذه عند الحاجة، لا للترف أو الإسراف، ولا يحق له التصرف فيه بغير مصلحة.

ثالثا: إذا كان الأب فقيرا وعاجزا عن توفير احتياجاته الأساسية، وكان الابن أو الابنة قادرا على النفقة، فإن الإنفاق على الوالد واجب شرعا، وهو من أعظم القربات، قال الله تعالى: (وصاحبۡهما في ٱلدنۡيا معۡروفا) وقال النبي ﷺ: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) رواه أبو داود والترمذي.

أختي الفاضلة: مما سبق يتضح لك أن إعطاء المال لوالدك نوع من البر، ومن أعظم القربات إلى الله تعالى، خصوصا إذا كان محتاجا أو فقيرا، ومع ذلك، إذا كان إعطاء المال لمشروع مؤكد الخسارة، فهذا من إضاعة المال وإتلافه.

لذا ننصحك بما يلي:
أولا: الحوار مع والدك، حاولي الدخول في حوار واضح وصريح مع والدك، وبيني له فضل طاعته وبره، وحبك ورغبتك في مساعدته، ووضحي له التزاماتك الكثيرة تجاه العائلة، وما يترتب على إقراضه هذا المال الذي غالبا لن يعود بالنفع - كتجارة أو مشروع خاسر -.

ثانيا: التوضيح بشأن المال، أخبريه أن إعطاء المال للتجارة هو رغبة في تحسين وضعه، ولكن لا بد من بذل الجهد لإنجاح هذه التجارة، وإعادة المال إليك كونه دينا، ويمكن تشجيعه بهذا الدعم مع الحرص على التعلم من تجارب الفشل السابقة.

ثالثا: التمييز بين الاحتياجات الضرورية وغير الضرورية، إذا كان والدك محتاجا للنفقة الأساسية، كمسكن والطعام والشراب والدواء، فلا يجوز لك الامتناع عن مساعدته بأي حال. أما إذا كان يطلب المال لأمور غير ضرورية، أو مشاريع غير مضمونة، تتجاوز حاجته الضرورية، فيجوز لك رفض إعانته إذا تبين لك إضاعة المال، وعدم الاستفادة منه، قال الله تعالى: (ولا تبۡذرۡ تبۡذيرا)، ولكن مع ذلك ينبغي أن لا يكون الرفض صريحا حتى لا يحزن أو يغضب منك، فيمكن أن تحاولي الاعتذار، أو التملص بلطف، أو استخدام التورية والمعاريض في الكلام، دون الوقوع في الكذب.

رابعا: احتساب الأجر، إذا كنت قادرة على إعطاء المال دون أن يؤثر ذلك على مسؤولياتك الأخرى، فلك أن تحتسبي الأجر، فإن ذلك من البر والإحسان الذي تؤجرين عليه، قال النبي ﷺ: (أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى) رواه البخاري.

خامسا: ترتيب الأولويات، رتبي احتياجات الأسرة الأساسية أولا بأول، كالمسكن والطعام والتعليم والدواء، ثم انظري في إمكانية مساعدة والدك بما تبقى من كل تلك الالتزامات.

أختي الفاضلة: ما تشعرين به من ألم عند رفض إعطاء والدك يمكن تجاوزه ببيان أسباب هذا الرفض له بالكلمة الطيبة والمعروف، وشرح المخاوف التي لديك من تأثير ذلك على التزاماتك، فهذا قد يساعده في تفهم موقفك مع بقاء الود بينكما، أو بتلطيف العبارات، واستعمال التوريات كما أسلفنا سابقا.

أختي الفاضلة: إن الإحسان للوالدين باب واسع، ينبغي الحرص عليه، خصوصا عند حاجتهما، وهذا ما حث عليه القرآن، فقال تعالى: (..إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)، خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى البر لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، وهو نوع من رد المعروف والإحسان، ولو باليسير، فلا تنسي هذا الفضل.

لذلك إعطاء المال للوالد نوع من البر والإحسان والمعروف الذي أمرنا الله تعالى به، فاحتسبي الأجر والثواب، واجعلي نيتك دائما خالصة لوجه الله، ولا تظهري المنة والتأفف أو التضجر على والديك، حتى يبارك الله لك ويتقبل منك.

نسأل الله أن يرزقك السداد والتوفيق، وأن يجعل برك بوالديك في ميزان حسناتك.

مواد ذات صلة

الاستشارات