أشعر بتدني تقدير الذات والوساوس تزيد ذلك، فكيف أتجاوزها؟

0 12

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر 18 سنة، لدي مشكلة القنوط واحتقار النفس، والشعور بعدم القيمة منذ صغري، فأرى من حولي يحتقرونني -غالبا- دون سبب مقنع، حتى أهلي يقولون: إني لا أفكر جيدا، وأني كذا وكذا، فترسخ كلامهم بذهني وصدقتهم!

مرت السنوات ووجدت نفسي مفضوحة أمام الناس في المدرسة منذ الصغر، علما بأني استقمت بعمر 14 سنة، ثم تدهورت في عمر 16 سنة إلى اليوم، والعديد من معارفي انتهكوا عرضي أمام الناس، ولم أسامحهم لأنهم تعمدوا ذلك.

حاليا: أنا أشعر بالندم بسبب ذنوبي، وعلى تضييعي للوقت، وشعوري بالندم زاد عن المعدل الطبيعي وأحرق قلبي، حتى إني لا أريد رؤية نفسي في المرآة، علما أني في الماضي ختمت القرآن حفظا، وللأسف الوسواس يمنعني من مراجعته، وأنا الآن أنهيت الثانوية، وقررت البقاء بالمنزل لحفظ القرآن، وعدم الالتحاق بالجامعة، ولكن الوسواس لا يتركني، وأسمعه يقول: وهل يستجيب الله لك؟ فأنت لست إلا منافقة وكاذبة -والعياذ بالله-.

أعلم أن هذا من الشيطان اللعين الرجيم، لكنه ينال مني ويهزمني في كل مرة، لا سيما أني كلما تبت إلى الله رجعت إلى ما كنت أو أسوأ، وفي بيتي لا يسمح لي بطلب العلم حاليا إلى حين، ولا أقدر على مجالسة الصالحين، وأنا في حيرة من أمري، فكيف أدعو أهلي؟ وكيف أصلح نفسي وأكون سببا في صلاحهم؟ وأغلب ما أراه أمور تبعدني عن الله، وهكذا كلما أردت أو نويت الخير أشعر أني لا قيمة لي إطلاقا، فأحبط! فما الحل؟ أرجو الرد سريعا.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إلهام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -"أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والسؤال.

ونبشرك بأن الشعور بالخلل هو البداية الصحيحة، والمهمة للتصحيح، ونسأل الله أن يهديك وييسر الهدى إليك، وأن يجعلك سببا لمن يهتدي من أهلك، وأن ينفع بك البلاد والعباد.

أرجو أن تبدئي بالدعاء والتوجه إلى الله تبارك وتعالى، ولا تيأسي، فإن الله يجيب المضطر، فكيف بالمؤمنة؟ هذا المضطر قد لا يكون مؤمنا، ولا ييأس، واعلمي أن الله قد أجاب أشد أعدائه إبليس حين قال: {فأنظرني إلى يوم يبعثون}، قال تعالى بالرد: {فإنك من المنظرين}، وهذا ما قاله سفيان، ثم قال: "فلا يحملنك ما عندك من الذنوب عن الامتناع واللجوء إلى الله تبارك وتعالى".

فأكثري من اللجوء إلى الله تبارك تعالى، وجددي التوبة، وتوبي إلى الله توبة نصوحا، واعلمي أن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولا تغتمي، ولا تهتمي لأمر الناس، فكل الناس نفوسهم مليئة بالنقص، نحن بشر والنقص يطاردنا، والإنسان حين يسخر من الآخرين ينسى عيوبه، فاشتغلي بما يقربك إلى الله تبارك وتعالى، ولا تهتز ثقتك في نفسك من أجل كلام الناس.

واعلمي أن رضاهم غاية لا تدرك، وأن العاقلة مثلك تجتهد في إرضاء الله، فإذا رضي الله عنها أرضى عنها خلقه، قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} أي محبة في قلوب الخلق، فكوني مع الله، ولا تبالي، ولا تتوقفي عن طلب العلم، أو دراسة القرآن الكريم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على تجاوز هذه المحنة.

وحذار أن تستجيبي للشيطان الذي همه أن يحزن أهل الإيمان، ويريد أن يصل بك إلى واحد من أمرين: اليأس والقنوط من رحمة الله وتلك جريمة، أو العودة إلى المعاصي والذنوب، فعاملي عدونا الشيطان بنقيض قصده، أقبلي على الله تبارك وتعالى، وأبشري بالخير واهتمي بما يسرك.

ونحب أن نؤكد لك -ابنتنا- أن تواصلك مع هذا الموقع العلمي الشرعي، فيه مهارات، وفيه بحوث، وفيه تعاليم كثيرة من الأشياء المفيدة، وهذا دليل بأنه لا يمكن لأي إنسان أن يمنعنا من العلم، أو يمنعنا من طلب العلم ومن المعرفة الشرعية، هناك الكثير من الدورات التي تعقد عن بعد، فأرجو الاستفادة منها.

الأمر الثاني: أرجو أن تقفي مع أسباب تدخل أهلك ورفضهم لك في التعليم، وأنت قلت: (إلى حين)، فإذا كان هذا الرفض مربوطا بزمن محدد، فأرجو أن تستفيدي من تعلم المهارات الحياتية، وكلها أمور مفيدة للإنسان، والإنسان ينبغي أن يتكيف مع الظروف المحيطة به، وكذلك مجالسة الصالحين قد تكون عن طريق التواصل مع موقعك، ومع الجهات الشرعية التي فيها الخير الكثير، والإنسان إذا منع من مجالس الصالحين فإن عليه أن يجالس كتاب رب العالمين، فالقرآن جليس لا يمل، وصاحب لا يغش، وما جالس أحد هذا الكتاب كما قال علي -رضي الله عنه- إلا قام عنه بزيادة ونقصان، زيادة في هدى، ونقصان من عمى وجهالة وضلالة.

فاجعلي هذه المرحلة مرحلة تعلم كتاب الله -تبارك وتعالى-، واعلمي أن دعوة الأهل تحتاج إلى أن تكوني قدوة، فكوني بارة بوالديك، كوني معاونة لهم، أظهري لهم أن تدينك وحرصك على الدين هو الذي يزيد في البر، وحاولي إصلاح نفسك بالرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-، وعمران لحظات حياتك بالاستغفار والإنابة، واجتهدي دائما في الدعاء لهم، ثم قدمي لهم الدعوة كنموذج، وبعد ذلك إذا أردت أن تقدمي الدعوة فلتكن بلطف، {يا أبت ... يا أبت ...} كما فعل الخليل مع والده.

وإذا وجدت صدودا فليس معنى ذلك أن تتوقفي، لكن أن تقدمي صنوفا من البر ثم تعيدي المحاولة، ونسأل الله أن يهديك، وأن ييسر الهدى عليك، وأن يجعلك سببا لهداية أهلك، وبشرى لك بهذا التفكير الرائع، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والهداية والثبات.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات