السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم.
في عام 2018 تخرجت من الثانوية، علوم عامة، وفي عام 2019 كان لدي رغبة في دخول الهندسة، تخصص هندسة الأسلحة والدبابات، لكن لم أوفق في امتحان الدخول، ولكي لا تضيع السنة وجهني أهلي لدراسة الفيزياء؛ لأن الباب كان لا يزال مفتوحا للتسجيل، منذ عام 2019 وحتى الآن 2024 لم أكمل السنة الثانية في الفيزياء، ولا زال أمامي 20 مادة.
نعم، ضاعت الكثير من أموال أهلي ووقتي طوال هذه السنوات؛ لأنني لا أملك هواية كبيرة في الفيزياء، لدي رغبة في دراسة الدين لعلاج نفسي ومساعدة الناس.
أنا مزارع وراعي غنم، وأكسب المال من هذا العمل، لكن قرار ترك الفيزياء يصعب علي، لا أعلم لماذا، ليس لدي القوة أو القدرة على اتخاذ قرار ترك الفيزياء؛ لأن أبي يظل يقول لي: إنني أضعت عليه تعب السنين، وهو الذي دفع لي الأموال، لماذا لم أقل من البداية؟ كنت أعيش في جهل، والآن استيقظت، كيف أتخذ القرار السليم (الشرعي) بعد إذنكم؟
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم- في منصة استشارات إسلام ويب، ونحن نتفهم تماما حيرتك بين إرضاء والدك، وتحقيق رغبتك الشخصية في التخصص الذي تميل إليه وتحبه، ومن المؤكد أن اتخاذ قرار اختيار التخصص هو خطوة محورية يجب الإعداد لها مسبقا، بدءا من المرحلة الثانوية، ومع ذلك، فإن الكثيرين يهملون هذا الجانب، ليجدوا أنفسهم لاحقا في حالة من عدم الارتياح تجاه تخصصهم الدراسي.
أخي العزيز: بما أنك قد قطعت شوطا لا بأس به في دراسة تخصص الفيزياء، رغم عدم ميولك إليه، فإن النفس البشرية قادرة على التأقلم والتكيف مع الظروف، متى ما تم توجيهها بشكل إيجابي، لذلك نود توضيح بعض النقاط المهمة التي تساعدك على ذلك:
أولا: لابد من إعادة النظر في طريقة التفكير تجاه التخصص، فالشعور بالفشل أو الإحباط لا ينبع دائما من عدم حب التخصص، بل قد يكون السبب الرئيسي هو تغذية العقل الباطن بالرسائل السلبية المستمرة عن رفضك لهذا التخصص، لذلك يجب أن تعلم أن كل التخصصات مهما بدت صعبة أو غير محببة، تحمل جوانب إيجابية، وفرصا للإبداع والتميز.
ثانيا: استثمار التخصص لخدمة الدين، يمكنك الجمع بين حبك للعلوم الشرعية وتخصص الفيزياء، مثلا، يمكنك تسخير معرفتك في التحدث عن عظمة خلق الله في الكون، وإثارة عقول الناس بالعجائب الفيزيائية التي تظهر دقة صنع الله. وهذا باب واسع ومؤثر في الدعوة إلى الله، وهناك العديد من العلماء الذين استطاعوا توظيف العلوم التطبيقية، كالطب والهندسة والفيزياء لخدمة الدين ونشره، وليكن شعارك: "كل مسلم على ثغر من ثغور الإسلام، الله الله أن يؤتى الإسلام من قبلي".
ثالثا: الجوانب الإيجابية في التخصص، حاول التوقف عن التفكير السلبي تجاه الفيزياء، وابحث عن الجوانب التي يمكن أن تلهمك أو تدفعك للتميز، فإذا أخلصت النية لله، وصممت على النجاح؛ يمكنك تحويل هذا التخصص إلى نقطة قوة تساهم في تحقيق أهدافك.
رابعا: استمرار الدراسة والتطوير، إن استكمال دراستك في تخصص الفيزياء لا يعني انتهاء الفرص لتعلم ما تحب، يمكنك أن تعزز معرفتك بعلوم الدين من خلال دراسة تخصصات إضافية، سواء عبر برامج تعليمية موازية، أو دورات تدريبية، أو حتى التعليم الذاتي، كما أن إنهاء دراستك في الفيزياء الآن يفتح أمامك خيار العودة لاحقا للدراسة في التخصص الذي تميل إليه.
وبهذا تكون قد جمعت بين التميز في مجال الفيزياء، والاستفادة من فرص التوسع في علوم الدين؛ مما يمنحك تنوعا معرفيا، وقدرة أكبر على خدمة دينك ومجتمعك من زوايا متعددة.
أخي الكريم: التوقف عن الدراسة بعد أربع سنوات قرار صعب، خاصة في ظل الأموال التي أنفقها والدك وجهودك السابقة، لذلك: عليك أن تدرس -بعناية- وضعك المادي والنفسي قبل اتخاذ أي قرار بالتغيير، فليس كل قرار في حياتنا يأتي كما نشتهي، ولكن بإدارة ذكية للرغبات والطموحات، يمكننا الاقتراب كثيرا من تحقيق ما نرغب فيه، وتحويل المحن إلى منح، قال الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
استخر الله كثيرا، وأكثر من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يختار لك الخير، نسأل الله أن يوفقك للخير، ويعينك عليه.