مرضي يشعرني بالنقص ويسبب لي اليأس والتفكير في المستقبل!

0 11

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا بنت أعيش في صراع يومي مع نفسي، دائما أفكر في المستقبل، وأعاني بسبب الحاضر، فأشعر بالفشل؛ بسب عدم إكمال دراستي، وبلا وظيفة، إضافة إلى ذلك لدي مرض مزمن لا علاج له، يتطور مع تقدم العمر، ويسبب تشوهات وكل أنواع المرض، ومنها السرطان، وفقدان البصر، والسمع.

أصبحت دائما أفكر ماذا إن تطور مرضي! وأخاف أن أكتسب أوراما تشوه وجهي مستقبلا، حينها لن أستطيع الخروج أبدا من البيت، علما أن عندي جنفا سبب لي عقدة نوعا ما، ومرضا جلديا عبارة عن تصبغات.

أنا أعاني كل يوم وأبكي، أخواتي جميلات وناجحات، وأشعر بالنقص الشديد! حتى عائلتي دائما تسأل عن أختي التي لم تتزوج إن كان قد تقدم لها شخص أم لا، وأما أنا فلا أحد يسأل عني، وكأني مجرد كلبة، فأشعر بالنقص، وأقول إن كان هذا تفكير أقاربي، فكيف يفكر الغرباء!

وهناك مواقف حدثت معي في المدرسة لا أستطيع أن أنساها، منها موقف قالت فيه فتاة من وراء ظهري: هذه من سيتزوج بها، علما أننا كنا صغارا، حتى أختي عندما كنا صغارا كانت تسخر مني، واليوم أصبح إيمانها قويا جدا، وحياتها جميلة.

لا أحد يشعر بمعاناتي! أشعر أني خلقت لأتعذب فقط، أصبحت أكره نفسي، رغم أني كنت متفائلة جدا، ومتأكدة أن الله سيعوضني، أما اليوم فأنا فاقدة الأمل، فلا مستقبل بدون دراسة، ولا زواج، إضافة إلى المرض!

أحيانا أتمنى لو لم أخلق، أخاف أن أخسر آخرتي، رغم أني أؤمن بالله، لكني تعبت ولا أستطيع الصبر أكثر، أعلم أن الله يوفي الصابرين بغير حساب، لكني لا أستطيع التحمل أكثر، وأكثر ما أخاف منه هو الحديث: (فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).

أتمنى أن أفرح في هذه الحياة، وأخاف أن أعيش وأموت وحيدة، وأخاف أن أصبح ساخطة ولا يرضى عني الله، لكني أتعذب، فكل شيء ضدي، فكيف أستطيع أن أصبر على ما لا طاقة لي به؟ هل يأتي الفرج بعد الكرب دائما؟ وعلى ماذا يدل كثرة الابتلاءات؟ ولماذا الله يختبر الضعيف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

نعلم كم تحملين صراعا داخليا يكاد يستهلك روحك، وكم من ألم يختبئ خلف كلماتك الصادقة، لكن دعيني أذكرك أن الله لا يخلق شيئا عبثا، وأن لكل ألم في حياتك حكمة أكبر مما تدركين، لكنك تنظرين إلى زاوية الألم فقط فيزداد ألمك وتشعرين بالعجز.

أختي الفاضلة: الله الذي اختارك لتعيشي هذه الابتلاءات هو أرحم بك من نفسك، وأعلم بما تستطيعين تحمله، قال في كتابه العزيز: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، لذلك أنت في عين الله قوية، وإن رأيت نفسك ضعيفة، فالله أرحم بعباده من الأم على ولدها، والابتلاء بالأمراض والشدائد ليس عذابا في حق المؤمن، بل رسالة، فحين يبتلى المؤمن، يقترب من الله بالدعاء والتضرع، فتصبح الشدائد وسيلة لعودة القلب إلى مولاه، وتكفيرا لخطاياه، ورفعة لمكانته، يقول النبي ﷺ: "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه".

لذلك عندما تسألين عن كثرة الابتلاءات، وهل هي دليل على غضب الله؟ حاشاه سبحانه أن يبتلي عبده المؤمن إلا ليطهره ويرفعه، قال رسول الله ﷺ: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم". فلا تنظري إلى هذا الألم كعقوبة، بل لك قدر ومكانة عند الله سبحانه -والله حسيبك-.

أختي الفاضلة: جمالك الحقيقي يكمن في قلبك الصادق وروحك المتعلقة بالله تعالى، رغم كل هذا الألم الذي يضعف أمامه الكثير، فلا تقارني نفسك بأحد، فالله وزع النعم بحكمته، وأنت لست أقل شأنا من أحد، بل قد تكونين أعظمهم أجرا، قال رسول الله ﷺ: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، فلا تنزلي إلى سطحية المظاهر والأشكال، وتأملي في روعة الجوهر والقلوب والأخلاق التي ميزك الله بها، فأنت أرقى من ذلك.

أختي: قد تشعرين أنك وحيدة مع كل هذا الصراع النفسي، لكن الله معك، يقول سبحانه: "إن الله مع الصابرين"، كل دمعة تذرفينها الله مطلع عليها، وكل زفرة صبر واحتساب ترفع مقامك عند الله، فحياتك ليست عبثا، وأنت لست مجرد إنسانة تعيش لتتعذب، أنت قصة صبر وإيمان، ورسالة لكل من يرى الحياة من زاوية الألم فقط، أن هناك من هو قادر على أن يصنع من رحم المحنة منحة، فلا بد أن تعرفي قيمة هذا البلاء لنفسك ولغيرك حتى لا تعيشي أسيرة الحزن الذي لن يغير شيئا، واصنعي من هذا الألم مبادرات تساهم في استعادة الكثير لثقتهم بالله تعالى وحبهم وقربهم من الله، فلا يوجد أصدق قلبا من أهل البلاء.

أختي الفاضلة: لك أن تتأملي حال الصابرين عند البلاء عندما يقول الله تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"، فالصابر المحتسب هو المهتدي حقا.

يقول النبي ﷺ: "من يرد الله به خيرا يصب منه"، تأملي هذا الحديث، إن الله يختارك بهذا الابتلاء؛ لأنه يريد الخير لك، فكيف تظنين أن ما تمرين به هو مجرد ألم بلا فائدة؟ فشتان بين نفس ترى أن الله يريد لها الخير، ونفس ترى أنها خلقت للألم وبلا قيمة، فلا تستسلمي لأفكار اليأس، فقدرك مع الصبر والاحتساب عند الله عظيم.

أختي: لا تستهيني بدورك في هذه الحياة، ربما الله يختبرك لتكوني نورا لغيرك، تخيلي أن قصتك، مع صبرك وإيمانك، قد تلهم شخصا آخر يظن أن لا طريق للنجاة، تخيلي أنك قد تكونين سببا في أن يفتح الله باب الهداية على شخص كان على وشك الاستسلام، هذه هي رسائلك في الحياة: أن تكوني شاهدة على قدرة الإنسان على الصمود أمام أصعب الابتلاءات، فكثير من أعظم الإنجازات جاءت من قلوب مجروحة، أو من عميق الحاجة والاضطرار، فاصنعي من ضعفك قصة إلهام لنفسك ولغيرك.

أختي: الفرح الحقيقي ينبع من الداخل، من رضاك عن نفسك، وقربك من الله، فلا تدعي الألم يحبطك ونظرات أو كلمات الناس تدمرك، بل اجعليه دافعا لتقتربي من خالقك، ولترسمي حياة مليئة بالمعنى والأمل؛ لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

فكري قليلا: ماذا سأحصد من اليأس والاستسلام سوى أن أعيش في مزيد من الألم والحسرة التي لن تغير شيئا؟ ثم قارني موقفك هذا عندما تعيشين حياة التفاؤل والحب لله، وتبادري في الحياة بكل حيوية وهمة، سيصبح للحياة معنى ولك قيمة، فالرضا بما قضاه الله وقدره من أعظم مراتب الإيمان، وهو الذي يجعل الحياة لها معنى حقيقي، فأنت بقلبك وروحك لا بجسدك ومظهرك.

أختي الفاضلة: استمدي العون من الله على كل هذه الآلام، فإذا استنار القلب، وحسنت علاقته بالله، هانت كل الصعاب، إن حسن العلاقة مع الله يمنحك حياة الرضا والسعادة، ويزيل عنك الخوف من المستقبل، فالمستقبل غيب، والغيب بيد الله وحده، فلماذا الخوف والحزن؟!

أختي الفاضلة: أكثري من الدعاء والتضرع لله، فبيده كل شيء، وقادر على كل شيء، فالذي شفى أيوب، ورد أولاد يعقوب، ونجى إبراهيم وزوجته سارة من النمرود، قادر على أن يجعل بعد عسر يسرا، فلا تستسلمي لليأس، وبادري الآن وليس غدا إلى بناء ذاتك، ومكابدة الأيام ببناء نفسك، واغتنام كل ما تملكين من قدرات، ولا تلتفتي إلى نظرات الناس والمثبطين، فأنت أعظم وأكبر بقلبك وإيمانك.

احرصي على الإكثار من "إنا لله وإنا إليه راجعون"، ومن قول: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها"، فقد قال رسول الله ﷺ: "ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها؛ إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا منها".

أسأل الله أن يمن عليك بالشفاء العاجل، وأن يرزقك الطمأنينة والرضا.

مواد ذات صلة

الاستشارات