السؤال
السلام عليكم ورحمة الله، وبارك الله فيكم.
هل يجوز تقليل زيارة الأهل من أجل حماية الأطفال من التأثر بالأفكار الدنيوية، حيث إننا هاجرنا -والحمد لله- من ديار الكفر إلى المغرب، وذلك خوفا على أبنائنا من الزيغ، لكن للأسف بيئتنا في بلدنا (بلد الزوج) لا تساعد على حسن التربية، فهي بيئة تفسد علينا أطفالنا، فمثلا أم زوجي تطالبنا بالزيارة عدة مرات في الأسبوع، وتريد أن يبيت الأطفال عندها، وعند زيارتها يبقى ابني يشاهد التلفاز طول اليوم، وعندما أتدخل وأمنعه من ذلك تقول لي: (اتركيه)، ونحن نعلم ما يبث في التلفاز، ويصير ابني مترددا، ويريد أن يذهب كل يوم، وأن يبيت وحده ليفعل ما يريد، وحماتي لا تراقب ما يشاهده، حيث إنها أمية.
قررت أن أزورها مرة في الأسبوع، ولا أترك ابني يبيت وحده عندها، رغم أنها تنزعج، أما زوجي فهو حر يذهب متى شاء، فهل أنا آثمة، أم أني محقة في هذا؟ وهل الأحفاد ملزمون بالزيارة متى شاء الأجداد؟
أقول لها أن تزورنا وتبيت عندنا؛ حيث يمكنني التحكم أكثر، لكنها تقول إنها كبيرة في السن وتحتاج لعدة أمور، فهل البر بها مقدم على تربية أبنائي؟
وسؤال الثاني هو: أني أحفظ ابني القرآن يوم السبت والأحد، ومعه ابن أختي، فهل إن طلبت حماتي من زوجي أن يحضر الأبناء يوم السبت والأحد، هل يجب علي طاعتها وابني مقدم على حفظ القرآن؟ حيث ذكرت أننا نزورها مرة في الأسبوع، وهو يوم الجمعة.
أرجو منكم الدعاء حيث صار عندي وساوس بكثرة من هذه الفتن، وصرت في صراع، أخاف أن أعصي الله في ما أفعل، خصوصا أن الأمر يتعلق بالوالدين؛ لأن زوجي يستحيي من أمه، ويتركني وحدي أتولى الأمر بيني وبين أمه، لكني لا أريد فعل ما يغضبه، فهل أترك أبنائي يضيعون وتضيع تضحياتنا التي بذلناها وقمنا بالهجرة لأجلها؟
والله وددت أن أقول: ليتني أجد كهفا أعيش فيه وحدي مع أبنائي.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سناء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك هذا الاهتمام بالأبناء، ونسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية.
نكرر التحية وهذا الحرص على الخير، وأرجو أن تتعاملي مع الموضوع بمنتهى الحكمة، ولا شك أن تربية الأبناء على الصلاح والخير مقدمة، والحكمة في ذلك مطلوبة، فإذا استطعتم أن تكون زيارات متعددة، لكنها خفيفة وسريعة فهذا أفضل، وإذا كنت عندهم أيضا فحاولي استثمار وقت الأبناء، وأشغليهم بما هو مفيد، وإذا كانت الأسر كلها عندها أطفال في سن الأبناء؛ فأرجو استثمار بعض الوجود في عمل مسابقات في حفظ القرآن مثلا بينهم.
مما يعيننا على ضمان نجاح أبنائنا أن نهيئ لهم رفقة صالحة، كما قال الجاحظ: (الصبي عن الصبي أفهم)، وقال ابن سينا: (الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ وبه آنس)، وفي مثل هذه الأحوال العائلية نرجح أن يحرص الإنسان على تربية أبنائه وأبناء إخوانه وأخواته، يعني كل هؤلاء الذين لهم صلة بحيث يكون هناك محتوى آمن، ونعتقد بقليل من الألعاب والمسابقات الهادفة نستطيع كسب هؤلاء جميعا.
أما ما أشرت إليه من تقليل الزيارات فهذا أمر شرعي، ومن حقك أن تقللي الزيارات، ولكن من الحكمة ألا تشعريهم أنك كذا وكذا، ولكن احرصي دائما على أن تفتعلي أسبابا لتقليل الزيارات، واذهبوا للزيارة في أوقات متباعدة، ثم قولي: (عندنا برنامج)، أو (عندنا محاضرة) أو (الولد عنده تحفيظ وورد قرآني يجب عليه ألا يضيع وقته)، أو (عندنا جدول تعليم) أو (عندنا كذا وكذا)، بحيث تلتمسين الأعذار ويكون عندك أسباب في تقليل الزيارات، ولست آثمة، وما تقومين به هو الصواب وفي مصلحة الأبناء، وهذا مقدم على كل شيء.
وأيضا زوجك ينبغي أن يتدخل في هذا الأمر، بحيث يقول: (نريد الأبناء أن يحفظوا، ونريد أن يدرسوا ...) وهكذا، أي عليه أن يحاول ويتكلم بلسانه هو، حتى لا يتركك وحدك في المواجهة مع أمه (حماتك).
وعلى كل حال: أنت على خير، وليس هناك داع للوساوس، وهذه البيئات التي يتربى فيها الأبناء هي البيئة الطبيعية، فنحن أيضا لا نريد التربية المعزولة من المجتمع؛ لأنه من المهم أن نكون عندهم قناعات، ولذلك التربية المعزولة مثل الذي يغرس شجرة في الظل، فإنها تصبح ضعيفة، بخلاف الشجر الذي يكون في ظل الشمس والهواء يكون قويا، فكذلك الأبناء في ظل الأسرة والعائلة الكبيرة والترابط الذي يزداد قوة وثباتا.
فلا تنزعجي أكثر من اللازم من الآثار التي يمكن أن ينالها الأبناء من المجتمع وبيئتهم المحيطة بهم، واجتهدي أنت في واقعك الخاص وفي وقتك الخاص، في تربية أبنائك وفي تعليمهم، وفي تشجيعهم على فعل المكرمات، وتشجيع الذين في سنهم -كما قلنا- من أبناء الأسرة أيضا على فعل الطاعات، بالأمور التي تقربهم إلى الله تبارك وتعالى، وبإذن الله بهذه النية الصالحة، وهذه المجهودات التي تقومين بها مع كثرة الدعاء؛ سيبارك الله تبارك وتعالى فيهم.
ولا ننصح بالدخول في أي احتكاك معهم، ودائما التربية التي فيها جدات يكون فيها إشكالات، لأن الجدة عاطفية وتريد لأحفادها أن يفعلوا ما يريدون، وهذا موجود في كثير من البيئات، ولكن الأم هي الأقدر على كسب أبنائها بالملاطفة، والمسح على رؤوسهم، وتقبيلهم، وإعطائهم الهدايا، وهذا الجانب العاطفي من الأهمية بمكان.
فإذا المحافظة على الزيارات مع تقليل الآثار السالبة هو المطلوب، حتى لو تعددت الزيارات فلتكن قصيرة، ولتكن فيها توجيهات وتعليمات منكم إلى أبنائكم بترك السلبيات، والانشغال بالمفيد واللعب المفيد.
ونسأل الله أن يعينكم على الخير، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية.