السؤال
السلام عليكم..
أنا شاب في 20 من عمري، ترعرعت في وسط مستواه الثقافي الديني محدود، أصبت بمرض السكري في سن مبكرة، حاولت التقرب أكثر من الله وذلك بالالتزام بتعاليم ديننا الحنيف، والحمد لله استطعت الوصول إلى ذلك بعون الله رغم الصعوبات التي واجهتها مع أمي، فهي تخاف علي من التدين لدرجة أنه يزعجها ذهابي إلى المسجد، والتزامي بديني.
حاولت أن أساعدها لنتقرب معا ولكن دون جدوى، إنها تحاول إبعادي عن هذا السبيل بشتي الطرق، أردت الزواج بغية التقرب إلى الله ولكن كان رفضها كان عنيفا بحجة صغر سني.
معاناتي شديدة بين بري بأمي والتقرب إلى الله، فقدت أحاسيسي التي لطالما سعيت جاهدا لامتلاكها، ليس لي أي رغبة في أي شيء، أخاف على نفسي من نفسي، أعاني من أزمة تفقدني تركيزي ورغبتي في الحياة، أعاني منها منذ أكثر من سنة، تأتيني نوبات أكره فيها كل شيء حتى نفسي، لا أستطيع حتى الصلاة، أرغب خلالها بالنوم فقط، وحين تمر هذه الأزمات رغم فواتها أشعر بعدم الرغبة في أي شيء، فقدت مشاعري، كنت مرهف الإحساس، والآن لا أشعر بأي إحساس تجاه أي أحد حتى أمي، حتى ولو بكت أمامي، فهل من حل لمشكلتي؟ وهل من سبيل لتعود مشاعر قلبي مرة أخرى؟
أشعر أن قلبي قد مات، أحاول أن أحييه لكن دون جدوى.
أرجوكم هل لمشكلتي من حل؟ وهل ستدوم طويلا؟ لا أشعر بأي خشوع في الصلاة ولا في القراءة، أشعر بالإحباط التام فما العمل؟ وهل من حل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ M حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يرزقك البر بأمك وطاعة رب العباد، وقد أشتد عجبي من أم مناعة للخير، حريصة على إلحاق الأذى بولدها قبل الغير، فتوجه إلى من بيده الخير، وزد في برك لأمك، ومرحبا بك في موقعك وبين آبائك وإخوانك.
ولا شك أن الحل في الصبر والدعاء، والإصرار على طريق الصلاة والتلاوة والنقاء، وقد أحسن من قال:
ألا بالصبر تبلغ ما تريد ** وبالتقوى يلين لك الحديد
وأرجو أن تبحث عن أسباب معارضة والدتك للالتزام، فإنه إذا عرف السبب بطل العجب، فربما كانت عندها بعض الشبهات، وربما كان السبب هو خوفها عليك من الاهتمام والمطاردات، وربما كان الدافع لها هو رفضها للدين والطاعات، وأرجو أن يكون في مساعدتك للعلماء والفاضلات، كما نتمنى أن ترى فيك جمال الدين وحسن الأدب، وتذكر فضلها فإن الجنة تحت أرجل الأمهات.
وتذكر عزيمة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد كان أبر الناس بأمه عندما رفضت الطعام والشراب والظل حتى يكفر بمحمد صلى الله وسلم أو تموت فيعير بها، فلاطفها وحاورها، فلما رأى إصرارها قال لها بعزيمة المؤمن: (والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكلي إذا شئت أو دعي) فأقبلت العجوز على طعامها، وصدق فيه وفي مصعب بن عمير رضي الله عنهما قول الله: (( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي))[لقمان:15].
فانظر إلى عظمة هذا الدين الذي يقدم طاعة الله رب العالمين على بر الوالدين، ويدعو المؤمنين إلى الإحسان إلى الوالدين حتى لو كانا كافرين، وذلك المراد بقوله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) وأنت – ولله الحمد - أمك مسلمة فاجتهد في نصحها واحرص على برها وخدمتها، وذكرها أنك تحبها وتعرف فضلها، ولكن طاعة الله أغلى وأعلى وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأرجو أن تعرف أن طاعة الأم واجبة وأنها مقدمة على نوافل العبادات، لكنها لا تطاع إذا نهتك عن واجب أو أمرتك بمعصية.
أما بالنسبة لموضوع الزواج:
فاجتهد في إقناعها بحاجتك للعفاف، وبخوفك من الوقوع في الفواحش، خاصة وأنت تعيش في زمان الفتن وفي بيئة الشهوات، وأرجو أن تجد من أهلك من يستطيع أن يؤثر عليها ويساعد في إقناعها، كما نتمنى أن تلتمس لها الأعذار وتقدر مشاعرها، فإنها تحب لك الخير لكنها أخطأت الطريق حين أرادت منعك من الجمع والجماعات، ورفضت أن تشاركك في طاعة رب الأرض والسموات.
وأرجو أن تكثر لها من صالح الدعوات، وعمر حياتك بذكر الله والطاعات، ولا تعاندها ولا تحزنها وأشفق عليها حتى تعرف أن دينك يدعوك للوفاء لها، ولا تعطي الأمر أكبر من حجمه، وسوف يتبدل الوضع بإذن الله، فاستعن بالله وتوكل عليه، واعلم أن الخير في يديه، وتعوذ بالله من شيطان يريد أن يحزنك، فواظب على الاستغفار، وصلي وسلم على نبيك المختار، وتجنب الوحدة وصحبة الأشرار، وكن لطيفا مع أمك وأهلك، وادعهم إلى شريعة القهار، واصبر على الأذى وتأس بعباد الله الأخيار، واعلم أن العاقبة للصالحين الأبرار.
ونسأل الله أن يوفقك وأن يسدد خطاك.