السؤال
السلام عليكم.
أرسل إليكم هذه الاستشارة وعندي أمل بسيط في ردكم عليها.
لقد تعبت من التفكير في مشكلتي، فصرت وبكل بساطة أدعو على أبي ليل نهار وفي كل وقت أتذكره، وأغير من أسلوب معاملتي لهم كلهم في البيت.
أبي إنسان لا يطاق، جامعي درس الهندسة، والآن هو لواء بالقوات الجوية، عمره تقريبا 56 سنة، لكنه كلب وحقير، وأنا أكرهه جدا.
أبخل إنسان عرفته من يوم أن فتحت عيني على الدنيا.
المشكلة أنه أحيانا كثيرة يحضننا بحنان، وعموما نحن أولاده، وأحس أنه فعلا يعبر عن نفسه، لكن هذا لا يشفع له أبدا، هو دائما ينصحنا ويحاول أن يقضي معنا وقته، لكن رغم هذا كله هو يعرف أنه لم يصبح محور اهتمامنا، وأننا لازم نخرج خارج البيت أكثر من أول على الأقل.
أنا طالب في الكلية، ولهذا السبب صرت تقريبا لا أخرج إلا ليلة الخميس، وفوق هذا يجعل نفسه أنه قلق علي، وأني لازم أرجع الساعة (12) في الليل، وإلا على قوله: اذهب ابحث لك عن مكان خارجا لتنام فيه، وأنا والله مستعد أفعل هذا، وعندي إمكانيات ولو أنها بسيطة، لكن لابد أن يعرف أني أستطيع أتركه يفرح ببيته، هذا هو أسلوبه.
وأما من جهة المصروف فانس هذا الأمر؛ فهو لم يعطنا إلا بعد توسل وتذلل مع أن حالته المادية وحالتنا عموما ممتازة جدا، ونحن في تطور من زمان ولله الحمد، فمصاريفنا عموما محدودة جدا، مع أن السكن والسيارات والبنزين والعلاج والدراسة وغير ذلك، كل هذا على الحكومة، ولله الحمد، وفوق هذا كله يحاسبنا حسابا شديدا على الفلوس، والمصيبة أنه يظن أنه أحسن أب، ويعتقد أننا نحبه ويعتقد أنه فاهم جيدا في النفس، ويعرف كيف يتعامل مع الناس.
أنا أكره أبي جدا.
مع السلامة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن العزيز الدكتور/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك في دراستك، وأن يذهب عنك ما في نفسك على والدك، وأن يملأ قلبك بمحبته وتقديره.
وبخصوص ما ورد برسالتك ولدي العزيز الدكتور محمد: اسمح لي أن أسألك هذا السؤال، وأريدك أن تجيب عليه بعقلانية وواقعية وتجرد: ما الذي ستستفيده من كراهيتك لوالدك وسبك له ودعائك عليه؟ هل هناك فائدة يمكن تحقيقها من وراء ذلك؟
لا أعتقد يا ولدي، إنك ما ستجني من وراء ذلك إلا القلق والتوتر والهم والغم والنكد، وعدم الاستقرار، وتدني المستوى العلمي والنفسي، وهذا كله ضدك وليس في صالحك، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)، فالعفو والسماح والتماس الأعذار كل هذه تؤدي إلى سعة الصدر وراحة البال، وفوق ذلك فهذا هو أبوك، وهذه هي طباعه التي تربى عليها (بخيل بمعنى الكلمة)، أنا أتفق معك في ذلك فرضا، فهل يا ترى هذه الكراهية ستجعله كريما سخيا؟ مستحيل. ولعله لا يعلم بما في نفسك نحوه، هو رجل بخيل وأنت ماذا تكون؟ هل هذه الكراهية صفة حسنة تثاب عليها؟ هل دعاؤك عليه يوافق شرع الله؟ قطعا ستقول: لا، ولكنه القهر والإحساس بالظلم.
أقول لك: ولكن ليس بهذه الكراهية وهذا الدعاء عليه سيتغير سلوكه، لماذا لا تحاول أن تتخلص أنت من هذه الصفات الذميمة يا دكتور؟!
لماذا تطلب من أبيك أن يتغير وقد مضى عليه 56 عاما ولا تتغير أنت يا ابن العشرين عاما؟!
أي عاقل يقول هذا يا دكتور؟! أنت المطالب بأن تتغير؛ لأنك الابن ولأن سنك أصغر، ولأن نفسك أطيب، ولأن ظروفك لعلها أحسن بكثير من ظروفه التي عاشها بين أهله، ثم أين حسناته التي قطعا ستطغى على سيئاته؟! من الذي تولاك يا دكتور بالعناية والرعاية والإنفاق والتربية منذ أن كنت جنينا لا تعي شيئا؟!
وكم كنت أتمنى ألا تطلق عليه هذه الألفاظ التي لا تليق بمثلك (كلب حقير)، وإن كنت أعتقد أنك لا تقصدها؛ لأنها في غاية الخطورة، ولا تنس يا دكتور أن الحسنات يذهبن السيئات، وأن النار لا تطفئ النار، وإنما الذي يطفئ النار إنما هو الماء.
فاغفر لوالدك، وبدلا من أن تدعو عليه ادع الله له، وأكثر من ذلك عسى الله أن يغفر لك أنت أولا وأن يصلحه ببركة دعائك له، وبدلا من أن تلعن الظلام فأوقد شمعة كما يقولون، فتوكل على الله يا دكتور، وأعد حساباتك مع الله ومع نفسك، وتوقف عن هذه الكراهية، وأنت قادر على ذلك، ولا تنس حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم).
مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد والهداية والرشاد، وبالله التوفيق.