أثر الأدوية النفسية على الحمل

0 114

السؤال

السلام عليكم.

أنا صاحبة الاستشارة رقم 258507 وكما وضحت لك - يا دكتور - أني عانيت كثيرا من عدم التشخيص الصحيح لحالتي من عشر سنوات، وقد استعملت أدوية من مضادات الذهان ومضادات الاكتئاب، وعددا من المهدئات، وفي أثناء كورس العلاج أقطع العلاج لأن الأعراض الجانبية تكون أقوى، وتحسنت مع بعض الأدوية مثل زيروكسات وريميرون مع بعضهما فأحسست بأني أجرب لأول مرة من سنين لذة النوم الطبيعي.

ولكن ليومين يتعامل جسمي مع الدواء ويظهر التحسن تدريجيا، وما إن أتعود عليه حتى أعود لحالتي وأسوأ، ولكن ريميرون زاد وزني عشرين كيلو في فترة بسيطة، وسؤالي لماذا يتعامل جسمي مع الأدوية بهذا الشكل؟ وهل ينطبق علي ما وصفته بظاهرة الكندلنج؟ (ولا أتذكر التسمية) ولكنك وصفتها مع تكرر النوبات وعدم اتباع برنامج علاجي والاستمرار عليه فإنها تضطرب كيمياء الدماغ ولا تستجيب للجرعات العلاجية مستقبلا.
سؤالي الثاني: قد ورد بتقريري الطبي هذه المصطلحات الطبية De-personalization de-realization ماذا يقصد بهذه المصطلحات؟ وهل هي ما أسميتها - يا دكتور - في استشارة سابقة لك لأحد المرضى بعلة عدم التأكد من الذات؟ وهل هي أيضا فقدان الشخصية؛ لأني في بداية مرضي تابعت مع طبيب وأخبرني أنه اكتئاب، وأن حالة عدم التأكد من الذات التي تترافق مع التوتر والقلق النفسي وفعلا حمدت الله.

ومن ثم قرأت كلامك بأنها ليست خطيرة وليست حالة ذهانية، وهل وجودها مع جزئية تقلب المزاج المسيطر على حالتي يغير التشخيص؟ وأنا كما ذكرت لك - يا دكتور - عن موضوع الحمل فاضطريت لترك الأدوية بعد شهر كامل من الحمل، وكنت أستعمل حبة ونصف 30 ملجم زيروكسات، حبة سيركويل 100ملجم كل ليلة، وسألت عن ضرر هذه الأدوية.
وسؤالي: هل إهمالي لنفسي وترك أدويتي لهذه الفترة والحمل وتأثيره على تطور حالتي؟ وخاصة مع وجود أمراض أخرى، وظهور أكياس دهنية بحجم كبير، والتهابات جلدية كافية لإجهاض الحمل ومتابعة علاجي؛ لأني أعاني، والحمل عبء نفسي قوي، وهل أسلم أن الاكتئاب ثنائي القطبية هو التشخيص لحالتي، وأخرج نفسي من هذه الدوامة وأعود أتابع مع طبيبي؟
ولابد أن أذكر - يا دكتور - أن جميع مثبتات المزاج بما فيها تيجرتول وديباكين ولامكتال لا أستطيع أبدا استعمالها لأنها معاناة لا تحتمل، ويظل الزيروكسات أنسب لي، ولكن الطبيب أخبرني أنه لا يستطيع أن يوصف مضادات الاكتئاب كي لا أنتقل للقطب الآخر من المرض، فاستغربت كلامه؛ لأن لي سنين طويلة وأنا أستعمل إيفكسور وزيروكسات دون أن يحدث لي نوبات هوس، فهل كلامه صحيح؟ وما رأيك في هذا الموضوع؟

مع ملاحظة - يا دكتور محمد - أن نوبة الهوس لا يحدث فيها شيء ولا يقل نومي ولا يكثر نشاطي بل يسيطر علي هاجس، وبما أن مزاجي ارتفع فلو أني هكذا دائما، والحمد لله على كل حال، وأدعو الله دعاء المضطر أن يجزيك عني خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هلا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالذي أود أن أبدأ به هو أن التشخيص النفسي لبعض الحالات ربما يكون ليس بالسهولة؛ لأن هنالك الكثير من التداخل في الأعراض النفسية، وكل النظم التشخيصية المعتمدة في العالم تضع فئة من الأمراض في المنطقة الصفراء – إذا جاز التعبير – أي أن هذه الحالات يمكن أن تشخص حسب ما يراه الطبيب، وذلك بناء على خلفيته العلمية والتدريبية والمدرسة التي يتبعها.

أرجو ألا يكون هذا الكلام مزعجا لك، ولا يعني أن هنالك نوعا من التخبط، ولكن هو حقيقة علمية، فأن هنالك قلة قليلة من الأمراض النفسية تتحمل أي نوع من التشخيص، ولكن الطبيب يقدر ويحسب ويميل إلى التشخيص الذي يرى أن من خلاله يمكن أن يساعد هذا المريض.

الحمد لله الآن بالنسبة للأدوية النفسية الحديثة تستعمل لأكثر من حالة، أو لأكثر من نوع من المرض؛ لأن الموصلات الكيميائية والناقلات العصبية هي التي تسبب لدرجة كبيرة هذه الحالات، أي حين يحدث هنالك اضطراب في هذه الموصلات تنتج عنه هذه الحالات، وهذه الموصلات لديها جزئيات كثيرة ولكنها متشابهة، مما يجعل فعالية الدواء أيضا متشابهة في الحالات المختلفة.

أنا حين ذكرت ظاهرة الكندلنج هي ظاهرة عامة وتنطبق على جميع الأشخاص، أي أن الذين يهملون في علاجهم ولا يتبعونه بالصورة المطلوبة، ربما يكونون عرضة لرفض الاستجابة في العلاج الدوائي المستقبلي، وهذا يجعلنا جميعا أكثر حرصا لاتباع الإرشاد الطبي الصحيح فيما يخص تناول الأدوية.

أتفق معك أن الريمانون هو من الأدوية الجيدة، ولكنه يزيد الوزن بعض الشيء، وهذا بالتأكيد يتطلب الحرص والقيام بالوسائل التي تؤدي إلى تخفيض الوزن، ومنها ممارسة الرياضة والتحكم في الطعام.

بالنسبة لسؤالك الثاني والذي يخص مصطلح (De-personalization) و(De-realization) هنالك تشخيص طبي يعرف باسم (De-personalization) والـ (De-realization)، وهي حالة نفسية عصابية يفقد الإنسان فيها التأكد من ذاته، يسأل نفسه هل أنا نفسي أنا، أو يحس أنه متغير بعض الشيء، وكذلك يحس أن من حوله ليسوا هم من حوله، وأن العالم الخارجي حوله يتغير دون أن يستطيع أن يحدد كيفية ونوعية هذا التغير، وهذه الحالة تعتبر من الحالات النفسية العصابية، أي ليست الذهانية أو العقلية، إذن للـ (De-personalization) والـ (De-realization) أن يكون تشخيصا منفردا لوحده.

هنالك حالات نفسية كالاكتئاب والقلق والوساوس، وكذلك بعض الحالات الذهانية مثل مرض الفصام، وكذلك الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية؛ يمكن أن تتواجد معها أعراض الـ (De-personalization) والـ (De-realization)، أي يكون عدم التأكد من الذات أو ممن حوله عرض مصاحب للتشخيص الرئيسي وليس هو التشخيص الرئيسي.

إذن: أرجو أن يكون الأمر قد اتضح بالنسبة لديك، وهذا التشخيص لا يدل على فقدان الشخصية ولكن – كما ذكر لك الطبيب – ربما يكون جزئيا من الاكتئاب النفسي، وأؤكد لك أنها حالة ليست خطيرة، وكثير من الناس يتخطاها وتختفي إن شاء الله.

بالنسبة لموضوع الحمل، بصفة عامة فالأبحاث تدل أن الحمل تقل فيه الأعراض النفسية بصفة عامة، خاصة الحمل المخطط له والمرغوب فيه، والحقيقة العلمية أن تجنب الأدوية في فترة تخليق الأجنة أمر مهم، ولا نقول أن الأدوية ممنوعة منعا باتا، هنالك أدوية يعرف عنها أنها سليمة، ويمكن للإنسان أن يتناولها إذا كان مضطرا لها مع ضرورة المتابعة مع الطبيبة.

لا أقول مطلقا أن إهمالك للأدوية أو عدم الانتظام في أثناء الحمل هو أمر خطير، بالعكس، فالأمر الصحيح هو أن يقلل من استعمال الأدوية في أثناء الحمل.

الاكتئاب ثنائي القطبية أرى أنه أيضا هو تشخيص مناسب لحالتك؛ لأن الاكتئاب والتوتر والذي يعقبه شيء من الانشراح أو تحسن المزاج دون مبرر، هي من سمات الاكتئاب الثنائي القطبية، ويوجد الآن ستة أو سبعة أنواع من هذا الاكتئاب الثنائي القطبية.

بالنسبة للأدوية المحسنة للمزاج، ترى المدرسة الأمريكية أن الأدوية المحسنة والمثبتة للمزاج هي العلاج الأساسي، وهذه الأدوية هي التجرتول والدباكين واللامكتال والليثيم، وترى المدرسة الأمريكية أن تناول الأدوية المضادة للاكتئاب مثل الزيروكسات، ربما يؤدي إلى تقلب المزاج الدوري، بمعنى أن الإنسان ربما يكون عرضة لنوبات متعاقبة ومتكررة بصورة أكثر.

أما المدرسة الأوروبية خاصة المدرسة الألمانية، فترى خلاف ذلك، والزيروكسات يعتبر لديهم أكثر دواء لا يؤدي إلى تعاقب تقلب المزاج بسرعة، ولذا يوصف لديهم، وأنا أيضا أتبع هذه المدرسة لدرجة كبيرة، يعطى لحالات الاكتئاب ثنائي القطبية الذي تكون فيه نوبات الاكتئاب أكثر.

إذن لا يوجد تناقض، إنما هي مدارس طبية كلها صحيحة، والإنسان يتبع ما يعرف وما يعتقد وما تدرب عليه بصورة أفضل.

يوجد الآن عقار سيروكويل، يعتبر الآن من الأدوية الجيدة لتحسين وتثبيت المزاج، علما بأن هذا الدواء في الأصل هو دواء مضاد للذهان، ولكنه وجد أيضا أنه يساعد كثيرا في تثبيت المزاج، ويمكن أن يعطى مع الأدوية المضادة للاكتئاب مثل الزيروكسات إذا كان الإنسان لديه نوبات اكتئاب أكثر.

هذه مجرد معلومة وددت أن أطلعك عليها، وليس من الضروري أن تجربي هذا الدواء.

فترات أو نوبات الهوس التي تحدث، ذكرت أنك لا تحدث فيها أي نشاط بل هي مجرد هواجس، نحن نرى أن الهوس أيضا ربما يدخل الإنسان في مشاكل، خاصة من ناحية الانضباط الاجتماعي، وربما يفقد الإنسان بعض أمواله بزيادة الصرف في هذه الحالة حين تنتابه، ولذا نرى دائما أن علاج حالة الهوس – بالرغم من أن المريض لا يشعر فيها بشيء، بل قد يستحسنها بعض المرضى – نرى أن علاجها ضروري أيضا مثل علاج الاكتئاب، وإن كنت أتفق معك أن حالات ارتفاع المزاج البسيط ربما تكون من الأشياء التي يجب ألا يستعجل الأطباء في علاجها في بعض الحالات، وقد رأى البعض أن هذه الفترات التي يكون فيها الإنسان مبدعا ومتعايشا مع الحياة بصفة أفضل؛ فلماذا نحرمه من ذلك، ولكن في رأيي هذا مجرد قول فلسفي.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية، وأرجو أن تلتزمي بعلاجك، وكما ذكرت سيكون من الأفضل لك أن تعالجي هذه الحالة على أنها اضطراب ثنائي القطبية، وكما ذكرت لك هذه الحالات تختلف من إنسان لإنسان، وتوجد الآن عدة أقسام للاضطراب الوجداني ثنائي القطبية.

الطبيب قد يتخير علاجا يره مناسبا للمريض، ولكن الآن الطب النفسي الحديث يقوم على مشاركة المريض أيضا في اتخاذ القرار، فالمريض يشعر بمشاعره أفضل من الطبيب، وفي بعض الحالات يستطيع أن يعين الدواء الذي يناسبه، إذن فالأمر يتطلب الحوار والتفاوض والتفهم من جانب المعالج والمعالج.

وبالله التوفيق.


مواد ذات صلة

الاستشارات