الانعزال عن الناس ليس علاجاً

0 371

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله
وجزاكم الله خيرا على خدماتكم الطيبة.

بعد تاريخ طويل من المعاناة مع الاكتئاب دامت أكثر من 16 سنة، استقريت مؤخرا على علاج يتكون من نصف حبة زيروكسات وربع حبة سوليان 200،
أشعر بتحسن، لكني اكتشفت أنه مرتبط بشرط أساسي وهو الانعزال التام عن الناس، حيث لا أخرج من البيت إلا للضرورة القصوى، ولفترة قصيرة.

لكني كلما حاولت الخروج ومعاشرة الناس أنتكس وتسوء حالتي، ويعاودني الاكتئاب الشديد، السبب أني أتعرض لأذى شديد بسبب سخرية الناس مني، حيث يشعروني أني قبيح المنظر، ويتبادلون الضحكات والألفاظ الساخرة كلما مررت بمحاذاتهم، اتخذت قرار الانعزال النهائي بعد مقاومة طويلة استمرت 16 سنة، لكني لم أعد أملك القوة لمواصلة المكابدة فلزمت بيتي.

شعرت بالراحة والطمأنينة ورضيت بهذا الحال، لكني أريد أن أسألكم : هل علي أن أداوم على أخذ الدواء الحالي؟ وأنا الآن أستعمل الزيروكسات لمدة عام كامل، فهل أستمر على العلاج بدون مضاعفات؟ وهل يمكن أن آخذ هذا العلاج ما تبقى من عمري دون أن يشكل ذلك مضاعفات جانبية؟
وهل هناك أدوية أخرى أكثر فاعلية في حالتي؟ وما هو التشخيص الحقيقي لما أعانيه؟

والسلام عليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عثمان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأرى أن العلة الأساسية بالنسبة لك هي أنك ربما تكون حساسا بعض الشيء في شخصيتك، وربما تكون أيضا شخصيتك تحمل سمات أو صفات ما يعرف بالشخصية البارونية أو الشخصية الظنانية، حيث أنك تشعر بأن الانعزال أفضل لك، وذلك خوفا من أن تكون مصدرا لسخرية الناس، كما أنك حساس جدا فيما يخص الشكل العام أو النظر العام بالنسبة لك.

أخي العزيز: حقيقة، الانعزال عن الناس لا يمكن أن يكون علاجا، إنما هو علة ومرض في حد ذاته، لا يمكن أن تشعر بالارتياح حين تنعزل عن الناس، هذا وضع غير طبيعي، أنت محتاج لأن تغير مفاهيمك، أنت محتاج لأن تثق في الناس أكثر، هذا هو الذي سوف يفيدك إن شاء الله.

فيما يخص الشكل العام لك، ربما تكون هنالك مبالغة من جانبك فيما تراه حول نفسك، الناس تختلف في شكلها ومظهرها العام، وهذا يا أخي ليس بأيدينا، هذا من حكمة الخالق ويجب ألا نكون حساسين حيال هذا الأمر، انظر إلى نفسك، انظر إلى خلقك، انظر إلى طريقة تعاملك مع الناس، القيم التي تؤمن بها، هذه هي الأسس التي يجب تحكم بها على نفسك، وليس الشكل هذا، أمر ليس ضروريا.

أخي: أعرف أحد الإخوة والذي نعرف جيدا أن شكله قبيح جدا –إذا جاز التعبير– وهذا الأخ مبسوط ومسرور جدا لهذا الوضع، وهو في قمة الانبساط حتى يمزح معنا ويقول في بعض الأحيان: ما رأيكم أن أذهب وأنافس في مسابقة جينيس على الأرقام القياسية، أي أنه يريد أن يكون ملكا للقبح، هذا يا أخي لا شك أنها روح من الدعابة وروح جميلة جدا من هذا الأخ، إذن أخي لا تكن حساسا -أرجوك- حيال شكلك.

بالنسبة للدواء، أنت فعلا محتاج للأدوية، ولكن الجرعة التي تتناولها هي جرعة صغيرة جدا، الزيروكسات يجب أن ترفعه إلى حبة كاملة، وأرى أن السوليان يجب أن يكون 100 مليجرام صباحا و100 مليجرام مساء لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة إلى 200 مليجرام صباحا و200 مليجرام مساء، هذا أخي إن شاء الله سوف يعطيك مشاعر إيجابية أكثر حيال ما تتصوره أن الناس يتصورونه نحوك، سوف يعطيك بعض الثقة بإذن الله تعالى في التعامل مع الناس، وسوف تخرج أيضا من المخاوف التي تعاني منها.

لابد أن تكون لديك برامج يومية، لابد أن تتفاعل مع الناس، ابدأ وتفاعل مع الطيبين والصالحين والخيرين من الأصدقاء، أرجو أن تتعامل مع الذين لا ينظرون إلى الناس من أشكالهم، إنما من أخلاقهم وسلوكهم، وهؤلاء الحمد لله هم كثر وأنا على ثقة في ذلك، إذن أخي أخرج من هذه العزلة، أنا حقيقة لا أؤيدك أبدا بهذه العزلة التي فرضتها على نفسك، وصدقني أن الناس لا تتصورك بالصورة التي تتصورها أنت عن نفسك؛ كلا.. أخرج وسوف تجد إن شاء الله أن الأمور قد أصبحت أكثر يسرا.

بالنسبة للدواء، لا نقول بالطبع أنك سوف تحتاج إلى الدواء لمدة طويلة جدا أو طول العمر، فالأدوية يمكن للإنسان أن يستعملها لفترة معينة، أقول ذلك بالرغم من ثقتي التامة أن الزيروكسات والسوليان من الأدوية الجميلة والممتازة جدا، أرى أنك قد تحتاج للدواء لفترة عامين، وهذه ليست طويلة، وحتى لو استمريت أكثر من ذلك يمكن ذلك لأن هذه الأدوية سليمة، ولكن الذي أريده هو أن تؤهل نفسك بالطريقة النفسية، ولا تعتمد بصورة قاطعة على الأدوية، يجب أن تؤهل نفسك، يجب أن تتفاعل، يجب أن تتواصل، يجب أن تغير مفاهيمك نحو نفسك، هذا أمر ضروري جدا، الدواء يساعد كثيرا ولكن يجب أن نساعد أنفسنا أيضا بتفكيرنا الأكثر منطقيا واعتدالا، خاصة حين يتعلق الأمر بالتعامل مع الناس.

إذن هذا هو الذي أرجوه، وأؤكد لك أن هذه الأدوية التي تتناولها الآن هي أدوية فعالة جدا ولا يوجد معه أكثر فعالية منها، وكما ذكرت لك في بداية الرسالة حول تشخيصك أو تشخيص حالتك وهي أنها متعلقة بشخصيتك في المقام الأول.

أسأل الله لك الشفاء والتوفيق، وبالله التوفيق.


مواد ذات صلة

الاستشارات