السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
شكرا جزيلا لكم على هذا الموقع الرائع، وشكرا مقدما على تفضلكم بالإجابة على مشكلتي هذه.
أنا شاب أبلغ من العمر (25) عاما، مقبول ومحبوب اجتماعيا، ومتفوق في عملي ولله الحمد والمنة.
مشكلتي هي في كيفية التعامل مع والدي المتسلط، حيث إنه يطالبني بأشياء خارج حدود إمكانياتي، ويريدني أن أغير شخصيتي نحو قيمه ومثله التي يتغنى بها حتى أصبح مثله تماما (وهذا مستحيل)؟
وعندما يحصل أي خلاف في الرأي أو الحديث، فإن التقريع بالإهانات والتنكيد لا يتوقف، حتى إني أخاف أن أرتكب خطأ ما في القول أو الفعل أمامه في الحياة اليومية فيأخذه حجة علي، ويلح في تقريعي على هذا الخطأ مدة طويلة، لدرجة أني أصبحت لا أطيق رؤيته أو سماع صوته لكثرة انزعاجي من تنكيده وتسلطه الدائم.
وكذلك فإنه يتحكم في نومي وقيامي وأسلوب حياتي، ويأخذ راتبي كله إلا المصروف القليل، ويريدني أن أعيش مثله، وأن أصبح مثله في القول والفعل، ولا يتحمل أي اختلاف عن خططه التي رسمها لنا، فكرت كثيرا في الابتعاد عنه وتجنبه، ولكن المشاكل والتنكيد تأتيني رغما عني.
لقد صبرت عليه كثيرا، وما زلت أصبر؛ حيث إني أريد بره وإرضاءه، لكنه لا يرضى إلا بالسلطة الكاملة على أفراد العائلة، وقد أصبح جو البيت مشحونا بالقلق والتوتر من غضبه وتقريعه الدائم بسبب ذلك، وقد خيرني بين أمرين: إما أن يتسلط علي ويتحكم بكل أمور حياتي، أو أن يتبرأ مني وأخرج من بيته ويعتبرني ميتا!
أريد طريقة (على شكل نقاط) لكيفية التعامل معه؛ حيث إن أمر تغييره وإصلاحه قد أصبح ميئوسا منه لكبر سنه.
أرشدوني ما العمل؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ م ع ا حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فهنيئا لك بتوفيق الله، وشكرا على صبرك على والدك ابتغاء مرضاه الله، وأبشر فلن يخذلك الله، ومرحبا بك في موقعك بين آباء وإخوان يحبونك في الله.
لا يخفى على أمثالك الثواب الذي أعده الله لمن يحرص على إرضاء والديه خاصة في كبرهما، وقد ربط القرآن بين عبادة الله والإحسان إلى الوالدين، حتى قال ابن عباس: لا يقبل الله عبادة من لا يطيع والديه، وأشار القرآن إلى أهمية البر في حال الضعف وكبر السن، فقال تعالى: (( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا))[الإسراء:23-24].
ولست أدري ما هي نوعية الأوامر التي يفرضها الوالد؟ وما هي موانع الاستجابة والانصياع لها؟ وهل يترتب على الاستجابة لها مخالفة لأمر الله؟ فعند ذلك نقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الله، وهل يترتب على الانصياع لها ضرر كبير لنقول: (لا ضرر ولا ضرار)، ونحن ننصحك بالصبر والتحمل فإن العاقبة للصابرين، وإذا تذكر الإنسان لذة الثواب نسي ما يجد من آلام.
ولست أدري هل هو محتاج للأموال لنقول: (أنت ومالك لأبيك)، أم أن الأمر لا يخلو من الطمع؟ وما هي أسباب التوبيخ؟ وهل يمارس هذا الأمر مع كل أفراد الأسرة أم معك وحدك؟ لا شك أن الإجابة على هذه التساؤلات تفتح لك آفاقا كثيرة، وأرجو أن تكون نظرتك شاملة، ونحن من جانبنا نوصيك بما يلي:
1- كثرة الدعاء والتوجه لمن يجيب المضطر إذا دعاه.
2- التماس بعض العذر لوالدك فإن الوالد يرى أبناءه صغارا حتى وإن كبروا وأصبحوا رجالا.
3- تفادي ما يغضب الوالد بقدر الإمكان.
4- إدراك حدود البر، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
5- طلب المساعدة من الوالدة والأعمام والعمات مع تكرار المحاولات وانتقاء الكلمات.
6- عدم إطلاعه على كل تفاصيل حياتك وأموالك، وبذل ما يحتاجه من المال والرعاية.
7- إذا كان إرضاء الوالد غير ممكن فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وهنا يأتي قول ربنا تبارك وتعالى: ((ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا))[الإسراء:25].
8- إشعاره بأهميته وفضله عليكم، وتشجيع الجوانب الإيجابية فيه، وليت الآباء تدرك أن الطريقة التي تربوا عليها لا تصلح لأجيالنا في هذا الزمان؛ لأن بعض الآباء يعتقد أن عليهم أن يطبقوا نفس الطريقة التي رباهم عليها الأجداد، ومع كل ذلك فإننا ندعوك إلى التماس العذر ولزوم الصبر.
ونسأل الله أن يوفقك للخير.