السؤال
أعيش حالة من الخوف والهلع والملل، كنت طالبا مقبلا على الحياة في الثانوية العامة، وكنت متفوقا، ثم قلت درجاتي في السنة الأخيرة، ودخلت كلية ثم رسبت فيها سنتين وحولت إلى كلية أخرى، كنت متضايقا فذهبت إلى العمرة، ولكني رجعت أسوأ حالا.
عندي مشاكل في عدم فهم والدي، وتوتر دائم معه، حيث إني أكرهه من صغري، لأنه كان شديدا، ولكنه الآن يحاول أن يغير أسلوبه معي.
خدعت الناس بصلاحي، حيث إني كثير معاصي السر وكثير النوم، وأضيع الصلوات، وخدعت الناس بأني أحفظ القرآن، وكنت أصلي بهم في المسجد ولا زلت، حيث إن الناس يبكون، وأنا أصلي بهم ويظنون بي خيرا.
أحس أني سوف أموت قريبا، وفي كل لحظة أحس بهذا، وأجد شكا في قلبي، ولا أستطيع أن أبتلع ريقي، وأحس أن روحي سوف تخرج، وأخاف من الموت لدرجة أني مرة شعرت أني سأموت، فظللت أرتعش رعشا شديدا من الخوف إلى أن غادرت البيت، أتلعثم في الكلام كثيرا مع الناس، ولا أستطيع أن أوضح وجهة نظري؛ لأني تائه، وأعيش حالة من الخوف والترقب للمستقبل المخيف.
أخسر في أي عمل أشتغل فيه، أصبح شكلي أقبح، حيث إني أصبت بحب الشباب، وأصبحت أكثر نحافة، وكل من يقابلني يقول لي: أنت لا تأكل لماذا؟ لا أحس بأي موعظة، ولا أي خشوع في الصلاة، أصلي شكلا فقط.
وأنا أصلي بالناس القيام في مسجد كبير جدا، بحوالي حزب كل يوم من ذاكرتي، فيظن الناس أني أحفظ القرآن حقا، وعندما أدعو يبكي الناس بكاء شديدا، ولكني سيئ جدا، فكلما أخلو أعصي الله، فأنا ضعيف المجاهدة، وأصلي وأصوم نوافل، ولكني لا أحس بأي لذة، أنا تائه.
أرجوكم، أنا لا أعرف ماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فتعوذ بالله من شيطان همه أن يحزن الذين آمنوا، واعلم أن الفلاح في معاندته واتخاذه عدوا، قال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)[فاطر:6]، واعلم أن في ذلك براءة من النفاق، وفي النشاط في الصلاة دليل على الخيرية، وقد وصف الله المنافقين فقال سبحانه: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)[النساء:142].
فحافظ على ما عندك من الخير، وابك لله، فإن لم تستطع فتباكى حتى يحصل لك الصدق في البكاء، والخشوع لرب الأرض والسماء، فإن الأمر يحتاج إلى مجاهدة قد تطول، لكنك تسير على طريق الخير والوصول، فاحرص على اتباع الرسول، وراقب ربك في سرك وجهرك، وتجنب ذنوب الخلوات؛ فإنها تخذل عند الممات، وتحرم صاحبها من التوفيق في الحياة، وهي سبب لحلول النكبات.
لقد أسعدني إحساسك بالخطر؛ لأن هذه هي بداية التصحيح، وهي دليل على أن فيك نفسا لوامة، تحاسبك على الإساءة والتقصير، فتوجه إلى الله القدير، وعاند عدوك الحقير، واعلم أن الشيطان يحزن لتوبتنا واستغفارنا، ويبكي لسجودنا ويندم على صلاتنا، فقابل هذا العدو بنقيض قصده، وإذا أراد أن يدخل عليك اليأس فتذكر رحمة الرحيم ومغفرة الغفور.
وإذا أحسن الناس بك الظن فارتفع لتكون عند حسن مستوى ظنهم، واطلب دعاء الوالدين، واجتهد في برهم، واجعل هناك عبادات سرية بينك وبين الله، وإذا خلوت مع المعاصي فتذكر أن الله مطلع عليك، فكيف تعصيه وهو ينظر إليك؟ وكيف تعصيه وأنت تأكل من رزقه وتعيش في أرضه؟ واعلم أن سبحانه يمهل ولا يهمل، فعجل بالتوبة، وتذكر أن الله سبحانه يملي للإنسان حتى إذا أخذه لم يفلته، وأنه سبحانه يستر على العبد، فإذا لبس للمعصية لبوسها هتك الله ستره وفضحه وخذله.
وأرجو أن تعلم أن الإنسان إذا شعر أن الناس يحسنون به الظن فإنه يرتفع بنفسه ليكون عند مستوى ظنهم، ويحمد الله الذي ستر عيوبه، ويسأل الله مغفرته، ويشكر اللطيف على لطفه ورحمته.
وأرجو أن لا يدخل اليأس إلى نفسك، واعلم أن الله ما سمى نفسه غفارا إلا ليغفر، ولا سمى نفسه توابا إلا ليتوب علينا، فلا تحرم نفسك من الدخول في الرحمة، وتذكر أننا نعيش في شهر فضيل، وإذا خلوت فردد قول الشاعر الحكيم:
إذا خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
فاتق الله في نفسك، واتق الله أينما كنت، وأشغل نفسك بالذكر والطاعة والاستغفار والإنابة، وأكثر من الصلاة والسلام على من جاءنا بالهداية.
وبالله التوفيق والسداد.