الشعور بفقدان قيمة النفس لدى الآخرين

0 550

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من الشعور بالعظمة والتكلم مع نفسي، وأحس بأفكار الآخرين، وأقفز من موضوع إلى آخر في الكلام، لا توجد عندي هلاوس بصرية ولا سمعية، وأبكي عندما أسافر إلى مكان بعيد وتهيج العاطفة عندي.

وقد بلغت الأطباء فمنهم من قال: حالة فصام، ومنهم من قال: إنها هلاوس، علما أن هذه الأعراض منذ الطفولة.

أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن هذه الأعراض التي أشرت إليها، يمكن حصرها بالآتي:-

1- الشعور بالعظمة.

2- الكلام مع النفس ومحادثتها.

3- عدم التركيز في الكلام على موضوع واحد.

وهذه الثلاثة –لو تأملت– لها ارتباط وثيق ببعضها البعض، بل يمكن أن ترد جميعها إلى شيء واحد، وهو الشعور بفقدان القيمة لنفسك عند الآخرين؛ نعم فهذا الشعور بالعظمة الكاذبة، هو شعور نفسي يطغى على النفس لتدفع به شعورك بالنقص الذي تحسه في قرارة نفسك، وحديثك مع نفسك على صورة غير اعتيادية راجع لهذا المعنى، فأنت تشعر وكأن الناس لن يقدروك قدرك، أو على أقل تقدير لن يتفهموا حقيقة ما عندك فتهرب من مواجهة الحديث مع الناس إلى الخلوة بنفسك ومواجهتها هي بالكلام.

وكذلك عدم التركيز في الكلام، والقفز من موضوع إلى موضوع، منشؤه شعورك الداخلي بأن عليك أن تستمر في الحديث لئلا تكون غير قادر على إتمامه أمام الناس، أو لشعورك بإمكان الخطأ الظاهر فيه، فتخرج منه إلى غيره لتتلافى ذلك.

إذن فقد عرف السبب فبطل العجب، ولم يبق إلا دواء هذه الأعراض، والذي هو –بحمد الله– موجود بين يديك الآن!! فأنت بحمد الله قد خطوت الخطوة الأولى في علاج نفسك، وهذه الخطوة هي إدراكك بأن عليك أن تلتمس العلاج وأن تخرج من هذه الدائرة المملة المتعبة، والمطلوب منك هو جملة خطوات أخرى:

1- التوكل على الله، وسؤاله والتضرع إليه في إعانتك وتيسير الخروج من هذه الأمور؛ (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ))[الطلاق:3]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) رواه الترمذي.

2- إلزام نفسك بعدم المحادثة معها، وقطع ذلك بإشغال النفس بعمل يمنعها من ذلك، فمثلا إذا شعرت بقوة تجذبك لهذه المحادثة فعليك بالأسلوب المضاد، كأن تتوضأ وتقوم فتصلي ركعتين، فبذلك تكون قد حققت منع نفسك من الكلام تماما، مع إشغال الذهن بأعمال الصلاة والوضوء، ويدخل في هذا المعنى بعض الأعمال المباحة، كالأكل مع أهل البيت ومحادثتهم، حتى تخرج من قيد التفكير بصوت مسموع، فالمطلوب هو الالتزام بهذا التزاما كاملا يمنعك من هذه المحادثة تماما أو يقللها جدا حتى تتلاشى.

3- النظر والتأمل في حقيقة الإنسانية، فمثلا: من هو الإنسان؟ إنه من آدم عليه السلام، ومن أين جاء آدم عليه السلام؟ إنه من تراب. ومن أين خرجت أنت؟ خرجت من رحم أمك وصلب أبيك. فلماذا العجب الكاذب وأنت أولك نطفة من ماء مهين؟! ثم ما هي النهاية؟ إنها الموت والقبر، فلم العجب إذن والنهاية هي التراب والدفن والذهاب في الأرض ثم القيام لرب العالمين.

فإمعانك في هذه الحقائق يطرد عنك هذه الفكرة من أصلها، فإذا أضيف إلى ذلك مخالطتك الإخوة الصالحين واكتساب الأخلاق الكريمة منهم، انتقلت من الشعور بالعظمة الكاذبة، إلى الشعور بالتواضع والسكينة والتنافس في الخيرات، فلابد إذن من البحث عن الصحبة الصالحة والاجتماع بها والتعاون معها، فأسلوب المواجهة والمضادة هو المطلوب في مثل حالك.

ونود لو تكرمت بالكتابة إلينا بعد شهر من امتثال هذا الإرشاد لمتابعة الحالة التي لديك مع الإشارة إلى رقم هذه الاستشارة عند رسالتك الكريمة القادمة.

ونسأل الله لك التوفيق والهدى والسداد.

الشيخ / أحمد مجيد الهنداوي
==============

وبعد استشارة المستشار النفسي الدكتور محمد عبد العليم أفاد بالتالي:

لقد قمت بالاطلاع على إجابة الأخ الشيخ الفاضل/ أحمد الهنداوي، ولا شك أني أتفق تماما مع منهجه السلوكي والشرعي لمعالجة هذه الأفكار.

المبدأ الأساسي أن هذه الأفكار لا بد أن تواجه، ولا بد أن تتكون لديك الأفكار والأفعال المضادة لها؛ خاصة أنك والحمد لله مستبصر وتعرف أن الذي يحدث لك لا يمكن أن يكون طبيعيا.

من وجهة نظر الطب النفسي؛ هذا الشعور بالعظمة والتكلم مع النفس، وكذلك تداخل الأفكار والقفز من موضوع لآخر؛ لها أهمية خاصة، وبالنسبة لما قاله لك الأطباء من أنك تعاني من فصام أو أنك تعاني من هلاوس، ربما قصدوا أنك تعاني من مرض الهوس وليس الهلاوس.

والذي أود أن أؤكده لك أن الشعور بالعظمة يعتبر في كثير من الحالات حالة مرضية، ربما يكون مجرد ظاهرة متعلقة بالشخصية، كأن يكون الإنسان فخورا بنفسه أكثر مما يجب، أو يرى نفسه بحجم أكبر من حقيقتها، ولكن في نفس الوقت لديه الاستبصار أن هذا التوجه ليس توجها طبيعيا، في هذه الحالة تعتبر نوعا من اضطراب الشخصية ولا تعتبر حالة مرضية حقيقية.

أما إذا كان الإنسان معتدا بنفسه وفخورا ومتعاظما لدرجة كبيرة أفقدته الاستبصار؛ فهذه بالطبع تعتبر حالة مرضية، ويسميها البعض بجنون العظمة، هذه الحالة تكون مرتبطة في كثير من الحالات بكثرة الكلام وتطاير الأفكار وتداخلها وأن يقفز الإنسان من موضوع إلى آخر، كما أن الإنسان ربما يكون منشرحا أكثر مما يجب، أو ربما يكون لديه نوع من العصبية والانفعال الزائد، في هذه الحالة تسمى الحالة بمرض الهوس، وهو واحد من الأمراض الوجدانية التي يمكن علاجها تماما.

أنا أرى أنك ما دمت مستبصرا بحجم مشكلتك، أرى أن شخصيتك تحمل ما يعرف بسمات الشخصية الهوسية، أي التي تعاني من بعض أعراض الهوس الوجداني، وهي لا تعتبر حالة مرضية –كما ذكرت لك– ولكنها بالطبع إذا تطورت وتعقدت وأخلت بالضوابط الاجتماعية؛ ففي هذه الحالة لابد أن تعالج.

الذين ذكروا لك أنك مصاب بمرض الفصام ربما ارتكزوا على حقيقة أنك تتحدث أو تتكلم مع نفسك أو أنك تسمع أفكارك في نفس الوقت؛ لأن بعض النظم العالمية في تشخيص الفصام ترى أن الشخص إذا كان يسمع أفكاره أو يعتقد أن الناس تقرأ أفكاره أو تضع أفكار في مخه؛ هذه واحدة من الركائز الأساسية لتشخيص مرض الفصام.

لا أعتقد أنك مصاب بمرض الفصام، إنما الذي أميل إليه أكثر هو أن الأمر اضطراب في الشخصية من النوع الهوسي، ربما يتخلله بعض الاضطراب الوجداني الهوسي من وقت لآخر.

وطريقة العلاج أن تدرك أن هذا الأمر ليس طبيعيا، ولكن إن شاء الله ليس بمزعج ويمكن أن يعالج، هذا أولا.

ثانيا: عليك أن تجاهد نفسك في أن تبني أفكارا مضادة لهذه الأفكار وتواجهها، وقد أجاد الشيخ أحمد الهنداوي في توجيهك في هذا السياق.

الخط الثالث في العلاج -والذي أراه هاما جدا- هو أن تتناول أحد الأدوية المنظمة للمزاج، وتعتبر الأدوية المنظمة للمزاج فعالة جدا، وهي أيضا تفيد كثيرا في علاج حالات الهوس، هنالك عدة أدوية منها عقار يعرف باسم تجرتول، وآخر يعرف باسم دباكين كرونو، وعقار آخر يعرف باسم ولانزبين، وعقار رابع يعرف باسم رزبريدون، وخامس يعرف باسم سيركويل، هذه كلها من الأدوية الفعالة جدا والتي تضبط المزاج وتقلل من تطاير الأفكار وتداخلها، وكذلك تجعل الكلام في حد معقول، كما أنها سوف ترجع مشاعرك إلى مستواها الطبيعي، وتزيل عنك هذا التفاخر بالذات والذي أنت تبغضه ولكنه أمر مفروض عليك.

أرى أنه سيكون عقار الرزبريدون دواء جميل جدا لحالتك، وبجرعة صغيرة: واحد مليجرام ليلا لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة إلى 2 مليجرام واستمر عليه لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك يمكن أن نخفضها إلى واحد مليجرام لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقف عن تناوله.

هذا هو الذي أراه، وحقيقة أود أن أؤكد على ما ذكره الشيخ الهنداوي بأن تسعى لملازمة الصحبة الطيبة والرفقة الخيرة وأن تقتدي بهم، ولا شك أن حالتك بإذن الله سوف تشفى منها تماما إذا اتبعت الإرشادات وتناولت العلاج.

أرجو ألا تحس بالذنب فربما تكون هذه الحالة مفروضة عليك؛ بمعنى أنها ليست تحت الإرادة الكاملة، ولكنها يمكن أن تعالج، ونشكرك جدا على تواصلك مع الشبكة الإسلامية.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات