السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
جزاكم الله خيرا على هذه الخدمة العظيمة التي تقدمونها لنا نحن الأمهات الحائرات، داعية من الله عز وجل أن أجد لديكم ما يساعدني على تربية أولادي.
أولا: طفلتي الشقية شديدة الذكاء، شديدة العناد، تبلغ من العمر ثلاثة أعوام ونصف.
مشكلتي معها كبيرة، أحبها كثيرا، أحزن عندما أضربها، ولا أظهر لها هذا هي وأخيها الذي يكبرها بعامين.
طفلتي ليست طفلة، إنها آنسة تفهم كل شيء ببراعة، وعندما تهدأ من البكاء أذهب إليها وأشرح لها سبب الضرب، أجدها عنيدة لا تقتنع بما أقوله لها، لا تكف عن البكاء والصراخ في اليوم مرات ومرات حتى تفقدني أعصابي، وأصرخ في وجهها أو أضربها، ومع ذلك لا أضربها كثيرا، أو بمعنى أدق لا أقسو عليها في الضرب.
طفلتي لا يرضيها شيء في الكون كله.
عندما تخرج من الاستحمام لا يعجبها الدولاب كله بما فيه كل ملابسها، لا تعجبها ولم تجد معها كل محاولاتي، هذا جميل وهذه أجمل! وأجد نفسي مضطرة للضرب الغير قاسي وأجعلها ترتدي ما أريده.
مثال آخر على عنادها الشديد، عندما تخرج من الحمام ليلا وترفض ارتداء أي ملابس وتجري مني هنا وهناك، فأشعر بحزن عميق وحرقة دم تجعلني من الممكن أن أفعل أي شيء، أحيانا أبكي من عنادها معي.
رفضت ارتداء أي ملابس، وعندما نظرت إليها في أسى وغيظ قالت لي: أخرجي وأغلقي علي الباب، فخرجت وأنا أحترق، وقلت تهدأ أعصابي وأعود إليها حتى لا أضربها، وبعد لحظات وجدتها راحت في نوم عميق وهي عارية الجسد، وتكرر هذا الأمر ولكنه ليس كثيرا.
تخترع لي المشاكل حتى أني أحزن عندما تصحو من نومها ولسان حالي يقول أصبحنا وأصبح الملك لله رب العلمين.
هي مدللة بعض الشيء، وهي تعلم هذا وتفهم كل عبارات المدح، فهي شديدة الذكاء، ووالدها معجب بهذا، ويمدحها، فهي لبقة، سريعة البديهة، تتكلم وترد ببراعة عندما أتحاور معها، ومع ذلك لا ندللها باستمرار، ولا نقسو عليها كذلك، مع العلم أن لها أخ يبلغ من العمر خمسة أعوام أهدأ منها كثيرا.
ساعدوني وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يوفقنا إلى رضا رب البرية، ومرحبا بك في موقعك مع آباء وإخوان يتمنون لكم السعادة الأبدية.
ولا شك أن ما تقوم به طفلتك لا يخلو من الإزعاج، لكنه دليل على خير ونجاح ومبشر لكم بطفلة سوف يكون فيها خير وفلاح إذا صبرنا عليها ودعونا لها بالصلاح.
وأرجو أن تعلموا أن هذه الطفلة في مرحلة العناد وهي مرحلة (السيدلا) كما يحلو لبعضهم أن يسميها، ولا يخلو العناد من فوائد لأن الطفلة بذلك تحدد شخصيتها، ولولا العناد لما وجد جهاد ومصادمة للباطل، ومهمتنا تكون في تحفيف حدة العناد وفي البحث عن أسباب العناد.
فإن الطفل يعاند إذا شعر أن غيره يفضل عليه، فلا تمدحوا شقيقها أمامها ولا تفضلوه عليها، ولا تظهروا الانزعاج الزائد من عنادها، ولا تعلنوا عجزكم عن توجيهها، وحاولي التغافل عن تصرفاتها وعدم الاهتمام ببعض أخطائها، فإن في الإهمال علاج، واتفقي مع والدها على منهج موحد، وعليه أن لا يعلن الإعجاب بها عندما تخطئ، وعليه أن يحرضها على طاعتك ويظهر عدم رضاه عن عنادها وأخطائها، فإن ذلك سوف يردعها ويردها إلى صوابها.
ونحن نتمنى تفادي أسلوب الضرب في هذه المرحلة فإن آثاره خطيرة مستقبلا، خاصة والطفل المضروب أنثى، واحذري من الاعتذار لها وملاطفتها بعد العقوبة، فإن ذلك ضعفا من المربي، وفيه تشجيع لها على البكاء والتمرد والدلال حتى تجلب الانتباه وتلفت الأنظار، وتظهر بمظهر المظلومة المسكينة التي تستجدي العطف، وقد يحلو لها ذلك إذا وجدت من يقول: (مسكينة لماذا تضربوها) ونحو ذلك من العبارات، ولا شك أن الضرب وسيلة تربوية لكنها آخر الدواء، ولا يجوز اللجوء إليها إلا وفق ضوابط وشروط منها ما يلي:
1- أن يكون عمر الطفل عشر سنوات فما فوق لقوله صلى الله عليه وسلم: (واضربوهم عليها لعشر).
2- أن يكون الضرب بقدر الخطيئة كما قال الإمام أحمد رحمة الله: (على قدر ذنبهم إذا بلغوا عشر سنين).
3- أن لا يتخذ المربي الضرب عادة مستمرة، وأن يتأكد من آثاره الإيجابية قبل الضرب.
4- أن لا يصاحب الضرب توبيخ، وأن لا يكون أمام الآخرين، وخاصة زميلاتها ومن تحب من الأهل والأقارب.
5- أن يكون الضرب خفيفا بحيث لا يكسر عظما ولا يخدش جلدا.
6- أن يأتي الضرب بعد التغافل والتعليم والتنبيه والتحذير وتعليق السوط والتذكير بالله.
7- أن يتوقف المربي عن الضرب إذا بكى الطفل أو هرب أو أظهر الندم، وأن يتوقف إذا سأله بالله.
8- أن يفرق الضرب وأن يتجنب الوجه والأماكن الحساسة.
ونحن نتمنى أن توقفي الضرب، وتغيير أسلوب التعامل مع هذه الطفلة، وحاولي ملاطفتها والاهتمام بها، فإن أخطأت فأشعريها بأن مكانها في القلب سوف يهتز، وابتعدي عن المقارنات السلبية ولا تقيدي حركتها، وأبعدي من طريقها كل ما فيه خطورة، وشاركيها في اللعب والاهتمام بما يدخل السرور عليها، وأكثري لها من الدعاء فإن دعاء الوالدين أقرب للإجابة، وتجنبي الدعاء عليها فإن ذلك يضرها ويفسدها وفيه مخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن الدعاء على الأموال والأولاد والأنفس.
وبالله التوفيق والسداد.