السؤال
السلام عليكم أخي العزيز:
مشكلتي أني قليل التذكر كثير النسيان، إضافة إلى ضعف التركيز وتشتت الذهن، وكثيرا ما أحاول أن أتقمص أكثر من شخصية، في محاولة مني للفت انتباه الناس وكسب إعجابهم، إلا أنه سرعان ما أنسى تلك الشخصية وأرجع لحالتي الطبيعية.
وأنا إنسان مزاجي، متقلب المزاج والشخصية، قليل الاحتكاك بالناس، أفضل الجلوس في البيت، وعندما أخرج أحس بخوف وقلق، أنا أستعمل علاج (إيفيكسور) إضافة إلى أنني أعاني من مرض الفزعة، وأحاول أن تكون شخصيتي قوية ولكن أفشل في ذلك بسبب النسيان.
أرجوا أن تصف لي علاجا لهذه المشاكل، ولك مني الدعاء، والله يوفقني وإياك لما يحب ويرضى.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فارس حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن أول ملاحظة حسنة قوية، هو أنك بحمد الله تعالى عازم على الخروج من كل ما تعانيه، مدرك أن إمكان الشفاء من كل هذه الأمور ممكن وليس بالمتعذر؛ إذن فأنت -بحمد الله تعالى- تحمل في قلبك الأمل في الخروج من كل ما تعانيه، وهذا الأمر هو أول خطوة صحيحة في طريق شفائك بإذن الله تعالى.
وهذا الأمل أيضا لا بد أن يكون مصحوبا بحسن توكل على الله تعالى، وبتمام استعانة منك بربك، فإن الله تعالى لا يرد من توجه إليه وخضع له، وطلب المعونة منه، فلا بد من أن تلهج بدعاء الله تعالى والتضرع إليه (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) وقال تعالى: (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ))[البقرة:186].
وأما عن علاج هذه الأمور التي أشرت إليها، فإن أسلوب المواجهة هو الأسلوب العام الذي ينبغي لك اتباعه في الخروج من الرهبة الاجتماعية، فحاول أن تعود نفسك اللقاء بالناس بصورة اعتيادية، بحيث لا تتهرب من اللقاء بهم، هذا مع محاولة المشاركة في الأنشطة الجماعية الممكنة، بل إن في محافظتك على الصلاة في الجماعة والمشاركة في حلقة تجويد للقرآن -مثلا- تعويد جيد وحسن للنفس على اللقاء والمحادثة اللطيفة التي ستكسبك ثقة في نفسك وقدرة على التواصل الاجتماعي، فأسلوب المواجهة هو المطلوب لعلاج القلق والاضطراب الفزع من الاجتماع.
وأما عن النسيان وتشتت الذهن وضعف التركيز، فهذه أمور مترابطة ببعضها البعض، ومرد ذلك كله إلى دوام شرود ذهنك وتفكيرك الزائد في أمور لا حاجة لك في زيادة التفكير بها، وكل هذا يرجع لشعورك بالنقص، فأنت تشعر في قرارة نفسك بالنقص عن الآخرين، وهذا يفسر محاولتك تقمص شخصية بعض الناس.
والمطلوب هو أن تحزم أمرك، وأن تترك كل هذه التصرفات، فمنذ اليوم قدوتك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن تقلد أحدا غيره، ولن تتقمص حركات لا معنى لها لأناس فيهم ما في الناس من النقص والعيب، فكلما شعرت بحاجتك إلى تقمص شخصية فلان أو فلان، فامنع نفسك من ذلك واكبح جماحها، واجعل همتك هي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فبذلك تصرف همتك إلى اتباع أحواله، ونبذ مثل هذه التصرفات التي سيلاحظها عامة من يعرفونك ويخالطونك، بحيث إنها لن تزيدك عندهم، بل ستنقصك في أعينهم، فانتبه وتفطن، وخذ البدل الأحسن والأعلى والأجل.
وأما عن كثرة النسيان وضعف التركيز، فهذا يحتاج منك إلى عدم إتعاب ذهنك في التفكير في أمور لا داعي لإتعاب الذهن بها، فالمطلوب هو التوسط في الاهتمام بالأمور، بحيث لا تعطي الشيء أكبر من حجمه، وبحيث تمنع نفسك من الاسترسال في التفكير فيما لا داعي له، وهذا سيعطيك راحة ذهنية، ويعنيك على التركيز وعدم التشتت.
وأيضا فإن العلاج بالحجامة واستخراج الرطوبات والدم الفاسد بها، يعين جدا في هذا المعنى، وقد نص على هذا الأطباء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري) والحديث متفق عليه.
ونسأل الله لك التوفيق والهدى والسداد والشفاء من كل داء.
الشيخ / أحمد مجيد هنداوي ..
___________________________________________
وبعد استشارة المستشار النفسي الدكتور محمد عبد العليم أفاد بالتالي:
لقد احتوت إجابة الشيخ الهنداوي الكثير من التوجيهات الطيبة التي أرى أن اتباعك لها وتنفيذك لها بحرفيتها سيكون هو الدافع الرئيسي - إن شاء الله - والركيزة الأساسية لتحسن لحالتك.
أود أن أضيف أن الأعراض الأخرى المتمثلة في قلة التركيز وضعفه وتشتت الذهن، هي من صميم أعراض القلق النفسي، ومن الواضح أنك قد أدخلت هذا القلق على نفسك بتقمصك لشخصيات الآخرين، ويعرف أن التقمص في بعض الحالات ربما يكون دليلا على وجود اضطرابات في الشخصية، أو عدم توازن وتلاقي أبعادها، ولكنه في بعض الحالات -خاصة حين يكون مرتبطا بالقلق– ربما يكون فيه شيء من أحلام اليقظة ومحاولة الظهور بأفضل ما تعتقد، وهذا الذي هو أراه ينطبق عليك.
خاطب نفسك بقوة، وقل لنفسك أنك يجب أن تقبل نفسك كما هي، وهذا القبول يجعلك تعيش في سلام ذاتي، وفي ذات الوقت قل لنفسك: أنا أريد أن أطور نفسي، وتطور النفس يأتي برفع مهاراتها والثقة والمحاولة المستمرة للتعلم المفيد واتخاذ القدوة الحسنة، وكما نصحك الشيخ الهنداوي فإن الاقتداء بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قمة الاقتداء الحسن، فعليك بذلك، وهذا بالطبع سوف يجعلك تعيش كشخصية واحدة وككيان واحد.
لا شك أن المخاوف التي ذكرتها هي جزء من العصاب والقلق العام الذي تعاني منه، والمخاوف تعالج دائما بتحقيرها وعدم الاهتمام بها ومواجهتها، حيث أن التجنب والابتعاد يزيد من المخاوف، فيمكنك أن تواجه أولا في الخيال، أن تتصور نفسك في مواقف اجتماعية معقدة تحتاج إلى الإقدام والتقدم للأمام، عش هذا الخيال بجدية وجدية مطلقة وثقة، وهذا يسهل لك كثيرا المواجهة في الواقع.
شيء آخر أود أن أؤكده لك: أن الخوف والفزع الاجتماعي دائما يتخيل صاحبه أنه مرصود أو مراقب أو أن أدائه ليس حسنا، أو أنه ربما يسقط أو يفشل أمام الآخرين، هذا الشعور -كما أثبتت الدراسات– ليس حقيقيا في معظمه، فأرجو أن تكون هذه النقطة نقطة مطمئنة لك يا أخي.
الرياضة -خاصة الرياضة الجماعية- تقوي أيضا من النفوس وتجعل الإنسان أكثر تواصلا وقوة، وتقلل من القلق والتوتر، وهي تحسن الدورة الدموية، وكذلك تحسن من بعض التفاعلات الكيميائية، وأي نوع من التواصل الآخر، هذا التواصل الاجتماعي مثل حضور حلقات التجويد –كما ذكر الشيخ– يعتبر من الأشياء الجيدة والمفيدة وذات القيمة العلاجية الكبيرة.
أنت بالطبع محتاج للعلاج الدوائي، الإيفكسر يعتبر من الأدوية الجيدة والممتازة، وأنت لم تذكر الجرعة التي تتناولها، ولكن حالتك تتطلب على الأقل جرعة 75 إلى 150 مليجرام في اليوم، وكما تعرف فالإيفكسر يبدأ بجرعة صغيرة وهي: 37.5 مليجرام، ثم بعد ذلك ترفع تدرجا بمعدل 75 مليجرام كل أسبوع أو أسبوعين، حتى تصل للجرعة المطلوبة، وأنا أفضل أن تكون الجرعة 150 مليجرام، وعلى هذه الجرعة لابد أن تستمر ستة أشهر على الأقل، ثم بعد ذلك تبدأ في التخفيض التدريجي لهذا الدواء، ويكون التخفيض أيضا بمعدل 37.5 مليجرام كل أسبوعين، هذا أمر ضروري جدا؛ لأن التوقف المفاجئ عن الإيفكسر ربما يؤدي إلى آثار انسحابية تتمثل في القلق والتوتر والشعور بالدوخة والغثيان في بعض الحالات، ولكن الإنسان إذا توقف عنه بصورة تدريجية لن تحدث هذه الآثار مطلقا إن شاء الله.
بالطبع توجد أدوية بديلة نعتبرها أيضا أدوية جيدة مثل السبراليكس والزيروكسات والفافرين، ولكن الإيفكسر ما دمت أنت عليه فواظب عليه وعلى بركة الله، ونسأل الله لك الشفاء التام.
وبالله التوفيق.