أعاني من الرهاب الاجتماعي والخوف فكيف أتخلص منه

0 404

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
إخوتي الأعزاء في الشبكة الإسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أكتب لكم هذه الاستشاره، والهم يعصر قلبي، وبلغ مني مبلغه، ولكني ما زلت أرى بصيص أمل ينبع من إيماني بأن الله لا محالة مفرج همي، وسيكفيني، وسيحقق لي ما أريد من خير، فأنا أؤمن به، وأتوكل عليه، وكتابتي لكم أعتبرها من باب الأخذ بالأسباب الذي يقتضيه التوكل.

أسأل الله أن يرزقني وإياكم حسن التوكل عليه، وأعرض لكم معاناتي بشيء من التفصيل، كي يتسنى لكم إرشادي إلى ما يجب علي فعله في حالتي هذه خاصة، وأرجو أن يتم الرد علي دون تحويلي إلى استشارات مشابهة.

أنا شاب مصري أبلغ من العمر 19سنة، تبدأ مشكلتي وأنا لم أتجاوز 11سنة، فكنت مريضا ب(ثلث الليل ) فكنت صغيرا أو بمعنى أدق لم أكن أحمل المسئولية، فكان أبي يذهب بي إلى الأطباء المتخصصين، وكانوا يصرفون لي الأدوية، أتذكر اسمها إلى الآن فمنها (تفرانيل) وبعض الأدوية الأخرى، وكنت أستمر عليه فترة قصيرة لشعوري بالملل واليأس من الشفاء، فأترك العلاج بطريقة مفاجئة كما آخذه بنفس الطريقة، أنسى الأمر وأحاول أكيف نفسي مع الوضع الجديد، ويئست من الشفاء.

وكان عمري وقتها 13سنة تقريبا، فأحس والدي بضرورة الذهاب إلى الطبيب مرة أخرى، فأذهب أنا وأبي إلى طبيب آخر، ثم يكتب لي نفس الدواء مع تغير بسيط، يكتب لي أدوية أخرى لم أتذكر اسمها، وينصحني الطبيب بكيفية استعمالها، والمدة التي أنتظم بها بأخذ الدواء، ولكنني كنت أهمل تلك التفاصيل، أبدأ بكمية كبيرة وأنتهي فجأة عندما أشعر بالملل واليأس، ثم تمر علي فترة ثم أذهب إلى طبيب آخر.... وهكذا كانت حياتي إلى أن وصل بي العمر 16 سنة.

فعندما شعرت بالمسئولية تجاه نفسي ذهبت إلى طبيب وكنت في غاية الإحراج، فكتب لي (انافرانيل ) وبعض الأدوية الأخرى، فبدأت بالعلاج دفعة واحدة لفهمي الخاطئ، وهو عندما آخذ الدواء بكميات سيتم الشفاء بسرعة رغم نصيحة الطبيب، وكيفية استعمال تلك الأدوية، وبعدما من الله علي بالشفاء من هذا البلاء لم يمر وقت إلا وبدأت مشكلتي الحقيقية والتي أعاني منها حتى الآن، وهي كما قرأت عنها في الاستشارات السابقة (الرهاب الاجتماعي)، فبدأت تدهور حياتي فلم أوفق في دراستي فرسبت في سنتين متتاليتين رغم أن أهلي وأقاربي لم يصدقوا ما حدث، منذ ذلك الحين علمت أنما يحدث لي شيء غير طبيعي، الرسوب شيء طبيعي.

مشكلة أي إنسان ممكن أن يلقاها في حياته، ولكن سنتين متتاليتين وكان هذا أول ما رسبت في حياتي، دائما كنت أنجح وأحصل على أعلى الدرجات، وكان أبي يفخر بي وسط أقاربي وأصدقائه، وكنت محبوبا أيضا وسط أقاربي، ومرغوبا بين أصدقائي، بدأت أخاف من مجالس الناس لشعوري أنهم أفضل مني، فكلما تحدث إلي أحد أشعر بتوتر شديد، وخاصة في عضلة الفم، وأشعر وكأني لا أجيد الحديث معهم، حتى أصدقائي فقدت معظمهم وفقدت حب الناس.

فعندما أجلس مع نفسي أتذكر ما كنت عليه وأنا في الصبا فأتحسر على ما أنا عليه اليوم، في الصبا كنت مريضا بمرض باطني لا يعلمه أحد إلا إخوتي، أما الآن فأنا مريض بمرض ظاهري كل من حولي يكتشفونه بكل سهولة ويسر، فعندما كنت في الصبا كانت شخصيتي مستقلة (قوية) فكان إخوتي يأخذون برأيي في بعض المواقف، أما الآن فأصبحت شخصيتي مهزوزة، وكان أبي يقول لي: ستصبح إنسانا ناجحا، ومن الطبيعي أصبحت غير واثق من نفسي، بل بدأت أكرهها.

أخذت جانبا من كل شيء في حياتي، من أهلي من إخوتي من أصدقائي، ولا أعلم السبب الحقيقي مما أنا فيه، إلا أني وجدت موقعكم الفاضل (الشبكة الإسلامية ) وقرأت الاستشارات السابقة شعرت بأن الله استجاب دعواتي بأن يفرج همي وغمي.

كنت أعلم أنني مريض ولكن كنت أخشى أن أتحدث مع أحد من داخل البيت أو خارجه، فبدأت أفكر في حالتي، وعلمت أنها انتكاس على ما أهملت في الصغر في تعليمات الطبيب، وفكرت بأن أبدأ من الأول بأخذ حبات (تفرانيل) بالشكل الصحيح لأنه الأفضل في حالتي، كما قرأت عن الزيروكسات أنه الأفضل ولكنه باهظ الثمن.
أعلم أنني قد أطلت عليكم مشكلتي ولكن أنا مثل أرض جافة تشققت من قلة الماء، وفجأة أمطرت السماء بغزارة شديدة، وأشكرك طبيبنا العزيز على ما تقدمه لنا من فوائد.

وجزاك الله عنا كل خير وجعله الله في ميزان حسناتك والله المستعان والحمد لله على كل شيء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

حقيقة ما أجملته من أعراض هو من علل واضحة، والشفاء يوجد -حقيقة- في الافتتاحية الجميلة التي ابتدأت بها، الشفاء والعلاج يوجد هنا إن شاء الله، هذا التوكل الجميل على الله تعالى، وهذه الثقة هي منبع التحسن وهي محركه إن شاء الله، فسر على هذا المنوال.

لا أدري كيف فشلت في الدراسة وأنت تكتب بهذا المنهاج والأسلوب الشيق والمترابط والجميل، ولكن – كما ذكرت أنت – الفشل والنجاح قد يتلازمان في بعض الأحيان.

قصدت من ذلك أن أقول لك أن الركيزة الأساسية – وهي الركيزة المعرفية والعلمية – متوفرة لك وبقوة وبشدة، أنت رجل صاحب استبصار وصاحب نظرة وصاحب كيان وجداني ومعرفي متوازن، ولكنك تركز على السلبيات، بل وتجسدها وتعظمها، مما ينسيك أو يبعدك عن كل الأشياء الجميلة والإيجابية في حياتك.

المبدأ السلوكي هو مبدأ أساسي لتفسير حالتك، وفي نفس الوقت هو المبدأ الأساسي لعلاجك، والكيفية بسيطة جدا ولكنها تتطلب الجدية في التطبيق، كل فكرة سلبية يجب أن تواجه وتستبدل بفكرة إيجابية مضادة، وأنت لك القدرة أن تحدد ما هو سلبي وما يقابله مما هو إيجابي، ولابد أن ترفع قناعتك وإرادتك نحو التحسن؛ لأن التحسن يتطلب إرادة كما أن الفشل قائم أيضا على إرادة أن استبدالك وبناءك للفكر الإيجابي سيكون وسيلة عظيمة للنجاح والتخلص من كل ما فيه أنت من معاناة أراها بسيطة، ولكن بالطبع سيطرت على مشاعرك وأزعجتك.

أرجو ألا تعيش كثيرا في الماضي، أنت في الطفولة كنت تعاني من التبول اللاإرادي، والتبول اللاإرادي في كثير من الناس والأطفال يكون مرتبطا بوجود اضطراب وجداني في الطفل، أي أن أعراضه لن يعبر عنها بالصورة الصحيحة، أو يوجد ما أزعجه وجعله يعبر عن عدم إرضائه عن نفسه بهذا التبول اللاإرادي.

وفي ذاك الوقت كان لابد أن يبحث في حالتك: هل هنالك مضايقات، هل هنالك صعوبات اجتماعية أو في المدرسة أو في علاقاتك؟! والنقاش والوصول لحلول معقولة للصعوبات وتوجيه الطفل سلوكيا يفيد كثيرا في التبول اللاإرادي.

عموما هذه مرحلة قد انقضت وأنا لا أريدك أن تعيش في الماضي، وإن استذكرته لابد أن تأخذه من أجل تطوير الحاضر والمستقبل وليس أن تعيش حسرات أو ندم.

الأنفرانيل أو الأدوية التي أعطيت لك في الماضي تساعد أيضا، ولكن كما ذكرت عدم انتظامك فيها ربما يكون هو السبب في أنك لم تجن أي فائدة، ولكن الحمد لله بعد أن بدأت المرحلة العمرية لديك تطورت وتقدمت نفسيا ووجدانيا.

الرهاب الاجتماعي أو الخوف الذي تعاني منه لا أراه بالشدة، وذلك حسب ما تلمسته في رسالتك، أنا أرى أن لديك القلق التوقعي، أنت تفكر سلبيا وتضع النتائج قبل أن تدقق في المشكلة ذاتها، وهذه الحسابات السلبية يجب أن تتوقف، فكر إيجابيا، انظر لنفسك بصورة مختلفة، تذكر لحظات سعيدة مرت عليك في حياتك وقل سأعيشها مرة أخرى؛ بل سأعيش لحظات سعيدة أفضل منها.

عليك المثابرة في دروسك، وعليك أن تسعى للنجاح وتضع آلياته، خذ القدوة الطيبة والقدوة الحسنة فهي تفيدك كثيرا، تواصل اجتماعيا، كن مواجها في كل مصادر الخوف، ويجب أن تستغل معرفتك الجميلة ومنهجك الكتابي والتخاطبي الرائع الذي ورد في رسالتك، استغله من أجل مخاطبة الآخرين، وبهذه الطريقة سوف تثبت ذاتك وقوتك، وهذا يعطيك الكثير من الدافعية.

لابد من أن نحسن الظن بالناس، وإن كان يوجد بعض الشكوك البسيطة لا بأس به؛ لأنه يعتبر وسيلة حماية وصمام أمان حتى لا نستغل من قبل الآخرين.

عليك بممارسة الرياضة الاجتماعية مثل كرة القدم، سوف تفيدك وتوجه طاقاتك بصورة ممتازة، عليك الالتحاق بحلقات التلاوة، فهي أيضا وسيلة اجتماعية علاجية جميلة وفيها - إن شاء الله - خيري الدنيا والآخرة.

أما بالنسبة للدواء فهنالك أدوية كثيرة، الأنفرانيل دواء جيد وهو رخيص الثمن، ولكنه ربما لا يكون الأفضل؛ لأن آثاره الجانبية كثيرة، ولا مانع من أن تتناوله ولكن يجب أن تنتظم فيه، وابدأ الجرعة بـ 25 مليجرام يوميا ثم بعد أسبوعين ارفعها إلى 50 مليجرام، ثم بعد شهر ارفعها إلى 75 مليجرام في اليوم، وهذه الجرعة الفعالة، وأي جرعة أقل من ذلك لن تفيد كثيرا، ويجب أن تستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، بعدها يمكنك أن تبدأ في تخفيضه بمعدل 25 مليجرام كل أسبوع.

توجد بدائل أخرى مثل البروزاك، فهو دواء ممتاز وفعال، وهنالك دواء نوع من البروزاك التجاري ليس باهظ الثمن وموجود في مصر، والاسم العلمي للبروزاك هو فلوكستين Flyoxetine، يمكنك أن تتحصل عليه، وإذا وجدت سعره معقولا أرجو أن تستعمله لأنه أفضل من الأنفرانيل، جرعة البداية هي 20 مليجراما يوميا لمدة شهر – كبسولة واحدة – ثم بعد ذلك ارفعها إلى كبسولتين – 40 مليجرام – واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضها لمدة شهر، ثم توقف عنه.
أرجو الالتزام التام بالجرعة العلاجية؛ لأن الأدوية تعتمد على التواصل والبناء الكيميائي.

وأخيرا أرجو منك أن تكثر من التفاؤل الإيجابي، وأنت بخير، وأسأل الله لك الشفاء.

وبالله التوفيق.


مواد ذات صلة

الاستشارات