السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دكتورنا الفاضل والعزيز محمد عبد العليم، لقد كنت خير معين جزاك الله عني خير الجزاء.
أنا والحمد لله ممتاز وأموري على ما يرام وتعافيت ولا أشرب أي دواء، ومن شهور قهرت والحمد لله الاكتئاب وهزمته وسحقته سحقا.
ولكن بصراحة المحيط الذي أحيا فيه لا يروق لي، ولا يتوافق مع أفكاري، وهذا يزعجني جدا، فكيف أتكيف معه ولو أن بيدي هجره لفعلت.
وأيضا ترادوني بعض الوساوس بخصوص المرض - وخصوصا ارتفاع ضغط الدم -، وهذا ما يجعلني أكرر قياسه كل فترة، وأحلل كثيرا من الأمور من عندي، وأتخيل أنه سيرتفع، وذلك لأن نصف من حولي يعانون منه، وأنا لا أريد ذلك مطلقا، وكشفت عند طبيبين وأخبراني بأنني على ما يرام، ولكن أطمئن لكلامك ولابد من شحن الهمة حاليا بعباراتك، وذلك لأنني أقاوم منذ أشهر، ومستحيل أن أرضخ بإذن الله.
الخلاصة ودون إطالة أنه تزعجني أفكار، فهي والله كالخرافات، ويؤثر بي مجتمعي ولكن للأسف سلبا، وأنا عانيت ما عانيت من الخوف من المرض والموت وغيره، ولا يوجد عندي ذرة استعداد لمعاودة الألم والتعب النفسي، ولا أدري لماذا لا زلت أخاف المرض، وخصوصا الضغط والجلطة وأمراض القلب عموما، وأحيانا الانفصام.
أنا أعرف حجم إنجازي بأنني الآن الحمد لله ممتاز ولا أشرب الدواء، وأعلم أن عندي إرادة فولاذية إن شاء الله، كيف لا وأنني تركت مثلا الزنكس بعد 4 أشهر من الاستخدام اليومي والمتواصل، واستغنيت عن الزولفت والدجماتيل والدنكست والبروزاك وغيره، ولا أنكر أنني استفدت منها بفضل الله ثم مشورتك والحمد لله.
أنا في هذه المرحلة أريد أن أعرف حقيقة ما هو مطلوب مني لأستمر صحيحا سليما، وأنا أحدثك وكأنك صديقي وتعرف تاريخي فلا تلمني على ذلك، فمنذ أكثر من سنة استشرتك أكثر من 10 استشارات.
إذن كيف أتجنب السوء والمرض، وكيف أميز بين الحقيقي والضروري -في كل شيء حتى الأفكار- وبين الوهم والضرر؟!
وكيف أسلم من أفكار لا تمسني بل تؤذيني وتؤخرني؟! وأريد وقاية من التأثر بما يحصل مع الناس، فمثلا أخو صديقي توفي رحمه الله وعمره 29 عاما بجلطة وبشكل مفاجىء صدم كل من حولنا وهو لا يشكو من شيء.
أرجو أن تشحن همتي بكلمات وعبارات، ولا أعتقد أنني بحاجة لأي دواء، وكم نفسي أن ألقاك وأحدثك عن مدى تطبيقي لما طلبته مني، وإنني الآن أقود سيارتي مسافات طويلة، ومسجل بنادي رياضي، وعلاقاتي ممتازة، وأعتدل في كل أموري والحمد والفضل لله.
وكل الشكر والتقدير لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماهر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فحقيقة أعجز عن التعبير عن شكرك وتقديري لك ولهذه الثقة الغالية، والتي أسأل الله تعالى أن يجعلنا عند حسن ظنك وظن الإخوة الأفاضل من الأمة الإسلامية قاطبة.
أنا سعيد جدا بأنك الحمد لله قد استطعت أن تبني دفاعاتك النفسية، فلكل شيء دفاعات مطلوبة، والدفاعات النفسية من أقوى وأعظم ما يمكن أن يبنيه الإنسان، فأنت بفضل من الله وتوفيقه استطعت أن تبني هذه الدفاعات النفسية القوية، وكما ذكرت قد هزمت الاكتئاب، وأنا أؤمن وبصفة قاطعة أنه بإذن الله تعالى يمكن للاكتئاب أن يهزم، ويجب أن يهزم وأقول ذلك دائما في حلقات الدراسة للإخوة الزملاء الأطباء والمتدربين.
إن الدافعية وإرادة التحسن هي من أعظم وسائل التحسن، ولقد جعلتني مطمئنا الآن؛ لأنك وصلت لهذه المرحلة من القناعات النفسية القوية.. هذا في حد ذاته يجب أن يكون الحافز الأول لك، ويجب أن تثابر، ويجب أن تواصل، ويجب أن تكون لك العزيمة والقوة في ألا تصيبك هذه الأعراض مرة أخرى.
قل لنفسك - حتى إذا أتت الأعراض من وقت لآخر – هذا لا يهم كثيرا، فكل شيء في هذه الدنيا يزيد وينقص، حتى الإيمان يزيد وينقص، ولكن صدقني أنك لن تصل أبدا للمرحلة التي كنت بها سابقا.. وأنت والحمد لله الآن بنيت الركائز القوية التي تقف عليها.
وبالنسبة للتعايش مع الآخرين أرى دائما أن مزاجنا ومعتقداتنا وقيمنا ربما تتصادم مع الآخرين؛ لأن هذه فطرة الناس وطبيعة الحياة، ولكن دائما على الإنسان أن يقنع نفسه ويصل إلى حقيقة أن هذا التصادم بينه وبين الآخرين ربما يكون قد ساهم فيه هو أيضا...وهذا يتطلب شيء من التجرد، وأعتقد أنك رجل متجرد وصادق مع نفسك..
لا أقول أن تضع كل الإيلام على نفسك، ولكن الإنسان في مواقف كثيرة إذا كان مظلوما أفضل من أن يكون ظالما، مع أننا دائما ندعو الله ألا نظلم ولا نظلم..
انظر للآخرين بمنظار مختلف، حاول أن تجد لهم العذر وهذا أمر ضروري، ونحن دائما نؤمن كمسلمين أنه يجب أن يدعم بعضنا البعض فيما نتفق فيه ويجب أن يعذر بعضنا البعض فيما نختلف فيه، فحاول أن توجه وتنصح بالتي هي أحسن، هذا التواصل سوف يكون حافزا لك لمزيد من التحسن، وفي ذات الوقت سوف يجعلك تتقبل الآخرين وأفكارهم، أو على الأقل لن تنزعج لتصرفاتهم التي تتصادم مع قيمك الداخلية.
والعلاقات المفروضة في الحياة لابد أن نقبلها، لابد للإنسان أن يعيش ويتعايش مع أهل بيته وأصدقائه وجيرانه ومن حوله، هذه أمور أساسية.
الحق عز وجل حين أوصانا بالجار – إذا كان قريبا أو بعيدا أو زوجا – لم يوصنا به فقط إذا كان الحسن الخلق أو كان على توافق معنا، لكن هي وصية أبدية يجب أن نأخذ بها، وصدقني أن الإنسان حين يكون متسامحا ويكون هنالك سعة في قبوله للآخرين سوف يجد أنه مرتاح نفسيا وقد أنجز إنجازا عظيما، وهذا هو الذي أود أن أقوله لك في هذا السياق.
وأما بالنسبة للتخوف من المرض، فالمرض بالطبع شيء مقلق، كلنا نريد الصحة ونسأل الله تعالى دائما الصحة والعافية والمعافاة.
هنالك دعاء جميل ومأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، يزيل كل هذه الهموم المرضية، وهو: (اللهم إني أعوذ بك من البرص والجذام والجنون وسيئ الأسقام)، هذا الحديث أوصيته لأحد الإخوة الذين ابتلوا بمرض السرطان وقلت له أن هذا من سيئ الأسقام، فأخبرني أن الطمأنينة قد نزلت عليه، فادع بهذا الدعاء، ولا تنس أمر التوكل في هذه الأمور، فهو أمر ضروري جدا، والإنسان لابد أن يصاب بشيء في حياته إذا كان سكري أو ضغط أو خلافه، ولكن يسأل الله أن يحفظه وأن يعافيه وأن يتولاه وأن يسهل له أموره كلها.. هذا وسيط قوي ودافع.
حقيقة أنا من أنصار أن يجري الإنسان على نفسه فحصا دوريا مرة كل ستة أشهر، هذا أمر جميل جدا، وأقول للذين يكتشفون أمراضهم أنهم هم السعداء، وكل من يكتشف مرضا أو مصيبة أرى أنه سعيد لأنه سوف يقوم بتدارك الأمر وعلاجه.
فعش بقوة وطمأنينة ويقين وتوكل.. قاوم نفسك وسوف تجد أنك قد وصلت لمرحلة القناعة واليقين في هذا الأمر.. وهذا ينطبق على جميع الحالات وعلى جميع المخاوف وعلى جميع الوساوس أن نقاومها، وألا نستكين لها، وأن نستبدلها بشيء آخر، وفي هذه الحالة أن نفكر في الصحة ولكن نفكر أيضا أن المرض إذا أتى سوف يجعل الله منه مخرجا وسوف يكتب للإنسان الشفاء بإذن الله تعالى.
أخي: أنت صاحب إرادة وأرجو من الله تعالى أن يثبتك ويقويك ويحفظك ويشفيك، وأذكار الصباح والمساء مفيدة جدا، تقي الإنسان من كل هذه الهموم.
وأنا من أنصار أن القلق طاقة نفسية مطلوبة وكذلك الوساوس والخوف، كلها طاقات مطلوبة حين تكون في حدود المعقول، ولكنها قد تكون طاقات منحرفة وشاردة ومؤذية إذا زادت، ويجب ألا نسمح لها أن تزداد..
فواصل أخي الفاضل فيما تقوم به من قيادتك للسيارة لوحدك، وخروجك ومواصلتك للرياضة وتواصلك مع الآخرين، وأرجو من الله تعالى أن يسطع نجمك أيضا في حلقات القرآن بين أقرانك.
أنا مطمئن تماما إن شاء الله أنك على خير وستظل على خير، وأسأل الله لك الشفاء والحفظ، وأشكرك – مرة أخرى – على تواصلك معنا.
وبالله التوفيق.