السؤال
السلام عليكم.
أريد معرفة كيف يكون الإنسان محبوبا بين الناس، لا سيما الأهل والأقرباء؟!
وكيف تتحقق للإنسان المثالية في بر الوالدين والأقربين؟!
وهل الاختلاف في فهم الأحداث وتحليل المواقف هو الحد الفاصل بين الإنسان وأخيه الإنسان؟!
لأن لي بعض الأقرباء يكيدون لأسرتي الفتن، ويتلذذون بتوسيع هوة الخلاف داخل أسرتي، وأنا أدرك نواياهم لكن لا أجد مبررا لها، ولا أدري ماذا صنعت أنا بأحدهم؟
وهل يحاسب الإنسان بفعل من سبقوه وإن لم يكن عاش فترة حياتهم؟!
أود ردا تفصيليا، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ م.م.أ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فإن المسلم يحتمل من الأقارب ويصبر عليهم، وأسوته في ذلك أنبياء الله ورسله، فهذا نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام التقى بإخوانه بعد الذي فعلوه به وما ترتب على فعلتهم من سجن ومعاناة، فتناسى الجراح وقال لهم في عفو وسماح: ((قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين))[يوسف:92]، ونسب ما حصل لعدونا الشيطان فقال: ((من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي))[يوسف:100]، وأدخل نفسه في الخطأ الذي وصل رغم أنه كان الضحية، وذلك في قوله: ((بيني وبين إخوتي))[يوسف:100].
وهذا ما فعله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش الذين أخرجوه وقتلوا أحبابه وإخوانه واستولوا على العقار والديار ظلما وعدوانا، ورغم تمكنه من رقابهم وخضوعهم لسلطانه إلا أنه قال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وردد مقولة يوسف عليه السلام: ((لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين))[يوسف:92].
وأرجو أن تعلم أن المكر السيئ لا يعود إلا لأهله ولا يحيق إلا بهم، فحاول مقابلة السيئة بالتي هي أحسن، واعلم أن مقابلة الشر بمثله ما هو إلا إضافة شر إلى شر، وقد (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال له عليه صلاة الله وسلامه: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل –تطعمهم الرماد الحار– ولا يزال من الله معك ظهير عليهم ما دمت على ذلك)، فتأمل كيف بشره رسولنا صلى الله عليه وسلم بتأييد الله ونصره له ولم يطالبه أن يعاملهم بالمثل.
ولا يخفى عليك أن العاقل يفوت الفرص على شياطين الإنس والجن ويعاملهم بنقيض قصدهم؛ لأنه يرجو ما عند الله، واعلم أن أهل الشر لا يحتاجون لسبب إذا أرادوا إشعال نيران الفتنة، ولكن العاقل يقبل خيرهم ويتعوذ بالله من شرهم.
والإنسان لا يحاسب على أفعال الآخرين سواء أكان حاضرا في حياتهم أو جاء بعد وفاتهم؛ لأن الله سبحانه يقول: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى))[فاطر:18].
وأرجو أن تعلم أن أفضل علاج لشرورهم يكون بالصبر عليهم ومقابلة السيئة التي عندهم بالحسنة: ((فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم))[فصلت:34].
واعلم أنك ما جازيت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، ولا تعمل عملا تندم عليه غدا، وتعوذ بالله من الشيطان الذي همه أن يحزن أهل الإيمان ورضاه في غرس العداوة بين الأرحام والإخوان، ونسأل الله أن يرزقك التقوى والإيمان، ومرحبا بك بين الآباء والأخوان.
وبالله التوفيق.