السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي -دام فضلكم- هو كالتالي: لدي أرحام من جانب والدتي، وإني أحب أن أكون طائعا لربي وبارا بوالدتي بوصل أولئك الأرحام، ولكن المشكلة تكمن في أنه كلما اقتربت منهم وتوددت إليهم تحصل لي الكثير من المتاعب والمشاكل كونهم أناسا معقدين بكل ما تحويه هذه الكلمة من معنى، وهذا ليس رأيي فحسب، بل رأي الكثير من المنصفين ممن تعاملوا معهم بالتجربة، بعيدا عن أولئك الأناس ممن يجاملونهم بحكم المصالح المشتركة بينهم، والمكانة الاجتماعية المرموقة التي اكتسبوها بعد أن كانوا بسطاء وفقراء، وقد كان أحدهم يأخذني معه لبيع علب التبغ على الدراجة الهوائية، وإذا به الآن من أكبر مقاولي وتجار السيارات في دول الخليج.
لقد كنا نحبهم في صغرنا -أنا وإخوتي- ونلعب معهم إلا أن الأمر اختلف الآن، ولم نعد من مستواهم، ويحاولون أن يقنعونا بأفكارهم بالقوة، وتهميش رأينا وشخصيتنا، ولكننا لا نستمع إليهم مع أننا مقتنعين بصحة أفكارهم، ولكن طريقة توصيل الفكرة هي المشكلة، فإذا أرادوا النصح استرسلوا في الحديث حتى تتصدع رؤوسنا وبدون مبالغة، لا تصدق - يا شيخ - كم نعيش بسلام - حتى والدتي - عندما نكون بعيدين عنهم.
فأرجو منك -يا شيخ- أن تنصحني كيف أتعامل معهم دون أن أكون قاطعا للرحم.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الرحم تعلقت بعرش الرحمن وقالت: (هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال رب العزة والجلال: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى، قال: فذلك لك).
واعلم أن صلة الرحم توصل إلى الجنة، والجنة مهرها غال، فلابد من صبر واحتمال، ورغبة فيما عند الكبير المتعال، فلا تطع الشيطان، واهتم بصلة الأرحام، وذكرهم بالله ولا تجعل بينك وبينه حواجز وهميه، ولن يضرك كثرة كلامهم، واحمد الله الذي سلمك من أذيتهم، ويمكنك أن تقلل من الجلوس عندهم، وتجعل زيارتك لهم خفيفة ومتكررة.
ولا تظن أن صلة الرحم من الطاعات التي ليس فيها عوائق، فإن الحسد يشتد بين الأرحام، والمشاكل الصغيرة تصبح كبيرة، والشيطان يعمل ليل نهار من أجل قطع هذه الصلة، فخالفوا هذا العدو، وشجع والدتك على البر والصلة، ولا تظهر لها أنك متضايق.
وأرجو أن أقول لك أن الخطأ مشترك، وهذا الأمر عند أكثر الناس في زمان الماديات، فإن الناس إذا ارتفع أحدهم بماله أو بمناصبه تكبر على أرحامه، وحق لأمثال هؤلاء أن يخافوا من قوله تعالى: ((فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم))[محمد:22-23]
ولقد وجد في أصحاب المناصب والوجاهات من يتكبر حتى على والده وأعمامه والعياذ بالله، كما أوردت ذلك مجلة المتميزة في بعض تحقيقاتها المميزة، وفي الجانب الآخر تجد الناس يعزلوا قريبهم صاحب المنصب أو المال، ويتعاملوا معه بروح عجيبة، حيث يقدمون الشك على اليقين، والاتهام على البراءة، وينقادون لحواجز وهمية، وتفسر كل التصرفات على أنها تكبر وتعالي، بل إن الناس قد يجمعوا على كره من أعطي مالا أو رفعة في الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
ومن هنا فنحن ننصح الجميع بتقوى الله، وبضرورة أن ننتصر على أنفسنا، ونعين أرحامنا على الدنيا التي قل من ينجح إذ امتحن بها، قال تعالى: ((وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه))[الإسراء:83]، وقال سبحانه: ((كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى))[العلق:6-7].
فكونوا عونا لأرحامكم على الخير، ونحن سعداء بأمثالك ممن يحرص على صلة الرحم، ونعول -بعد الله- على أمثالك في تحقيق التغيير وإصلاح ذات البين، ومرحبا بك مجددا، وشكرا على اهتمامك وتواصلك مع الموقع.
وأرجو أن تلتمس لنا ولهم العذر، فإن لم تجد لهم عذرا فقل لعل عندهم عذرا لا أعلمه، واحمد الله على الذي رزقك بأرحام ليس لك معهم مشاكل ولا خصومات، ولا محاكم ولا مشاجرات، وحافظ على الحد الأدنى من الصلة، واسأل الله لهم الهداية.
ونسأل الله لك السداد والرشاد.