كيفية الجمع بين العمل والعلم والعبادة؟

0 407

السؤال

أنا شاب من دمشق في الثلاثين من عمري، أعيش الآن مع والدي، من الله عز وجل علي منذ عام بأن رزقني عملا مرموقا في سفارة لإحدى الدول الإسلامية، يصعب في العادة الحصول على مثله في هذا البلد.

ومن الله -تبارك وتعالى- مرة أخرى علي وأجزل وأكثر المن بأن هداني وأصلحني في شهر رمضان الفائت؛ حيث بدأت أجاهد نفسي على الصلاة، وأحافظ على الذكر وقراءة القرآن، وغض البصر، وهجر الأغاني، وغير ذلك مما يعينني الله عليه، ولقد تركت لدي هذه النعمة أثرا بالغا جعلني أدرك أهمية العلم والوقت، حيث أسعى بدأب لأن أستغل وقتي في ملء الثغرات المعرفية والعلمية الكثيرة والكبيرة المتراكمة عندي هنا وهناك، عبر مختلف الوسائل المتوافرة هذه الأيام -والحمد لله- السمعية والبصرية والمقروءة والحاسوبية والالكترونية والإنترنت وغيرها، وإنني لعازم على أن أتدارك ما ينقصني من العلم بدين الإسلام من عقيدة وقرآن وسنة وغيرها، مما تيسر بحيث أؤدي رسالتي في هذه الحياة كمسلم، وأنشئ أسرة مسلمة تكون مع مثيلاتها نواة الجيل الملتزم القادم، الذي سيحرر القدس ويرفع راية الإسلام من جديد.

هذا الحلم الكبير الذي يراودني كما يراود الكثيرين تعترضه مصاعب شتى، ففي طور الإعداد والتحضير لهذا الهدف أصطدم كثيرا مع الواقع الصعب حولي؛ حيث أن أسلوب الحياة والمشاغل والمشاكل والفساد والعوامل الخارجية الأخرى تعيقني كثيرا، وتسبب لي الهم والحزن والضيق.

من هذه المشاكل: عملي نفسه، فرغم أن العقد يحدد ساعات العمل إلا أنني أجد نفسي معظم الأيام مجبرا على العمل لساعات طويلة، وقد يشمل هذا العطل الأسبوعية -مع العلم أن العقد لا يلزمهم بدفع تعويض لقاء ساعات العمل الإضافية- مما يجعلني أشعر بضيق شديد، حتى أنني لم أعد أحب هذا العمل ولم يعد لدي الحماس والاندفاع ذاته الذي كان لدي عندما بدأت، السبب في ذلك ليس له علاقة بالجانب المادي، فالراتب الذي أحصل عليه مجز وأستطيع توفير قسم كبير منه كل شهر، ولكن بدأ أصحاب العمل هؤلاء كأنهم يستغلونني، حتى أنهم يستعملونني في أعمال أخرى جانبية، وأحيانا شخصية على حساب عملي الأساسي، بل ويحاسبونني على تقصير لا يد لي فيه، ويعود إلى سوء في الإدارة والتنظيم، لم أرد لهذه الأمور أن تؤثر على سير العمل ؛ لأنني أحرص على الحلال إن شاء الله، حتى أنني استأجرت عاملا من الخارج على حسابي الخاص ليساعدني في إتمام أعمالي في موعدها.

مع استعدادي التام للتجاوب مع أصحاب العمل، والقيام بواجبي على أكمل وجه بما يرضي الله عز وجل، إلا أنني أعطي أهمية أكبر لوقتي الخاص، فوقتي هو ملكي وليس لأحد أن يسرقه مني، وإنني لأسأل الله تعالى دوما أن يملكني وقتي حتى أعوض ما فات، لا أريد لعملي أن يلهيني عن العبادة ولا عن العلم، ولا عن تحقيق ما أسعى إليه، ولكني في نفس الوقت بحاجة إلى المال الذي يشكل الأساس المادي إلى جانب الأساس المعنوي اللازم للزواج، وتكوين الأسرة الصالحة.

فكرت مرارا وتكرارا بترك العمل، مع إيماني بأن الأرزاق بيد الله ؛ لأن العلم يأتي عندي في المرتبة الأولى، ويصعب علي في هذه الظروف أن أوفق بين العلم والسعي للرزق، ولكني لا أضمن بعدها الحصول على عمل أفضل.

فما تنصحونني بارك الله فيكم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل الأستاذ/ أمير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا بداية أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، ويسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، كما ندعو الله تعالى أن يحفظك بحفظه، وأن يبارك فيك، وأن يمن عليك بطلب العلم الشرعي، وأن يبارك لك في رزقك، وأن يجعلك من خيرة عباده وصفوة أوليائه، إنه جواد كريم.

أخي الأستاذ أمير: أحب أن أبشرك ببشرى القرآن الكريم وهي قوله تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم)، [إبراهيم:7]، فأبشر بالزيادة والنماء في رزقك ودينك ووقتك؛ لأن شكر النعمة يتبعه الزيادة فيها كما بشرنا الله ورسوله، فأكثر من شكره سبحانه حتى يعطيك المزيد وهو الغني الحميد.

أما بخصوص ما ورد برسالتك: فأنت لا تحتاج إلا إلى مجرد ترتيب وقتك فقط، واصرف عنك فكرة ترك العمل تماما؛ لأن هذا يتعارض مع شرع الله، ولا يقرك عليه الشرع، ولا يخفى عليك أن الله -جل جلاله- عندما أراد أن يثني على أوليائه في سورة النور قال سبحانه: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة)، [النور:37]^، فلقد كانوا أصحاب تجارة أموال، ورغم ذلك كانوا من كبار العلماء والعباد، والعمل الذي أكرمك الله به فرصة لا تعوض ما دام ليس في معصية لله، حتى وإن كان فيه مشقة، فأنصحك بالصبر والمرونة، وما عليك إلا تنظيم وقتك بطريقة صحيحة، وستجد وقتا لكل مشاريعك العلمية والحياتية والعبادية -إن شاء الله-، مع الإكثار من الدعاء، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بنية أن يبارك الله لك في وقتك ورزقك، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد، والهداية والرشاد.

مواد ذات صلة

الاستشارات