السؤال
السلام عليكم
أعاني من مشكلة منذ طفولتي، ولا أدري ما الحل؟ فأنا دائما أشعر برهبة عند الوقوع في مشاكل مع الآخرين، فأنا دائما أتجنب العراك سواء باليد أو بمجرد الكلام، وأحاول حلها بالعقل، ولكن المشكلة هي أنني أقع في لوم شديد لنفسي، وأشعر بأنني تصرفت خطأ وتنازلت عن حقي، وكان من المفروض أن أفعل أكثر من ذلك.
ويستمر هذا اللوم معي فترة طويلة بعد حدوث أي موقف، حتى وإن كان بسيطا، فأنا آخذ كل الأمور على أعصابي، وكثيرا ما أشكو إلى الناس المقربين إلي، فما هو الحل لذلك؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohammed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي أرى أن المشكلة ليست في إصابتك بالرهبة، ولكن المشكلة في أنك تقلل من تقدير ذاتك، أنت أوقعت نفسك في أنك ضعيف، أنك لست مقدام، أنك ليس لديك القوة لأخذ حقك من الآخرين، وهكذا.
بالطبع التعارك ليس محمودا، ونحن لا ندعوك أبدا لأن تتعارك مع الناس بيدك، ولا حتى ندعوك لأن تكثر من حدة الكلام والمساندة، أرى من كريم الأخلاق ومن فضائله أن يكون الإنسان متواضعا ومتسامحا، ويعبر عن نفسه في حدود الذوق وما هو مقبول، فالفحش في الكلام والأفعال مرفوض، انظر للأمر من هذه الناحية، جميل أن تحاول أن تحل الأمور بالعقل وهذا هو الأفضل، كثير من الحالات ربما لا يقبل الآخرين ما تقترحه، ربما يكون ليس للآخرين الاستعداد لإجراء نوع من الحوار المفيد.
أرجو أن تتقبل هذا من الآخرين، حيث أننا لا نستطيع أن نفرض مناهجنا وقيمنا وطريقة سلوكنا على الآخرين، ولكن بالتسامح، وبالرؤية، وبالحكمة، وبالتعامل الإيجابي الممتاز، والقائم على الفضيلة مع الآخرين، سوف تجبرهم لأن يتبعوا منهجك، أو على الأقل سوف يتجنبون أن يدخلوا معك في أي نوع من الكلام غير المقبول، والتعامل السيئ.
الإنسان يمكن أن يفرض نفسه بسلوكه، هذه قيمة إنسانية وتربوية معروفة جدا، إذن أرى أنك بخير، وأرى أن ما تقوم به هو الشيء الصحيح، فقط لا تقلل من قيمة نفسك، ولا تحتقر ذاتك، لا ترى نفسك أضعف من الآخرين، العكس أنت لديك منهج مختلف، بالتأكيد ندعو الناس دائما أن تكون شخصياتهم قوية ومقدامة، وأن يكون للإنسان صفة القيادة، وألا ينقاد، هذا أمر جيد، ولكن هذا يتأتى أيضا عن طريق التواصل الإنساني المنضبط، القائم على الذوق والتعامل الرفيع، الجأ لذلك وقل لنفسك دائما: أنا سوف أتعامل مع الناس بلطف وجدية ومعقولية، هذا هو الذي تطلبه أنت.
إذن لا تلوم نفسك أبدا، صدقني أنك على خير، وأن منهجك هو المنهج الصحيح، لا تشعر بالذنب، لا توجد عقدة ذنب حقيقة، فقط تذكر أنه ليس من الضروري أن تفرض قيمك ومنهج على الآخرين، هذا سوف يطمئنك، وسوف يزيل هذه الضغوط التي تعاني منها.
الشيء الآخر: أرجو دائما أن تتواصل مع الإخوة الصالحين الأفاضل من ذوي الأخلاق الحميدة، سوف تجد فيهم المؤازرة والقدوة الحسنة، والراحة مع نفسك، أنت حين تتعامل مع إنسان يتمتع بسمو ورفعة في أخلاقه سوف تجد أن التعامل معه أسهل، لا عراك أبدا هنا، لا عراك لا بالكلام ولا باليد، إنما هو نوع من التبادل الإنساني الذي يقوم على الذوق والأمل وحسن التواصل، أنت ونحن محتاجون لذلك، أرجو ألا تشغل نفسك بالذين يحبون التعارك، أو هذا هو منهجهم، هذا في نظري مجموعة من الناس يجب أن نبتعد عنهم، ويجب أن نفرض سلوكنا الحميد عليهم.
إذن أنا أسألك أن تتذكر دائما أنك لست بمريض، ولست ضعيفا، أنت فقط حساس، أعط نفسك جرعة من الثقة بالنفس.
الشيء الآخر: كن فعالا في حياتك، أرجو أن تدير وقتك بصورة جيدة، وزع وقتك ما بين الراحة، وما بين النشاط، وما بين التواصل، وما بين الاطلاع، وما بين العيادة، كن فعالا في حياتك، ويرفع من قيمتك ويجعلك تكون أكثر قناعة بفاعليتك.
الكثير من الناس لديهم مقدرات ممتازة وفعالة جدا، ولكنهم لا يشعرون بها لأنهم في الأصل لا يقدرونها، ويركزون الجانب السلبي، لا أعرف إن كنت أنت ما زلت في المرحلة الدراسية أم أنك تعمل، أيا كان إذا كنت في محيط العمل أو محيط الدراسة هذا هو وقت الإبداع والإنتاج، كن مجتهدا ومنتجا وفعالا، هذا يعطيك نوع من التحفيز الداخلي.
أكثر من النشاطات الاجتماعية، يمكنك أن تنضم للجمعيات الشبابية، الجمعيات الخيرية، فإنها تقوي الشخصية، وتقوي النفس، وتشعر الإنسان بقيمته الذاتية.
كن حريصا على حضور حلقات التلاوة في مسجدك، هذا يجعلك تتفاعل اجتماعيا ويزيل عنك الرهبة، ويعطيك دورك الإيجابي في الحياة، مارس أيضا أي رياضة شبابية مع زملائك ورفاقك وأصدقائك، هنالك الكثير الذي يمكن أن تفعله وتقوم به، ويخرجك من هذه الهموم وهذه الرهبة.
لا تقل أن مشكلتك من الطفولة، لا هذه الأمور معظمها مكتسبة، ربما يكون الإنسان عانى من بعض السلبيات في طفولته، ولكني أعتقد أن هذه السلبيات هي وسيلة لأن نعيش الإيجابيات، هي تجربة سلبية، ولكن حين نتعلم منها وحين نطورها سوف تنعكس إيجابيا على صحتنا النفسية، هذا هو المنهج الذي أراه أفضل بالنسبة لك، غير كل فكرة وفعل سلبي في حياتك إلى ما يقابله من إيجابي، هذا هو الشعار الذي أود أن يكون وسيلتك وديدنك وتسير عليه.
أسأل الله لك التوفيق والسداد.