السؤال
السلام عليكم.
أنا امرأة متزوجة ولدي ثلاثة أطفال، بعد ولادة طفلتي الثانية بثمانية شهور أصبت بالاكتئاب، كانت حياتي جحيم لا يطاق، ترددت على كثير من المستشفيات، وأجريت جميع الفحوصات، وكانت جميع النتائج تؤكد أنني لا أعاني من أي مرض عضوي، ولكن قد يكون نفسيا، كنت أعاني من ضيق التنفس، وخفقان القلب، ودوخة، وكانت تأتيني نوبات من الهلع أحسست بأني سأموت، حتى أخبرني الطبيب بأن هذه حالة نفسية، بعدها ذهبت إلى طبيب نفسي ووصف لي البروزاك والزنكس، واستمريت على العلاج لمدة سنتين أو أقل ،وبعد إصرار زوجي أنه يريد أطفالا تركت العلاج، وكانت حياتي بعد ترك الدواء مستقرة ولله الحمد، لكن كنت أشعر بالخوف البسيط فقط.
لا حظت بعد أخذي للدواء تحسنا، ولكن أحيانا أحس بالاكتئاب، فقد يكون إحساسا عاديا، فالحياة لا تخلو من المشاكل والأحزان، وبعد الولادة بطفلي الثالث أحسست بتلك الأعراض، بدأ ينتابني قلق شديد، وأرق، كنت تقريبا لا أنام، ويصيبني حزن شديد، ترددت كثيرا قبل الذهاب للطبيب، ذهبت ولكن أخي لاحظ علي الحزن فأخذ يسألني، وذهب بي إلى الطبيب، لا أريد زوجي أن يعلم أني رجعت ثانية للذهاب للطبيب النفسي، ولكنه لا يعلم بمقدار الألم النفسي الذي أشعر به.
وصف لي الطبيب في بادئ الأمر دواء ليساعدني على النوم، أعتقد أن اسمه الاكستينول والحمد لله منذ أن أخذته أصبحت أنام جيدا، ولله الحمد، ولكن لم أتحسن من الاكتئاب والحزن، فذهب إليه ووصف لي السبرالكس 5 جرام ولكني لم آخذه، فخفت أنه يؤثرعلى الطفل، فهل تنصحونني بأخذه يا دكتور؟
عندي سؤال أخير: هل الاكتئاب يسبب الأفكار السلبية المتكررة التي تجعل الحياة جحيما لا يطاق، يا دكتور إن رأسي سينفجر من شدة تلك الأفكار، لدرجة أنني لا أحب الجلوس وحدي هروبا من تلك الأفكار والوساوس -أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- أنا بحاجة لنصحك لي وإرشادك، أحس أن الحياة لا طعم لها، أشعر بأن زوجي وأطفالي غير محظوظين؛ لأن لهم أما مثلي، ولكن الحمد لله على كل حال، وعندي أمل بالله كبير أن يغير الله من حال إلى حال، أنا الآن صار لي شهر على أخذ الدواء الذي يساعدني على النوم، ولكن أشعر إذا لم آخذه بتوتر وعصبيه، فهل هذا بسبب الدواء أو من الحالة التي أمر بها؟
وأخيرا أشكركم على هذا الموقع المتميز وجزاكم الله عنا ألف خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم حزينه حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله تعالى أن يرفع عنك الهم والحزن.
الرسالة احتوت على التاريخ المرضي النفسي بالنسبة لك، وأود أن أبدأ قبل كل شيء أن أبشرك - وأنا صادق تماما في ذلك - أن هذه الحالة من الحالات النفسية البسيطة جدا، أعرف أن الاكتئاب النفسي يسبب الكثير من الآلام النفسية الشديدة، ويشعر الإنسان بالسلبية، وينسيه كل إيجابياته والجماليات الموجودة في حياته.
أؤكد لك أن هنالك علاقة بين الاكتئاب النفسي والولادة لدى بعض النساء، ولكن هذه العلاقة ليس من الضروري أن تكون ثابتة في جميع الأوقات، أي ليس بالضروري أن يحدث الاكتئاب النفسي مع كل ولادة، هنالك 5 إلى 10% من النساء يصبن بشيء من عسر المزاج وتعكره، والقلق والتوتر بعد الولادة، ويكون هذا ملحوظا وبشدة، أما حالات القلق والاكتئاب البسيطة فهي شائعة جدا، حيث يتضح من الدراسات المتكررة أن 50 إلى 60% من النساء يصبن ما بين اليوم الثاني والخامس للولادة بشيء من القلق والحزن، وربما لا يكون ملاحظا، ولكن الدراسات أثبتته.
إذن هذه الظاهرة وهذا الأمر معروف ومعلوم جدا، هنالك الكثير من النظريات، هنالك من تحدث عن التغير الهرموني الذي يحدث بعد الولادة، وهنالك من تحدث عن القابلية والاستعداد الشخصي في هذه المرحلة العمرية، وهنالك نظريات أخرى كثيرة.
المهم في الأمر أن الظاهرة معروفة وهي ليست مستغربة، وأبشرك وأؤكد لك تماما أنها سوف تعالج، وتعالج تماما بفضل الله تعالى.
أولا: أعتقد أنه يجب أن تكون هنالك نوع من المصارحة والمفاتحة بينك وبين زوجك فيما يخص حالتك، فهذه الأمراض البسيطة لا تنقص الإنسان مطلقا، إنما التفهم والتعاون بين الأزواج هو المطلوب، وأنا على ثقة كاملة أن زوجك إذا وجد من يشرح له الحالة، وأنها حالة بسيطة، وأنها يمكن أن تعالج، فهذا سوف يجعله يتقبل الأمر، ولا أعتقد أن تفهمه للحالة سوف يكون مضرا بالزواج، بل على العكس تماما، إن تفهمه وقبوله لها سوف يقوي ويعضد من أسس الزواج، كما أنه سوف يكون معينا لك.
بالنسبة للمشاعر السلبية التي ذكرتها في نهاية رسالتك هي بالطبع جزء من الاكتئاب، وأول خطوة في علاج الاكتئاب هو أن نبني إرادة التحسن، أي يجب أن تكون لديك إرادة التحسن، وهذه الإرادة تقوم على التفكير الإيجابي، فأنت الحمد لله لديك الكثير من النعم والخيرات في حياتك يجب تذكرها بتمعن وتبصر، فهذا يجعل الإنسان يتناسى السلبيات ويتناسى الفكر الإحباطي والمزاج الاكتئابي.
إذن تذكري أن لديك أسرة وزوج وأطفال، وهذه كلها نعم عظيمة جدا لابد أن تفكري فيها بصورة إيجابية، فذلك يساعدك كثيرا، وقبل ذلك لابد للإنسان دائما أن يستعيذ بالله من هذه الأفكار السلبية، اطلبي من الله تعالى أن تستبدل هذه الأفكار بأفكار إيجابية، وأنا على ثقة كاملة أنك حريصة على أداء صلواتك وعباداتك وأذكارك ووردك القرآني بصورة يومية، فهذه - إن شاء الله - تؤدي إلى انشراح النفس، وتؤدي إلى إزالة الاكتئاب والإحباط، فكوني حريصة عليها.
وبالنسبة للعلاجات الدوائية، فأنا حقيقة لست من أنصار تناول الأدوية المنومة، وأعرف أن الاكتئاب يؤدي إلى اضطراب في النوم، ولكن لابد أن نلجأ لعلاج الاكتئاب عن طريق الإرشادات السلوكية السابقة، مع العلاجات الدوائية، والتي سوف أقوم بوصفها لك، ولكن لا تلجئي للأدوية المنومة، فهي تساعد في النوم، ولكن يعرف عنها أنها مثبطة، وأنها تؤدي إلى الاكتئاب أيضا، فهي مضرة من نواحي كثيرة، وإن يعتقد بعض الناس أنها تفيده.
من البدائل الجيدة هي أن يحسن الإنسان من صحته النفسية والنومية، وذلك بتجنب النوم في أثناء النهار، وبممارسة التمارين الرياضية، وعدم تناول أي مشروبات تحتوي على مادة الكافيين، مثل الشاي، والقهوة، والبيسبي، بعد الساعة السادسة مساء، بل استبداله بشرب الحليب قبل النوم، كذلك الحرص على أذكار النوم، فهذا كله يساعد كثيرا في تحسن النوم.
ويضاف إلى ذلك بالطبع الأدوية المضادة للاكتئاب، والبروزاك والسبراليكس دوائين يمتازان بالجودة والفعالية، ولكن الدواء الفعال والجيد، والذي يعتبر سليم في حالة الرضاعة هو الزيروكسات، وبصفة عامة نتحفظ حيال الأدوية في أثناء الحمل والرضاعة، ولكن الدواء إذا أخذ بجرعة معقولة، وليست بجرعة كبيرة، فلا ضرر منه -إن شاء الله- أبدا.
أنا لا أقول لك أن السبراليكس دواء خطير وممنوع في أثناء الرضاعة خاصة أنك تتناوليه بجرعة صغيرة (5 مليجرام)، ولكن الدراسات تؤكد أن الزيروكسات هو الأفضل، وربما يتضح في يوم من الأيام أن السبراليكس أيضا دواء لا يسبب أي ضرر في أثناء الرضاعة، حيث أن السبراليكس دخل الأسواق من ثلاث إلى أربع سنوات، ولا توجد لدينا التجارب الكاملة معه فيما يخص الرضاعة، ولكن الزيروكسات يوجد في الأسواق لفترة أكثر من عشر سنوات، وله أبحاث وتجارب كبيرة وكثيرة مدعمة لسلامته في أثناء الرضاعة.
وجرعة الزيروكسات هي نصف حبة ليلا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة إلى حبة واحدة وتستمري عليها، أرى في حالتك أنك محتاجة لهذا الدواء لمدة عام، وهذه ليست بالمدة الطويلة أبدا.. أنت لديك بعض الاستعداد للاكتئاب وللمخاوف والهرع، وأرى أن استمرارك على العلاج لمدة أطول نسبيا فيه الكثير من الوقاية والأمان بألا تنتابك هذه الحالة أبدا بإذن الله تعالى.
بالنسبة للدواء المنوم أرجو أن تتوقفي عن تناوله بالتدرج، وبعد أن تتناولي الزيروكسات لفترة أسبوعين أو ثلاثة سوف تجدي أن النوم ابتدأ يتحسن، خاصة إذا اتبعت الإرشادات التي ذكرتها لك مسبقا فيما يخص صحتك النومية.
أسأل الله العافية والشفاء، واطمئني وصدقيني أن هذه الأعراض سوف تزول، وحياتك ليست جحيما كما تظنين، بل كلها خير وبركة، ونحن في أيام طيبة فأكثري فيها من الدعاء واللجوء إلى الله تعالى فهو خير معين.
وبالله التوفيق.