ضرورة الجمع بين العلاج السلوكي والدوائي للرهاب الاجتماعي

0 387

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شرفني كثيرا تسجيلي في موقعكم الثري، وفتح لي آفاق الأمل في حل مشكلتي كما كان سببا في حل مشاكل الكثير من الناس، فجزاكم الله خير الجزاء.
أنا أعمل مهندسا، والحمد لله ناجح في عملي، ومعتد بنفسي، ولكنني أعامل الجميع باحترام فائق، وقد يكون هذا مع درجتي العلمية سببا في وضعي الاجتماعي الجيد.
مشكلتي تتلخص في الآتي:
1. رهبة شديدة وارتباك عند التحدث لجمع من الناس حتى ولو كانوا أقارب، ولو كانوا أصدقاء (ليسوا أكثر من ثلاثة) أبدأ حديثي جيدا، ولكن سرعان ما أرتبك بعد فترة قصيرة من بداية حديثي معهم.

2. لا أستطيع سرد موضوع بالكامل دون أن أرتبك أو أتلعثم حتى ولو كان المستمع شخصا واحدا لم يكن صديقي.

3. خجل شديد في المناسبات الخاصة، ورهبة من الظهور والمشاركة.

3. في الآونة الأخيرة بدأت أتلعثم في كلامي حتى في حالات لا أشعر فيها بالخوف والخجل، وأتفوه بكلمات أثناء حديثي في غير محلها، حتى راودني شعور بأنها مشكلة في النطق والتخاطب خصوصا، والتركيز في الكتابة ليس بجيد.

4. لدي إحساس عميق بأن كلامي ساذج، ويخلو من اللباقة، وأفكاري غير مرتبة رغم أنني مطلع ومثقف.

5. عندما أحاول الكلام تضيع الأفكار والمعلومات، وأحس بأنني خالي الذهن.

6. ينعكس إعياء الجماع مع زوجتي في صورة تلعثم في الكلام، وتزيد رهبتي في المواجهة.

رغم هذه الأعراض فمازلت متماسكا، ولا يجزم أحد من حولي بـأنني أعاني من وضع مرضي رغم معاناتي الداخلية في المشاركة الاجتماعية، والمعروف عني فقط ببساطة أنني خجول.

بعد دخولي موقعكم القيم قبل ثلاثة أيام، وقراءتي لبعض رسائل القراء، وردودكم الكريمة عليها، شعرت بقوة عزيمة وثبات تقريبا في كل المواقف التي مرت علي حتى الآن، ولو أنها (المواقف) كانت عادية، ولا تعتبر اختبارا حقيقيا، ولكنها في السابق كانت تشكل مشكلة بالنسبة لي.
أرجو إفادتكم النافعة، وهل العلاج السلوكي أفضل من الدوائي؛ لأنني أخشى أن تكون الآثار الجانبية للدواء أسوأ من حالتي الآنية.
حفظكم الله وسدد خطاكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمن الواضح أنك تعاني من الرهاب أو الهرع أو الفزع الاجتماعي، وهي ليست نوعا من الجبن أو ضعفا في الشخصية أو قلة في الإيمان، إنما حالة نفسية مكتسبة، وكما نقول يمكن للإنسان أن يكون مروضا للأسود، ولكنه يمكن أن يخاف من القطة، فهذه الحالة النفسية هي حالة القلق التي تعرف بقلق الرهاب أو العصاب الاجتماعي كما ذكرنا.
أنت بحمد الله تملك كل المؤهلات التي تجعلك تشفى من هذه الحالة؛ حيث أنك مؤهل من الناحية العلمية ولديك وظيفة محترمة، ومستقر اجتماعيا، ومن الواضح أن شخصيتك تحمل الكثير من عوامل الاستقرار، هذه في حد ذاتها يا أخي عوامل تعتبر مثبتة للنجاح ومشجعة عليها وعلى الشفاء بإذن الله تعالى.
والمطلوب هو العلاج السلوكي والعلاج الدوائي.
كل الأبحاث تدل بأن العلاج السلوكي الذي يكون معه العلاج الدوائي يؤدي إلى نتائج ممتازة وفعالة جدا، علما بأن العلاج السلوكي هو الآلية التي تضمن - إن شاء الله - عدم الانتكاسة والعلاج الدوائي لا يضمن عدم الانتكاسة، ولكن العلاج السلوكي يعتبر هاما جدا.
أنت لديك نوع من الحساسية الشديدة التي تجعلك تفرض الرقابة الشديدة والملاحظة الشديدة على أفعالك وتصرفاتك، وهذا هو الذي يؤدي إلى شعورك بالخوف والخجل، وهذا هو الذي يجعلك تصاب بنوع من التلعثم في وقت المعاشرة الزوجية، فحالتك فهي هذا الجانب المهم جدا، وهو أنك تفرض رقابة شديدة جدا على أدائك وعلى تصرفاتك وهذا ينتج عنه ما يعرف بقلق الأداء أو (قلق الرقابة الذاتية)، إذن قلل من هذا، كن عفويا بعض الشيء، ثق في مقدرتك، ثق في نفسك، قل لنفسك: لماذا أراقب نفسي لهذه الدرجة فأنا لا أحتاج لكل هذه الرقابة، فقد أنجزت الكثير ولدي الكثير من الإيجابيات... وهكذا.

أيضا بالنسبة للعلاج السلوكي أرجو أن تحقر هذه الأفكار تماما، وبعد ذلك عرض نفسك في الخيال لهذه المواقف الاجتماعية، تصور أنك تخاطب جمعا من الناس، تصور أنك تقود اجتماعا، تصور أنك لديك مناسبة يجتمع فيها الكثير من الأهل والأقارب وحتى الغرباء، أرجو أن تعيش هذا الخيال بعمق لمدة لا تقل عن عشرين دقيقة في اليوم، فهذا أمر مهم جدا.

هنالك بعض الإخوة الذين ننصحهم بأن يتصوروا ويتخيلوا أنفسهم في هذه المواقف الاجتماعية، ويقوموا بتسجيل أنفسهم على الفيديو إن أمكن، يتصور الإنسان نفسه أنه يخاطب جمعا من الناس ويبدأ في مخاطبتهم، سجل ما تقوم به خلال هذا التفكير ثم أعد النظر والمشاهدة والاستماع لهذا التسجيل، فصدقني أنك سوف تجد أن أداءك أفضل مما تتصور، واحدة من مشاكل الرهاب الاجتماعي أن صاحبه دائما يتصور أن أداءه أقل من المطلوب، أو أنه سوف يراقبه الآخرين أو أنه سوف يرتعش ويتلعثم أمامهم، فهذه النظرية ليست صحيحة، فالمؤكد هو أن أداء الإنسان في المواقف الاجتماعية أفضل مما يتصور.

الشيء الآخر هو التطبيق العملي، فأرجو ألا تتجنب أبدا المواقف الاجتماعية، صلي في الصف الأول في جماعة، وحين تكون جالسا في مجلس أصر على نفسك وابدأ في فتح بعض المواضيع وكن محاضرا ولا تكن مستمعا، فهذا يحسن كثيرا من أدائك ويزيل هذا الخوف.

هنالك آليات سلوكية غير مباشرة تعتبر علاجا نفسيا ممتازا وهي الرياضة الجماعية ككرة القدم مثلا، فالمهم أن تشارك أي مجموعة في أي نشاط رياضي جماعي، وقد وجد أيضا أن حضور حلقات التلاوة والمشاركة فيها يؤدي إلى زوال الخوف والفزع والهرع الاجتماعي؛ لأن الإنسان يتفاعل في هذه الحلقات، وبالتأكيد أن هذا التفاعل مع صفوة من الناس يعطي خطوة إيجابية علاجية مضافة، فاحرص على هذه الآليات.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، والعلاج الدوائي أيضا ممتاز، والأدوية الحديثة أدوية ممتازة وفعالة وسليمة جدا، يعتقد أن المخالطة الاجتماعية تنتج من بعض الاضطرابات البيولوجية البسيطة، حيث أن هنالك ما يعرف بالموصلات أو الناقلات العصبية ربما تقل لدى بعض الناس في حالات الخوف، ومن الأدوية الجميلة عقار يعرف باسم سبراليكس، وهو متوفر في السودان، وهذا الدواء يعتبر من الأدوية الفعالة والممتازة ولا يسبب أي آثار جانبية خطيرة وهو دواء سليم جدا، وجرعته هي 10 مليجرام ليلا وتعتبر جرعة البداية، تناولها بعد الأكل، ربما يزيد النوم لديك قليلا في الأيام الأولى.

علما بأنه ليس دواء منوما، ولكنه استرخائي، استمر على هذه الجرعة (10 مليجرام) لمدة شهر، ثم ارفعها إلى 20 مليجرام ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض إلى 10 مليجرام لمدة شهرين، ثم 5 مليجرام لمدة شهرين، ثم توقف عن هذا الدواء.

حين تتناول هذا الدواء وتطبق الإشادات السلوكية سوف تزول منك هذه المخاوف تماما، وأرى أن عوامل وأسباب الشفاء لديك كثيرة جدا بإذن الله تعالى.

أسأل الله لك العافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة.

وبالله التوفيق.


مواد ذات صلة

الاستشارات