السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم ونفع بكم، وأغاث بكم كل مستغيث.
الإخوة الفضلاء! لا أعرف كيف أطرح موضوعي، تعرفت عليه عبر التلفاز، كان مقدما لأحد البرامج التلفزيونية الدينية، وبحكم أني من متتبعي البرامج الدينية والدراسية أيضا للعلوم الشرعية، تابعت أكثر من حلقة من برنامجه، وأرسلت له أسئلة وتمت الإجابة، ثم تواصلت معه عبر الإنترنت، كنا نطرح أمورا دنيوية ودينية جمة، وأستفيد من رأيه، ويستفيد من رأيي في بعض الأمور الدنيوية والدينية أيضا، وهكذا، كنا نتواصل من حين لآخر لطرح بعض المواضيع والمناقشة.
واستمررنا حتى صار التواصل يوميا تقريبا، أبدى إعجابه بتفكيري، وطلب مني أن يعف نفسه بالزواج، لم يحدث هذا الأمر، لأن كلا منا يعيش في بلد بعيد جدا عن الآخر.
قال لي: سيأتي لبلدي ليعيش معي حتى يستقر الوضع في بلده ونعود جميعا، ولكني رفضت أن يترك بلده خصوصا الآن لأنه يقوم بأعمال خيرية كثيرة، وأهل بلده أولى به خصوصا في هذه الفترة.
استمر التواصل على نفس الدرب عبر الإنترنت، ونادرا نتبادل السؤال عن الحال والأحوال عبر الهاتف، ما زال متعلقا بي، واتفقنا أن نستمر معا نخدم ديننا وأمتنا بالقول الصالح والعمل الصالح، ولكني لا أخفيك سرا قلبي يريده، نعم الزوج، التزام وخلق ودين، ولكني أخفي ذلك، لا أعرف هل أنا مخطئة في التواصل؟
كلما تواصلت معه تجدني مندفعة إلى إسلامي أكثر، وأن أكون حفيدة الرسول قولا وفعلا في هذا العصر المكبل بالفتن، ولكني محتارة كيف أوازن بين مشاعري وبين هدفي في الحياة، أن أكون نعم المرأة المسلمة؟ هل الإسلام يمنع تدفق مثل هذه المشاعر إلى الآخر، ولو كانت مغطاة بالحياء والأدب الإسلامي؟
أريد أن أعرف كيف أتعامل مع هذا الرجل ولقاؤنا مستحيل في هذا الوقت؟ وأظن فراقه أيضا مستحيل، فكيف أتصرف؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ أم هداء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الإسلام دين يحترم هذه المشاعر ويقدر آثارها، ويبين أنها عزيزة لا تقل عن الطعام والشراب، وقد لا يملك الإنسان السيطرة عليها، ولكن الإسلام يحرص على وضع هذه الغريزة أو العاطفة في إطارها الصحيح، لتكون مودة ورحمة وطهرا وذرية وعمارة للأرض وتكثيرا لسواد الصالحين، ولست أدري لماذا لم توافقي على مجيئه إليك لتتويج تلك العلاقة برباط شرعي وميثاق غليظ؟
وتتجلى عظمة هذا الدين في أنه يضع تلك المشاعر في إطارها الصحيح، ويكتب للإنسان الأجر على ذلك، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: بلى. قال: كذلك إذا هو وضعها في الحلال كان له أجر).
ولا يوجد في الإسلام حب لا تكون خاتمته الزواج، وقد كان العرب في جاهليتهم يعتقدون أن الزواج مقبرة الحب، فجاء الإسلام وجعل الزواج الميدان الوحيد للحب الشرعي بين الرجل والمرأة، وما أجمل البيت المسلم الذي يتم فيه اللقاء على أساس من الحب والاتباع لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يحب كل من الشريكين لطاعته لله أولا، ثم يأتي بعد ذلك ما يقذفه الله في القلوب من ميل ومودة ورحمة.
ولا مانع من أن يسافر الرجل ليتزوجك وله أن يعود لمواصلة عمله، وأنت بعد ذلك زوجته، وأبواب التواصل بينكما مفتوحة، وأفضل من ذلك أن تسافري معه لتشاركيه في عمل الخير وأخير العمل، أو يعيش معكم ويعمل الخير فليس للدعوة وعمل الخير وطن، ولكنها رسالة المسلم حيثما وجد، فهو كالغيث أينما وجد نفع.
أما أن يظل كل منكما متعلقا بالآخر، فهذا لا يجلب لكما سوى المتاعب والهموم، وقد يؤثر على أداء كل منكما مع شريك الحياة فتصبح المرأة بجسدها فقط مع زوجها، ويصبح الرجل أيضا يعيش حياة صورة، وسوف يؤثر ذلك الفصام على الأداء الوظيفي والدعوى لكل منكما، والإنسان لا يأمن العواقب إذا فتح على نفسه أبواب العواطف العواصف.
والنجاح في أن تكون الأهداف والمشاعر تسير في اتجاه واحد، ويقصد بها صاحبها وجه الله تعالى، وهذه وصيتي لك بتقوى الله، ونسأل الله أن يقدر لك الخير وأن يجمع بينكما على الخير ومرحبا بك في موقعك.
وبالله التوفيق والسداد.