السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من فضلكم أريد أن أعرف علاجا فعالا لكل من العجب الشديد والكبر والجبن المقيد للإنسان عن الدعوة إلى الله أو الصدع بالحق في كثير من الأحيان؟
وجزاكم الله خيرا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من فضلكم أريد أن أعرف علاجا فعالا لكل من العجب الشديد والكبر والجبن المقيد للإنسان عن الدعوة إلى الله أو الصدع بالحق في كثير من الأحيان؟
وجزاكم الله خيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الفقيرة إلى الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه لا يوجد علاج لأمراض النفوس إلا في شريعة خالق النفوس، ومن هنا تتجلى عظمة هذه الشريعة التي تعالج أمراض القلوب التي لا يستطيع أطباء الأبدان وصف علاج لها، وقد أحسن من قال: إن الخطر الذي يهدد البشرية ليس شبح الجوع الذي يحصدها، ولا شح المياه الذي يحاصرها، ولا تلك الأسلحة الفتاكة التي تهلك الحرث والنسل، ولكن الخطر الذي يهدد البشرية هو نفوسنا الكامنة في جوانحنا؛ لأن النفوس إذا مرضت هيأت النفوس للخصام، وأضاعت فرص المحبة والوئام، وهيأت القنابل للانفجار، ولا عجب! فإن باطن الإثم هو الخطر الأعظم قال تعالى: (( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ))[الأنعام:120]، والله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسادنا ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، والنجاة عند الله لمن جاء بقلب سليم من الغل والحقد والحسد، والكبر والعجب وقبل ذلك من الشرك بالله.
وفي الإسلام علاج لأدواء النفوس، وذلك بالتوحيد الخالص والحب والوفاء ثم بأركان الإسلام التي تهذب المسلم وتجعله يحب الخير لإخوانه ويتواضع لهم ويمنحهم من أمواله ويبتسم في وجوههم.
وقد أسعدني حرصك على مراودة نفسك، وأبشرك بأن هذه هي أول وأهم الخطوات؛ لأن اتهام النفس والشعور بأنها مريضة يدفع صاحبها للبحث عن الشفاء، وليت من يتكبر فكر في أصل خلقه، فأوله نطفة قذرة وآخره جيفة نتنة، وهو بينهما يحمل العذرة، وقد قال بعض المتكبرين: ألا تعرفني؟ فقيل له كيف لا نعرفك فأنت الذي خرجت من مخرج البول مرتين! والمتكبر يشعر بعقدة النقص كما قال ابن حزم ولكنه يخفيها بتكبره وتعاليه، والمسلمة تبتعد عن التكبر لأنها تعلم أن النار مثوى المتكبرين، ولأنها تفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ) فخاف الكرام وقال قائلهم: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال صلى الله عليه وسلم :إن الله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر بطر الحق وغمط الناس.
فاجتهدي في التخلص من هذا الداء، واعلمي أن الإنسان يرتفع بتواضعه وينال المنزلة في قلوب الناس فيألف ويؤلف، وقد شبهوا المتكبر بإنسان ينظر للناس من ارتفاع شاهق فيراهم صغارا ويحتقرهم، ولكن الناس أيضا ينظرون إليه فيصيرونه فأرا حقيرا، للمتكبر علامات فهو ينظر للناس شذرا ولا يرضى أن يعلوا عليه أحد فهو لا يمد لهم يدا ولا يعطيهم وجها، والناس يبغضونه ويكرهونه وينفضوا من حوله، وقد جاء في كتاب ربنا: (( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ))[الإسراء:37].
والعجب سببه الكبر ولكن المتكبر يتكبر على الآخرين، والمعجب المغرور يعجب من نفسه، فربما نظر إلى وجهه في المرآة فأعجب به، فتجده كالمجنون يدور حول نفسه ويلمس أنفه ويفتح عينه ويغلقها وهو سبب للخسران، وقد انكسر جيش المسلمين يوم حنين حين أعجب بعضهم بكثرة العدد فقالوا: (لن نهزم اليوم من قلة) فحلت الهزيمة ولم ينفع لهم وجود النبي صلى الله عليه وسلم الطاهر بينهم وفي ذلك دليل على خطورة العجب على صعيد الأفراد أو الجماعات.
أما بالنسبة للجبن فقد تعوذ منه رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو دليل على نقص الإيمان وضعف العقيدة، والمؤمن يدرك أن أجله بيد الله، وأن رزقه من الله، وأنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله فهو لذلك لا يخاف في الله لومة لائم، فإذا شاهد قويا تذكر قوة الله، وإذا خاف على رزقه تذكر أن الرزاق هو الله، وإذا صح إيمان الإنسان أصبح خوفه من مالك الأكوان حتى قال الإمام أحمد: (لو صح قلبك لم تخف غير الله)، وقال أيضا: (من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن خاف غير الله أخافه الله من كل شيء).
وهذه وصيتي لك بتقوى الله، وأعلن لك عن سعادتي بهذا السؤال، ومرحبا بك في موقعك، واعلمي أن المؤمنة تغير المنكر بيدها إذا كان بمقدورها، ولا يترتب على التغيير منكر أكبر، وتغير بلسانها فإن عجزت غيرت المنكر بقلبها فهجرت أهل المنكر وأشهدت ربها على بغضه واجتهدت في أن تظهر عدم الرضى.
ونسأل الله أن يكتب لك التوفيق والسداد!.