وسواس العيون...نظرة نفسية وشرعية

0 530

السؤال

أنا مبتلى بالوسواس منذ نحو 12 سنة، وقد مر علي بألوانه وأنواعه الكثيرة حتى أصبحت متعبا جدا، فأحيانا أحس بأنني شفيت تماما، وأحيانا أوسوس من جديد، والنوع الذي لم أعتاد عليه هو ما أسميه أنا وسواس العيون، وهو أنني أخاف النظر في عيون الناس فتصبح عيوني ذات طبع حزين، فأحيانا أكون سعيدا ولكن عيوني حزينة، فتظهر تلك الابتسامة الغريبة مع العيون الحزينة فيهرب الناس مني، وقد يعادوني لأنهم يظنون أني لا أحب الحديث أو الكلام معهم!

هذا الشعور ينغص حياتي ويتعب جسمي، فأعطوني دواء لهذه الحالة؟! علما بأنني مداوم على الأدوية منذ عشر سنوات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هذا نوع من الوساوس التي فيها طابع المخاوف في نفس الوقت، والذي أعتقده أنك قد أعطيت الأمر أهمية مما جعله يكون شاغلا بالنسبة لك، وتصورك أن عيونك لا تفرح، أو أنها تصبح ذات طابع حزين لأنك تخاف النظر في عيون الناس، ولقد أثبتت التجارب والأبحاث العلمية أن كل مشاعر الخوف والرهاب التي تأتي إلى الناس فيها نوع من المبالغة أو التضخيم أو التجسيم من الشخص الذي يعاني من مثل هذه العلة.

أرجو أن تقتنع تماما بأن ما تتصوره من أعراض وما تتصوره من أن الناس يظنون أنك لا تحب الكلام معهم فيه مبالغة في المشاعر، وأنا أعرف بأن الأمر مزعج تماما بالنسبة لك، ولكننا حين نعتمد على التجارب التي أجريت عن طريق تصوير الفيديو والمراقبة الدقيقة يتضح لنا أن هذه المشاعر - كما ذكرت لك - تتضخم وتتجسم في كيان الإنسان الوجداني الداخلي مما تمثل له شاغلا كبيرا.

الذي أرجوه - أولا - أن تثق في نفسك وفي مقدراتك.

ثانيا: أن تتأكد أن الناس لا تراقبك بالصورة التي تعتقدها، وأرجو أن لا تكون حساسا.

ثالثا: عليك أن لا تعرض نفسك لمواقف الخوف والوساوس هذه، وأرجو أن تبدأ بأن تقرأ عن تكوين العين، فاقرأ عن العين ومكوناتها، وكيف أن نعمة البصر هي من أعظم النعم التي حبانا الله، ثم بعد ذلك يمكنك أن تقوم برسم العين، وتأمل في هذه الخلقة البديعة.

لقد تستغرب لما أقوله لك! ولكنه يقوم على أساس علم النفس السلوكي، وهو أن نهيئ الإنسان ليرتبط بصفة تدريجية لما يعتقد أنه مصادر خوفه ووساوسه، فأنا فهمت تماما ما تقصده، وبعد ذلك أرجو أن تغير من طريقة التفكير بأن الفكرة في حد ذاتها هي فكرة سخيفة وإن كانت تفرض نفسها عليك، فقل لنفسك: لماذا أفكر في مثل هذا؟! هذه فكرة سخيفة، فسوف أنظر إلى الناس وبشدة وقوة في وجوههم، وأحييهم لأن في ذلك أجرا عظيما لي، كما أنه سوف يجعلني مقبولا لدى الآخرين، فقم بهذه المخاطبات مع نفسك وصدقني أن ذلك سوف يفيدك كثيرا.

أما بالنسبة للأمور السلوكية الأخرى - والتي أراها مكملة لذلك - هو أن تحيي الناس بقوة، وأن تكون لديك بعض المواضيع التي تريد أن تطرحها وتحاور بها الآخرين، فهذا أيضا إن شاء الله يفتح لك نوعا من القابلية فيما يخص التواصل، وسوف تجد إن شاء الله أن هذه الحجب والحواجز النفسية أصبحت أضعف حتى تذوب وتتلاشى تماما.

كما سيكون أيضا من الجميل لك التواصل غير المباشر، مثل ممارسة الرياضة الجماعية مثل كرة القدم، والمشاركة في حلقات التلاوة، وسوف تجد هنالك وجوها وعيونا نيرة إن شاء الله في هذه الحلقات، ولن تجد أبدا مطلقا أي نوع من الصعوبة في النظر إليها بكل أخوة ومحبة.

أما عن العلاج الدوائي فأنا لا أعرف نوعية الأدوية التي تتناولها الآن، ولكن عقار مثل زيروكسات سوف يكون مناسبا لك للمساعدة في إزالة هذه العلة ما دمت أنك سوف تطبق الإرشادات السلوكية السابقة.

دواء زيروكسات يبدأ بجرعة 10 مليجرامات نصف حبة، فأرجو أن تتناوله لمدة عشرة أيام، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة، وهذه في نظري سوف تكون كافية جدا في حالتك، واستمر على الحبة كاملة ليلا بعد الأكل لمدة أربعة أشهر بصفة يومية، ومن الضروري جدا المداومة والتواصل على العلاج، وبعد انقضاء الأربعة أشهر خفف الجرعة إلى نصف حبة ليلا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول هذا الدواء.

أرجو من الله تعالى أن يجعل لك الشفاء، وأرجو أن تطمئن، وأنا على ثقة كاملة بإذن الله تعالى أن الذي بك سوف يزول.

وبالله التوفيق.
=====

انتهت إجابة المستشار النفسي الدكتور محمد عبد العليم، ونظرا لإتمام الفائدة تم تحويلها للمستشار الشرعي الشيخ أحمد مجيد الهنداوي فأجاب قائلا:

إنك افتتحت كلامك بهذه العبارة: أنا مبتلى بالوساوس! والسؤال: ألست تعلم أنها وسواس، وأنها خطرات من الشيطان لا معنى لها.

إذن؛ فلا بد أن تواجه هذه الوساوس بما يدفعها، وألا تستلم لها، وأن تمحو من نفسك فكرة أنك مقهور لهذه الوساوس، فاطرد من خيالك هذا الاسم (الوساوس القهرية) لتستبدله بالوسواس الذي يمكن دفعه إن شاء الله تعالى.

إذن؛ فأنت قادر على دفع هذه الوساوس وعلى الخروج منها، وتأمل في مصدر هذه الوساوس فستجده من جهتين اثنتين، الأول: الشيطان، والثاني: النفس الأمارة بالسوء...فكيف تنتصر عليهما؟

الجواب: بالاستعاذة بالله أولا والالتجاء إليه؛ قال تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)[فصلت:36]، وقال تعالى: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس* إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس* من الجنة والناس) [الناس:1-6]، إذن فأول ما تقوم به عند شعورك بالوسوسة هو الاستعاذة بالله والاعتصام به، فهذه الخطوة الأولى.

الخطوة الثانية: قطع الاسترسال في هذه الوساوس، فإذا شعرت بورودها على قلبك فادفعها وتشاغل عنها بذكر الله تعالى وبدعائه وبإشغال نفسك بأي أمر نافع.

الخطوة الثالثة: النظر إلى حقارة معنى هذه الوساوس، فكيف ستخاطب نفسك مثلا: كيف أخاف من النظر في عيون الناس، ألست شابا مؤمنا واثقا بالله تعالى، فبماذا ستؤذيني عيون الناس التي هي في الأصل نعمة من الله تعالى وهبها لعباده، إذن فالفكرة نفسها لا تستحق أن تعتبر وأن تكون محلا للتقدير، فبهذا تهون على نفسك وتدفعها عن قلبك.

الخطوة الرابعة: الحرص على المخالطة الاجتماعية وعدم الانعزال عن الناس، ولكن أيضا لابد من انتقاء هذه المخالطة بحيث تكون مع الصحبة الصالحة التي تعينك على طاعة الله والتي ترتاح إليها وتجد نفسك بينها.

الخطوة الخامسة: أن تقتطع تماما من نفسك أنك محل أنظار الناس ومحل تقييمهم، فاطرد عنك هذه الأفكار، وتصرف بصورة طبيعية دون أن تجعل في ذهنك أن الناس الآن يقيمون تصرفاتك أو ينظرون إليك محدقين بك.

الخطوة السادسة: أن تعمل على تقوية صلتك بالله تعالى لاسيما في المحافظة على الصلوات المفروضة في الجماعة في المسجد، مع مراعاة حدود الله تعالى، فهذا سيعطيك الثقة في نفسك ويشد من عزيمتك، مع ما في ذلك من المقصد الأعظم وهو رضا الله تعالى.

الخطوة السابعة: الترفيه عن نفسك بممارسة الرياضة الخفيفة كرياضة المشي، وحبذا أن يكون ذلك مع صحبة صالحة تذكرك بالله وتدخل المسرة على نفسك.

الخطوة الثامنة: الأخذ بمضادة هذه الوساوس على تنوعها وعدم الاستجابة لها، فإذا شعرت بدافع يدفعك من جهة هذه الوساوس فلا تلتفت إليه، وعود نفسك على عدم الاستجابة له، فاحرص على هذه الخطوات وستجد بإذن الله تعالى فيها العافية والشفاء، ونسأل الله لك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات