السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
كيف يمكن التوفيق بين قوله تعالى:(( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ))[المجادلة:22]، وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها: (صلي أمك).
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Jamila حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن النصوص الشرعية تفهم بعد وضعها مع بعضها، وعدم الاهتمام بهذه الناحية هو سبب انحراف كل الفرق الضالة على مدار تاريخنا الإسلامي، كما ينبغي أن تفهم الآية في سياقها ولحاقها، وفي ضوء سنة النبي صلى الله عليه وسلم المبينة؛ فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم أوتي القرآن ومثله معه.
ومرحبا بك في موقعك، وشكرا على هذا السؤال الذي يدل على حرص ورغبة في الخير، ونسأل الله أن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح.
ولا أنسى ذلك اليوم الذي جئت فيه بمجموعة من الأحاديث التي تمنع المدح، لشيخنا محمد علي الطريفي رحمة الله عليه، فنظر فيها ثم طلب مني أن أعود إليه في الغد، فجاء وقد أعد مجموعة أخرى من الأحاديث والآثار تبيح المدح للإنسان، أو فيها مدح لأخيار، ثم قال لي: إن الضابط في هذه المسألة هو أمن الفتنة على الممدوح، مع عدم المبالغة في ذلك، والخوف من مدح الإنسان بما ليس فيه.
وإذا أردنا أن نطبق هذا المنهج على السؤال أعلاه؛ فإننا نقول بحول الله وقوته: قال تعالى: (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين ... ))[الممتحنة:8-9]، ويقول سبحانه: (( لا تجد قوما .... ))[المجادلة:22]، ويقول سبحانه في حق الوالدين: (( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ))[لقمان:15]، رغم أمرهما بالإشراك.
ولا شك أن النصوص الواردة كثيرة، ولكن الخلاصة هو ضرورة أن نعرف أن هناك فرقا بين الكافر المشرك، والكافر الذمي، وبين المسالم والمحارب، والمعاهد والمستأمن، كما أن هناك فرقا في التعامل بين من يرجى إسلامه وغيره، وهناك فرق في التعامل بين دار الحرب ودار الإسلام، وقد يؤمر الإنسان أن يضطر بعض الكافرين إلى أضيق الطريق، وقد لا يبدأ بالسلام، وقد يفعل كما قال الأوزاعي: إن تسلم فقد سلم الصالحون، وإن يترك فقد ترك الصالحون، وقد نعطي للكافر الأموال رجاء إسلامه.
ولا ننسى أن نذكر بأن هذه الآيات نزلت بشأن أسماء رضي الله عنها، وقصتها معروفة في كتب التفسير، والقصد أن بر أسماء بأمها أو خالتها غير داخل في ولاية الكافرين المنهي عنه في الآيات المتقدمة، حيث إن الحقوق على المكلف قسمان: حق للخالق، وحق للمخلوق، فالواجب إعطاء كل ذي حق حقه، وجنس الإحسان مشروع لعموم العالمين، فكيف بالقرابة الأقربين؟
وإنما نهي عن محبة ماهم عليه من الكفر ومتابعتهم عليه، ويدخل فيه كل عمل يشعر بموافقتهم ورضاه عن باطلهم، كحضور أعيادهم والمشاركة فيها مثلا، وأما الإحسان إلى جنس الآدمي فهو مطلوب، وفي كل كبد رطبة أجر، ويضاف عليه مزيد من البر والإحسان للوالدين أو القرابة كل بحسب درجته، ما دام هذا البر لا يشجع على باطل أو يحض عليه.
وأرجو أن أكون قد أوضحت لك معالم هذه الشريعة العظيمة التي شرفنا الله بها، وقد وضع العلماء الفضلاء سلفا وخلفا القواعد العظيمة للفهم والضوابط الراسخة للتقديم والتأخير والترجيح.
ونسأل الله أن يفقهك في الدين، وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين، وأرجو أن ترددي بلسان أهل الإيمان: وقل رب زدني علما.
وبالله التوفيق!