السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني من اكتئاب شديد ينتابني بين الفينة والأخرى، أنا متزوجة ولدي ولدان وأكمل دراستي العليا، أحسست ذات يوم بأني غير قادرة على إكمال تعليمي وأني لا أستطيع أن أمسك الكتاب، لا أعرف ماذا حصل لي؟ أحسست بخوف وحزن وهم وضيق في صدري! فكنت أعاني من هذا منذ سنتين وتوجهت إلى الطبيب النفسي وقال لي إني أعاني من قلق واكتئاب، فوصف لي بروزاك لمدة سنة فتحسنت عليه وأنا الآن لا آخذه فهل أرجع له أم لا؟
أريد أعرف ما الذي حصل لي؟ فانا دائما حزينة لبعدي عن أهلي فأنا أعيش بفلسطين حيث الأوضاع السيئة، فأنا أصبحت أكره هذه البلد وأتمنى أن نسافر منها، أما بالنسبة لشخصيتي فأنا عصبية جدا، وبالذات على أولادي! أرجوكم ساعدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا شك أن الاكتئاب النفسي من الأمراض المنتشرة، وقد يكون هنالك أسباب له أو قد لا تكون، وحقيقة الذي أرجوه منك أن تحاولي أن تغيري من طريقة التفكير، لأني أستشف من رسالتك أن تفكيرك فيه الكثير من السلبية، وأنت لا تلامين على ذلك ولكن حقيقة هذا الاكتئاب هو الذي يضع الإنسان في مثل هذه المواقف، فمهما كانت الصعوبات في فلسطين فأنتم الحمد لله هنالك تقومون بواجب كبير نحو الدين والوطن وأنفسكم، وهذا في حد ذاته يجب أن يضع شيئا من الأمل والتفكير الإيجابي في داخل الإنسان، ونحن نقدر تماما ما أنتم فيه، وندعو الله أن يفرج كربكم وهمومكم، وأن يحرر أرضنا التي هي أرضكم إن شاء الله، ونسأل الله أن يكون قريبا بإذنه تعالى.
أيضا أنت لديك أسرة؛ فلديك أولاد ولديك زوج، وهذا شيء أيضا يجب أن يبعث على التفكير الإيجابي.
بالنسبة للعصبية التي لديك والتي ربما تكون منذ نشأتها الأولى وتكوينها من فترة فهذا بالطبع جعلك أيضا تحسين بهذا الاكتئاب وهذه السلبية في الخوف، فكما ذكرت لك التفكير الإيجابي ضروري، وأنت بحمد الله تكملين دراسات عليا، ولديك أشياء عظيمة في حياتك، إذن مهما كانت هذه السلبيات وهذه الصعوبات أرجو دائما أن تتذكري هذه الإيجابيات التي لديك وأيضا بالتزامك للواجبات الشرعية كعباداتك وصلواتك وقراءة كتاب الله تعالى، وأنت كذلك، فهذا كله إن شاء الله يطمئنك ويزيل الهم والحزن والغم عنك إن شاء الله.
العلاج الدوائي بالطبع أنا أؤيده جدا في حالتك، أؤيده جدا، لأني أعرف أن الأدوية المضادة للاكتئاب تساعد كثيرا، خاصة إذا كان الإنسان محاطا بضغوط أو محاط بظروف سلبية أو ظروف حياتية غير مواتية، وأنت بحمد الله لديك تجربة حقيقية مع البروزاك، فأرجو أن تطمئني أن هذا الدواء (البروزاك) هو دواء جيد وسليم ويمكن أن يؤخذ لمدة طويلة، لا مانع لذلك أبدا، فهو قليل الآثار السلبية ولا يؤثر سلبا على الأعضاء الجسدية الرئيسية، وجرعته هي كبسولة واحدة في اليوم ويمكن أن تكون حتى كبسولتين أو ثلاثة، ولكن من الواضح أن حالتك سوف تستجيب من كبسولة واحدة في اليوم، وعليه أرجو أن تتناولي هذا الدواء بمعدل كبسولة واحدة في اليوم، وبعد شهر إذا لم تحسي بتحسن حقيقي أرجو أن ترفعي الجرعة إلى كبسولتين.
استمري على الجرعة العلاجية إذا كانت كبسولة أو كبسولتين لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك يمكن أن تخفضي الجرعة، فإذا كانت الجرعة الكافية بالنسبة لك هي كبسولة واحدة يمكن أن تخفض إلى كبسولة يوما بعد يوم، واستمري عليها.
أقول لك: حتى لو استمريت عليها لسنوات فلا يوجد أي مانع في ذلك، أما إذا كانت كبسولتين فبعد التحسن وانقضاء الستة أشهر خفضي الجرعة إلى كبسولة لمدة شهرين، ثم بعد ذلك اجعليها كبسولة يوما بعد يوم، واستمري عليها بنفس الطريقة التي ذكرتها لك سابقا.
أرجو ألا تحزني لبعدك عن أهلك، أنت أيضا مع أهلك الآن مع زوجك وأولادك، وأنت في أرض النبوات؛ كيف تكرهين هذه الأرض، أرجو أن لا تكرهيها أبدا، والتواصل مع الأهل ليس بالصعب فهنالك الآن وسائل الاتصال كثيرة، فأرجو أن تحسي بالإحساس العميق الداخلي بأنك تقومين بعمل مفيد وهي الحياة الزوجية الطيبة، وأرجو أن تتواصلي مع أهلك بما هو متاح، وأرجو ألا تكرهي فلسطين، ففلسطين يجب ألا تكره بل العكس يجب أن تعيش في أعماقك وأعماقنا جميعا ويجب أن نعرف أنها أرض النبوات وهي الأرض المقدسة، وأنت على علم بذلك ولكن أرجو أن تستشعري ذلك بصورة أقوى من الناحية الوجدانية!
إن شاء الله بتغيير خارطة التفكير لديك بأن تجعليها أكثر إيجابية وأن تتناولي الدواء إن شاء الله ستتحسن أحوالك جدا.. أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق.
وبالله التوفيق
---------------------------------------------------
وقد أجاب المستشار الشيخ/ أحمد هنداوي عن استشارة مماثلة لاستشارتك، ونقتبس لك بعضا منها لما فيها من فائدة عظيمة:
إن الحالة التي أنت فيها هي حالة قلق مع كآبة، بل إن سبب هذه الكآبة هو هذا القلق، فالحزن والهم ما هما إلا نتيجة لهذا القلق الذي صار ينغص عليك حياتك ويجعلك كالتائهة الضائعة، التي لا تجد من يؤويها أو يستمع إليها.. ومع هذا فالحل بحمد الله تعالى بين يديك وأمام ناظريك، فاحرصي على العمل بأسباب هذا الحل، وخذي بهذه الوصايا، وستجدين فيها الخير أمامك بكرم الله تعالى ورحمته.
الخطوة الأولى: هي الفزع إلى الله تعالى واللجوء إليه، بل والاضطرار لرحمته، فلابد أن يكون لك استغاثة بربك ومولاك كاستغاثة الغريق الذي يعلم أن لا نجاة له إلا بربه، فاهتفي بربك وناديه مستغيثة: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، وادعيه بدعاء العبد الصالح الصابر أيوب عليه الصلاة والسلام: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) [الأنبياء:83]، فبحسن لجوئك إلى الله تعالى تجدين النصر والمعونة والتوفيق والتسديد والفرج القريب.
الخطوة الثانية: هي بذل الوسع في إصلاح الحال مع الله تعالى، فلابد من التقرب إلى الله تعالى بحسن طاعته، فالدعاء خطوة وبذل الوسع في طاعة الله خطوة أخرى. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)، أي احفظ حدود الله وقم بطاعته يجازيك الله بحفظه ورعايته وإقباله عليك.
وبهذه الخطوة ستجدين أن فقدان الأمل ليس خطأ فقط بل هو ذنب من الذنوب، فالمؤمن لا ييأس من روح رحمة الله، ولا يقنط من روح الله، وكيف ييأس من رحمته وهو يقول تبارك وتعالى: (إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون) [يوسف:87]، وقال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء) [الأعراف:156] فرحمته ستشملك بإذنه تعالى فأبشري وأملي برحمته الواسعة.
والخطوة الثالثة: عدم الاستسلام لهذا الوضع، بل قابليه بالعمل، وواجهيه بالحرص على كل ما ينفعك، وهذه هي وصية نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم في صحيحه.
ابذلي جهدك في الأعمال النافعة التي يمكنك القيام بها، فإن كان بإمكانك تحصيل العلم النافع فافعلي، وكذلك إن كنت قادرة على المشاركة في عمل نافع تفيدين به وتستفيدين أيضا، كالمشاركة في التعليم سواء كان ذلك في التعليم في المدارس، أو في حلقات لتعليم كتاب الله تعالى، ومن هذا المعنى تعلم الحرف المنزلية النافعة، كالخياطة وتدبير شئون المنزل.
المطلوب هو (العمل على تحصيل خيري الدنيا والآخرة)، وبذلك تجدين أنك مثمرة صاحبة نفع وعطاء، وليس كما تشعرين في هذا الحين.
الخطوة الرابعة: هي المشاركة مع أهلك والمعاملة الطبيعية المألوفة معهم، حتى توجدي محيطا اجتماعيا يريحك نفسيا، فما المانع من بذل الجهد في كسب قلب من حولك من أهل، مع بذل الجهد في المحافظة على صديقاتك، فالمطلوب هو المحاولة وبذل الجهد، وستجدين الخير بإذن الله تعالى.
هذه وصايا إن قمت بها أفلحت بإذن الله تعالى، ونود أن تعيدي الكتابة إلينا بعد شهر من اتباع هذه الأمور لنتابع حالتك، ولو تكرمت بالإشارة إلى رقم الاستشارة في كتابتك القادمة بإذن الله تعالى، والله يوفقك ويرشدك ويهديك سواء السبيل.
وبالله التوفيق.