السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما قولكم في شاب أثقلته المعاصي، فصار يحمل منها كحمل الجبال، كان غافلا ثم اهتدى، وظن أنه على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ثم ضل وعصى وتمنى أنه لم يتب قبل ذلك؛ لأن المعاصي كانت أكبر، ثم تتالت عليه حالات من التوبة والفجور، وكلما تاب ظن أنه لن يعود إلى ما كان عليه، فكان لسان حاله يقول: كيف يرجع للنار من دخل جنة الهداية؟ ثم يعود مرة أخرى إلى نار المعصية، حتى قسى قلبه، وظن أن هدايته السابقة قد شابها النفاق؛ فكانت سببا لكثرة زلاته وانتكاساته.
وفي الفترة الأخيرة ومن شدة قساوة القلب واجهته صعوبة في العودة، واجتمعت عليه مشاكل الشباب كلها، ومشاكل الدنيا من فتنها وشهواتها، مما زاد عليه نوعا من الابتلاء، وهو صعوبات في الدراسة الجامعية.
أكتب لكم هذا وأنا في حالة من انقباض الصدر والخوف من أن تقبض روحي وأنا على هذا الحال، أو أن يطيش عقلي وأرتكب المزيد من الحماقات، أو أن يموت قلبي - إن كان لي قلب - فأنغمس أكثر وأكثر في المحرمات، أو تمر السنوات ولا أستيقظ إلا وقد أضعت شبابي الذي أوصى نبينا عليه الصلاة والسلام باغتنامه.
وجزاكم الله خيرا على جهودكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يشرح صدرك للإيمان، وأن ينور حياتك بالقرآن، وأن يغفر لك، وأن يتوب عليك.
وبخصوص ما ورد في رسالتك: فكم أنا حزين فعلا لهذه النظرة السوداوية التي أصبحت تنظر بها إلى أمورك وعلاقتك مع الله تعالى.
إن هذه النظرة وحدها كفيلة بأن تصرفك عن كل خير، وأن تدفع بك إلى طريق الغواية والضلال؛ لأنها نظرة ملؤها اليأس والقنوط. وهذا من أهم أسلحة الشيطان التي يستخدمها ضد التائبين الراغبين في العودة إلى الرحمن الرحيم، ولذلك اسمح لي أن أقول لك أخي عبد الله! ما يلي:
1-لا يخفى عليك أن الحق جل وعلا في علاه أخبرنا بقوله: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))[الرعد:11]. فلابد من أن تأخذ قرارا جازما - والآن فورا - في تغيير واقعك الأليم الذي تعيشه. خذ قرار اعتزال المنكرات، واعلم أنك قادر على ذلك؛ لأن أهم أركان التوبة هجر المعاصي. فخذ قرارك الآن، وقل وأنت تقرأ هذه السطور: أنا تائب وراجع إلى الله، أنا واثق من أن الله يحبني ويفرح بعودتي إليه، وهو الغني عني. انطق يا عبد الله! بهاتين العبارتين وبصوت مرتفع ومن أعماق قلبك، وكررها عدة مرات، حتى تطفئ جذوة الشيطان والشهوة في نفسك.
2- اعلم أن الله معك ولم ولن يتخلى عنك، لأنه هو الذي أخبرنا عن نفسه: (ما تقرب العبد إلي شبرا إلا تقربت إليه ذراعا) ... إلى أن قال: (ولئن أتاني يمشي أتيته هرولة). فانظر إلى عظيم عفو الله ورحمته.
أخي عبد الله! إن الله يسرع إليك وهو الغني عنك؛ لأنه يحبك، ولأنك من أمة حبيبه صلى الله عليه وسلم، وفي قلبك أعظم كلمة، ألا وهي كلمة التوحيد، ومفتاح الجنة: لا إله إلا الله. فثق وتأكد من أن الله لا يضيع أهله، ولا يسلمهم لعدوه وعدوهم أبدا. فاستشعر معية الله ونصره وتوفيقه ومدده وتأييده، وأنه معك.
3- إنك بحاجة إلى اتخاذ قرار آخر مهم جدا، وهو ضرورة تغيير الواقع والبيئة؛ لأن هذا التغيير من أهم عوامل النجاح في التوبة. ولا يخفى عليك قصة هذا التائب الذي قتل مائة نفس، وكيف أن العالم أمره بتغيير البيئة، وإذا لم تتمكن من تغيير البيئة فلا أقل من قطع علاقاتك المشبوهة والمحفزة على المعاصي لأي جهة تساعدك على معصية الله أيا كانت. وخذ هذا القرار من الآن وقل: يا رب! قطعت كل العلاقات المحرمة التي لا ترضيك. وهذا أهم خطوة عملية في طريق التوبة النصوح. فتوكل على الله، واهجر هذه البيئة، واقطع علاقتك بجميع الجهات التي تزين لك الوقوع في المعاصي يا عبد الله! وفورا قرر ثم نفذ، حتى ولو اضطررت أن تترك الحي الذي هم فيه، أو الشارع الذي يذكرك بهم. فاترك الآن ولا تتردد، وثق بأن الله معك.
4- حاول البحث عن صحبة صالحة تعينك على طاعة الله، وتقضي معها معظم أوقات فراغك، أو على الأقل الأوقات التي كنت تقضيها في الباطل.
5- ضع لنفسك برنامجا علميا بجوار الدراسة تطور من خلاله علاقتك مع الله، وتقف على عقاب الله للعاصين، وكيف نكل بهم، وهو الجبار جل جلاله.
6- كم أتمنى أن تبدأ مشروعا لحفظ القرآن الكريم ولو بمعدل آية واحدة يوميا، ولا مانع من حفظ حديث قصير إذا كانت ظروفك تسمح بذلك.
7- أكثر من التوبة والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
8- احرص على جميع أعمال البر التي كنت تمارسها، وعد إليها وخاصة صلاة الجماعة.
9- اطلب من والديك أو بعض الصالحين الدعاء لك بالهداية والاستقامة على الدين، وأهم شيء دعاؤك لنفسك مع الأذكار السابقة.
11- أنا واثق من أنك إذا التزمت بهذه الخطة فسوف ترى تغييرا سريعا في أمورك، وسوف تتخلص من جو المعصية الكئيب، وتدخل بيئة الإيمان والصلاح والتقوى، وتتذوق حلاوة الإيمان. وأهم شيء هو الالتزام بالخطة وتطبيقها في أسرع وقت، وعما قريب سترى نتائج مذهلة.
وبالله التوفيق.