التوتر والاضطراب أثناء التعامل مع الآخرين

0 402

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-

أنا شاب عندي وظيفة محترمة - والحمد لله - ولا أعاني من أي مشاكل في الأسرة أو العمل، الكل يعاملني بحب واحترام، غير أن هناك مشكلة تكاد تؤرقني، ولم أستطع التخلص منها، وهي أنني أخجل وأصاب بحرج من أي انتقاد أو عتاب أو حتى مزحة من أي شخص، حتى لو كان أقل مني سنا وعلما، وذلك بأن تتغير تعابير الوجه وأضطرب، ولا أستطيع أن أرد؛ مما ينعكس على حالتي النفسية.

علما أنني أعاني من اضطرابات القولون العصبي باستمرار، أنا من النوع الذي أكره المواجهة أو الدخول في صراعات مع أي أحد؛ مما يجعلني أتنازل عن بعض حقوقي، وعادة أفضل الصمت في المجالس، ولا أحب أن تطول الزيارة عندما أكون مع أحد وحدنا أو في مكالمة تلفونية لا أستطيع أن أسترسل بالحديث، وأحس بضرورة إنهاء الموقف أو المكالمة، وأصاب باضطراب وتوتر عندما تشد الأنظار نحوي.

أحس أنني لا أجيد استعمال تعابير وجهي بحسب المواقف (الغضب، الشدة، المزح،....).

حاولت التخلص من هذه المشكلة بقراءة مواضيع وكتب الصحة النفسية، وتطوير الذات، والتخلص من الخجل، وتقوية الشخصية لكن لا أحس بأي تحسن، أحس بأن هناك حدودا لعلاقاتي الاجتماعية؛ لذا أرجوكم رجاء خاصا المساعدة!

أريد تشخيص وعلاج حالتي؛ حيث إني أحس أن مشكلتي تتطور أكثر، وذلك مع زيادة المواقف المحرجة، فهل أذهب لدكتور نفساني؟

أرجو النصيحة وجزاكم الله ألف ألف خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يحيى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتصور أن الأمر أبسط مما تتصوره، وأتفق معك أن قراءة الكتب في المجالات المختلفة، وفيما يخص الصحة النفسية، وتطوير الذات ربما لا تكون مفيدة بالدرجة التي ينشدها الإنسان؛ لأن المهم جدا هو التطبيق، وأنت بكل بساطة لديك حساسية في شخصيتك، وهذه الحساسية المفروضة والزائدة جعلتك تبني هذه الحواجز النفسية بينك وبين الآخرين، كما أنك أصبحت شديدا ولصيق الرقابة على ذاتك وعلى نفسك؛ مما ولد لك هذا القلق، وأصبحت تجسد وتكبر لدرجة كبيرة مشاعرك النفسية مما جعلك تشعر بهذا الخجل وشيء من الرهاب، ولديك أيضا نوع من نقص في تقديرك لذاتك، فأنت لا تقدر ذاتك بالصورة المفروضة والمطلوبة، وهذه تعرف عن الشخصيات الحساسة.

أرى أن العلاج في هذه الأمور كلها بالتدرج، فأولا إذا لم تكن لك مقدرات في شخصيتك ومستواك المعرفي وقبولك الاجتماعي – كما ذكرت لك – لن تستطيع أن تصل لهذا المؤهل الدراسي الذي حصلت عليه، فأنت رجل مهندس وهذا من فضل الله عليك أولا، ثم بالطبع مقدراتك هي التي أهلتك لذلك، فبناء على هذا أرجو أن تنطلق من هذه النقطة.

ثانيا: لا تكن مثاليا، وتحتم على نفسك أنك يجب أن تؤدي أي شيء بالصورة المثالية خاصة في علاقاتك مع الناس.

ثالثا: أرجو أن تقول لنفسك أنك لن تفرض هذه الرقابة على ذاتك، فأنت تفرض رقابة لصيقة جدا على مشاعرك وعلى تصرفاتك، فقل لنفسك: لن أفرض هذه الرقابة بعد اليوم، أعتقد هذه أمور يجب أن تعيشها بصورة مستمرة، وحين تكون في موقف تعتقد أنك مصاب فيه بهذه الاضطراب تذكر مباشرة أن تصورك ليس دقيقا وليس صحيحا بالكلية.

أنا لا أنكر أن هذه المشاعر موجودة في داخلك، ومع هذا صدقني أن الآخرين لا يراقبونك ولا يضخمون أو يجسمون ما يصدر عنك من تصرفات بالصورة التي تتلقاها أنت، فهذا أمر يجب تعلمه وضروري جدا معرفته.

وبما أنك تعاني من القولون العصبي فهذا أيضا يعكس أيضا الجانب القلقي لديك؛ لأن القولون العصبي أصلا هو ناشئ من العصاب أي من القلق، وخطوط العلاج الأخرى هي بالطبع: اللجوء إلى التواصل غير المباشر، فنحن دائما نذكر أن ممارسة الرياضة الاجتماعية مفيدة جدا لأنها فيها الجانب الإرادي واللاإرادي التلقائي وغير التلقائي، وهذا بالطبع يعضد ويدعم التواصل ويزيل الكثير من طاقات القلق والحساسية.

جانب آخر أيضا وهو: حاول دائما ألا تكتم عما في داخلك، فأي معلومة وأي شيء تسمعه من إنسان حتى ولو كان عاديا عليك أن تذهب وتطيل في الرد على هذه الأمور مهما كانت بسيطة، لا تكتمها لأنه سيكون الدفع أولا من منطلقين: الأول التفريغ النفسي، فحين تعبر عن نفسك أنت تفرغ عن نفسك، وهذا يمنع القلق والتوتر والشعور بالخجل، والثاني: أنك حين تسترسل في إجابتك يحسن من تواصلك الاجتماعي ويعطي الانطباع الجيد عنك.

الطريقة الأخرى هي: حين تكون ذاهبا لزيارة أي مجموعة من الناس حاول أن تكون لديك مواضيع محضرة مسبقا، مهما كانت هذه المواضيع بسيطة، فقل لنفسك: أنا سوف أذهب لزيارة أخ أو صديق أو قريب لي وسوف أحدثه في هذه المواضيع، وسم هذه المواضيع (1، 2، 3)، وسوف يكون لديك المخزون الذي ستتواصل به من الناحية التخاطبية والناحية المعرفية، هذا وجد أنه يحسن بدرجة كبيرة جدا التواصل.

أيضا هنالك سبل طيبة جدا من أنواع التواصل الإرادي واللاإرادي في نفس الوقت وهو حضور حلقات التلاوة والحرص عليها؛ لأن هذا التواصل (حضور حلقات التلاوة) فيها خير كثير جدا من نفعها وأجرها وتحسن من المهارات الاجتماعية، وتجعل الإنسان أقل خجلا، وسوف تختفي لديه أي عامل من عوامل الرهاب الاجتماعي بالتدريج، فهذه كلها وسائل طيبة جدا من أجل تطوير الذات ومن أجل تقليل الخجل.

أيضا هنالك المهارات العادية في التخاطب وهي: حين تتكلم مع الناس تنظر في وجوههم، وألا تستعمل لغة الحركية لغة اليدين وغير ذلك من أمور التخاطب والحديث مع الناس، فهذا يساعد كثيرا جدا.

أيضا يمكنك أن تعيش نوعا من الدراما والسيناريو الداخلي، وهو أن تتصور أنك في موقف معين – أي موقف – كمقابلة مع شخص رسمي أو تواصل اجتماعي من أجل المجاملة، عش هذه الرحلة في خيالك من بدايتها حتى نهايتها، من أول تحضيرك لهذا الموقف وتجهيزك لهذه الرحلة إلى انتهائها، عش هذا في خيالك، وحين تعيش مثل هذا التواصل الاجتماعي في الخيال سوف يسهل عليك التطبيق في الواقع، إذن التغيير موجود، وهو ليس بالصعب، ولكنه يتطلب منك الصبر والمثابرة والجدية في تطبيق التمارين والإرشادات السابقة الذكر.

أيضا سوف تستفيد -إن شاء الله- كثيرا من العلاج الدوائي، فما دام هنالك توتر واضطراب وخجل وربما شيء من الرهاب الاجتماعي بسيط لديك سوف تستفيد من أحد الأدوية المضادة لمثل هذه الاضطرابات والتي من أفضلها العقار الذي يعرف باسم زولفت (لسترال) وجرعته هي حبة واحدة في اليوم ليلا بعد الأكل – وأعتقد أنك لن تحتاج لجرعة أكبر من ذلك – لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك تخفضها إلى حبة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عنه.

والدواء البديل للزولفت (لسترال) هو العقار الذي يعرف باسم زيروكسات، وهو عقار أيضا ممتاز وجيد جدا، وجرعة البداية هي نصف حبة ليلا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ترفع إلى حبة كاملة لمدة أربعة أشهر، ثم تخفض إلى نصف حبة ليلا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوم بعد يوم لمدة أسبوعين أيضا.

هذا التدرج في بداية الدواء وفي إيقافه يعتبر أمرا ضروريا، وعموما هذان الدواءان من الأدوية السليمة جدا والفعالة جدا وقليلة الآثار الجانبية.

إذن هنالك عدة محاور وعدة طرق وإن شاء الله إذا طبقتها بالصورة الصحيحة سوف تجد أن أمورا كثيرة جدا قد تغيرت وتحسنت، وأن تفكيرك نحو ذاتك أصبح إيجابيا، وأنك أصبحت أقل حساسية وأصبحت لديك القدرة التامة لمواجهة المواقف الاجتماعية التي كنت تحس فيها بعدم الارتياح أو نقص في الكفاءة النفسية.

أسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات