السؤال
دكتورنا الفاضل محمد عبد العليم، دلوني عليك كي تساعدني والله يجزيك عني كل الخير وعن كل من يستفيد منك.
دكتور! باختصار شديد أنا شاب سأتزوج هذا الصيف - إن شاء الله - ومنذ شهر حدثت معي أعراض سيئة جدا، وزرت أكثر من طبيب مختص والكل والحمد لله قال لي أن ذلك اسمه Panic attack وأن هذه المشكلة فقط، وكل شيء والحمد لله سليم، ووصف لي طبيب دواء اسمه حبة لعشرين يوما Deanxit والطبيب الآخر وصف دواء اسمه Xanax عند اللزوم، دكتور! أنا هذه الأيام غير واقعي في مخاوفي أبدا، وأبالغ وأضخم كل شيء، وشديد النرفزة والعصبية، وما كنت يوما هكذا؛ فلماذا يحدث معي هذا؟ وصرت أخاف من الجلطة (وعلى فكرة مات قريب لي بالجلطة وهو في عز الشباب 29 سنة ربما ذلك أثر علي).
وأتخيل النهاية عند أي موقف أكون منفعلا فيه، وقبل 4 أيام كنت منفعلا في أحد المواقف لدرجة أنني تخيلت نفسي سأموت، وأنني أريد أن أصرخ، أريد أن أسيطر على نفسي وكأنني أفقد السيطرة على نفسي، وأتعرق، وأخاف جدا، وأشرب المهدئ لأكون بعدها طبيعيا، ما الذي يجري لا أدري! أهو القلق أم الخوف أم ماذا لا أدري؟!
دكتور! مع ذلك أنا الحمد لله ملتزم وأصلي ومتفائل، ومتأكد أن هذا سيزول، ولكن أريد أن أعجل بزواله كي أتزوج وأهنأ بعيشي وزوجتي، فكيف أكون واقعيا؟ وكيف أكون صبورا ومرنا ولا أغضب؟ نعم أريد تعديل سلوكي فما السبيل لذلك؟
وسؤال أخير - يا دكتور - قال لي الصيدلاني أن تلك الأعراض لا أعادها الله إن حدثت أقسم حبة ال Xanax عيار 0.25 قسمين، وأضعها تحت اللسان ليأتي مفعولها في دقائق فقط، فهل هذا صحيح وعلمي ومفيد؟ وأيضا ما أحسن الأدوية يا طبيبنا لعلاج هذه المشكلة؟
وأيضا من فترة وأنا لا أتقبل أحدا (أقصد أن مزاجي سيء) أريد أن أتقبل الآخرين على اختلاف علاقتهم معي فكيف ذلك؟
في النهاية دكتور أنا والحمد لله بخير، ولكن يزعجني جدا أنني لا أستطيع التأقلم مع ما يجري حولي، وأنني صرت أقلق بشكل مبالغ فيه، ولو أنه مبرر أحيانا، وأسأل نفسي أحيانا إذا أنا هكذا، وعمري 26 فكيف سيكون حالي مع عظم المسئولية والأولاد والعمر؟! لست متشائما ولكني أريد أن أكون دوما نعم دوما ودوما هادئا بارد الأعصاب، واقعيا، والأهم متوكلا على الله جل في علاه.
ولا يسعني ولا أملك حقيقة - يا طبيبنا - غير الدعاء فشكرا لك والله يبارك فيك.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نادر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فتدل الأعراض التي وصفتها على أنك مصاب بقلق نفسي، والقلق الذي ينتابك فيه شقان: الشق الأول هو ما يعرف بالقلق التوقعي، أي أنك تتوقع الأمور وتحسبها بصورة مبنية على التوتر الداخلي، وأنك تتخوف النتائج، وتجسم الأشياء البسيطة، وهذا - أتفق معك – مزعج، ولكنه بحمد الله ليس بمستحيل العلاج.
والشق الآخر هو نوبات الهرع أو نوبات (البنك) كما سماها لك الطبيب، أنا أيضا أعرف أنها سخيفة وأنها تجعل الإنسان يشعر بالهلاك في بعض الأحيان، وأسخف ما فيها أن الإنسان يشعر أنه سوف يفقد السيطرة على الأمور، ولكن أؤكد لك أنها نوع من القلق، فنوبات الهرع والقلق التوقعي كلها تأتي تحت طائلة القلق النفسي، وهذه الأوضاع والحالات بالطبع يتولد من خلالها نوع من عسر المزاج الثانوي الذي يجعل الإنسان تشاؤميا وغير مرتاح.
الموضوع بسيط جدا وإن شاء الله سوف يزول عنك، وكما تعرف فالقلق طاقة نفسية مطلوبة لأن ينجح الإنسان ولأن يكون فعالا ومثابرا ويفيد غيره ونفسه، ولكن حين يزيد هذا القلق عن درجة معينة يؤدي إلى صعوبات ومشاكل – مثل الذي حدث لك - .
مناهج العلاج هي أولا: أن تتفهم أن هذا قلق، وأرجو أن تقبل الشرح الذي شرحته لك.
ثانيا: هنالك عدة وسائل لعلاج هذه الحالة، فهنالك العلاج السلوكي، وهنالك العلاج الدوائي، والعلاج السلوكي يقوم بالآتي:
1- على عدم الكتمان والتعبير عن الذات، أكثر الذين يكونون عرضة للقلق هم الذين يميلون إلى كتمان الأمور البسيطة مما يجعلها تتراكم وتحتقن، فالتفريغ عن النفس أمر مطلوب.
2- تمارين الاسترخاء والرياضة: لقد وجد أن ممارسة تمارين الاسترخاء وكذلك الرياضة من أجمل وأفضل أدوات الاسترخاء والراحة النفسية وإزالة القلق بجميع أنواعه، فإذن عليك أن تضع برنامجا تمارس من خلاله الرياضة، وربما يكون من أفضلها المشي أو الجري، على ألا يقل ذلك عن نصف ساعة إلى أربعين دقيقة في اليوم.
أما بالنسبة لتمارين الاسترخاء فهنالك عدة كتيبات وأشرطة توضح كيفية إجراء هذه التمارين، وفي أبسط صورها:
(أ) الاستلقاء في مكان هادئ.
(ب) غمض العينين وفتح الفم قليلا.
(ج) محاولة الاسترخاء والتأمل في لحظات سعيدة مرت عليك أو الاستماع لشيء من القرآن بصوت خافت.
(د) أخذ نفس عميق وبطيء - عن طريق الأنف - وملئ الصدر لدرجة انتفاخ البطن أيضا.
(ه) كتم وقبض الهواء في الصدر لمدة قليلة حوالي عشر ثوان.
(و) ثم خروج الهواء بكل قوة وبطء ويكون عن طريق الفم وهذا هو الأفضل.
(ز) تكرار هذا التمرين أربع إلى خمس مرات بمعدل مرتين في اليوم.
ومن خلال الأشرطة أو الكتيبات أو من خلال مقابلة أخصائي نفسي، وليس طبيبا نفسيا يمكن أن تتدرب على هذه التمارين.
3- حقر فكرة الخوف، وخاطب نفسك تخاطبا داخليا، وقل لنفسك: هذه فكرة حقيرة، لماذا أقلق أنا، أنا الحمد لله بخير وفي أمان، حاول أن تتذكر إيجابياتك، وكل فكرة قلقية تأتيك حاول أن تضع الفكرة المضادة والبديلة لها وتتعمق في هذه الفكرة وتنميها في داخل نفسك.. هذا يساعد كثيرا.
الخوف من الأمراض هو مصاحب في كثير من الحالات لنوبات الهرع والخوف هذه، وبالذات - أنت كما ذكرت - اقترن لديك في عقلك الباطني وفاة هذا الشاب القريب لك في عمر يافع إثر جلطة، هنا الإنسان يجب أن يتأكد تماما ويكون متوكلا ويعرف حقيقة الموت وأنه إذا أتى أجل الإنسان فإن ذلك لا يؤخر ولا يؤجل مطلقا. وبالطبع ما يحدث للآخرين ليس من الضروري أن يحدث للإنسان فيما يخص المرض، وعليك بالدعاء بأن تسأل الله أن يعافيك وأن يشفيك وأن يحفظك وأن يطيل عمرك في عمل الخير، هذه كلها دوافع داخلية ضرورية جدا.
الانفعال سوف يقل إن شاء الله بممارسة الرياضة والتعبير عن النفس وممارسة تمارين الاسترخاء.
بما أنك مقدم على مشروع الزواج فهذا الحمد لله يدل على نجاحك، يدل أنك تريد أن تعيش حياة طبيعية، وأنت لديك عمل ورجل مؤهل، هذه كلها إيجابيات لابد أن تستثمرها وتستذكرها وتتمعن فيها وتتأمل فيها بإيجابية فهي إن شاء الله تزيد من الدافعية لديك.
الصبر يتعلمه الإنسان بأن تتفهم أهمية الصبر وتسأل الله تعالى أن يجعلك من الصابرين، ودائما حين يأتيك الغضب قل لنفسك: أنا حين أغضب وأثور ما أوقعه بالآخرين إذا وقع علي فلن أقبله.. غير مكانك، توضأ... هذه كلها أمور عظيمة تزيل القلق وتزيل الغضب، والتعبير عن الذات يزيل أيضا هذه الاحتقانات التي تؤدي إلى القلق والغضب والتوتر.
حاول أن تتواصل اجتماعيا، ابن شبكة من الأصدقاء والإخوة الأفاضل، تواصل مع أرحامك وجيرانك، ابن نوعا من الهوايات، أكثر من الاطلاع في الكتب المفيدة... هذه كلها وسائل علاجية تأهيلية تفيد كثيرا.
إذا طبقت ذلك أنا على ثقة أن التواؤم والتكيف والتأقلم سوف يأتي، وأقول لك ذلك مع ضرورة ألا تحاسب نفسك بهذه الشدة والصرامة، ولا تراقب تصرفاتك في كل شيء.. لا، الإنسان يمكن أن يأتيه شيء من القلق أو شيء من الغضب، هذا أمر ضروري، ولكن من الضروري ألا نتعدى الخطوط الحمراء.
آتي بعد ذلك للعلاج الدوائي الذي أرى أنك سوف تستفيد كثيرا منه، وما أعطاه لك الطبيب من علاج وهو (Deanxit) دواء جيد لعلاج القلق والتوتر، ولكن قد لا يفيد كثيرا في علاج الخوف والهرع. أما (الزاناكس) فهو علاج وقتي يساعد في إزالة القلق والتوتر ولكنه يعالج العرض ولا يعالج المرض، كما أن الإنسان يمكن أن يتعود عليه. ما قاله لك الصيدلي بأن تضعه تحت لسان، فهذا صحيح؛ لأن الامتصاص في هذه الحالة للدواء لا يستغرق أكثر من خمس إلى عشر دقائق، أي تكون فعالية الدواء سريعة.
لا أمانع أن تستعمل الزاناكس بحذر شديد، أي لا تكثر من استعماله ويمكن أن يكون الاستعمال عند الضرورة، لكن الدواء الذي أود أن أصفه لك وأراه مفيدا هو العقار الذي يعرف باسم (سبراليكس) وهو دواء فعال لعلاج القلق والخوف والهرع والتوتر وحتى الوساوس كما أنه محسن للمزاج، وجرعة البداية هي 10 مليجرامات بعد الأكل لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى 20 مليجراما لمدة أربعة أشهر، ثم خفضها إلى 10 مليجرامات ليلا لمدة شهرين، ثم بعد ذلك يمكنك أن تتوقف عن الدواء. هذا الدواء (سبراليكس) سليم وقليل الآثار الجانبية.. أما بالنسبة لعلاج (Deanxit) أود أن تستمر عليه لمدة شهرين، فهو دواء تدعيمي يدعم السبراليكس، وهو دواء مزيل للقلق.
إذن هذه هي الوصفة التي أراها مناسبة لك، وعليك ألا تتشاءم وانظر للمستقبل بأمل وعش الحاضر بقوة وعش الماضي أيضا بعظة، وأنا على ثقة كاملة أنك إن شاء الله سوف تكون ناجحا في حياتك.
أسأل الله لك التوفيق وأن يتم أمر الزواج وأن يهبك ويهبنا جميعا الصحة والعافية والطاعة له تعالى.
وبالله التوفيق.