العلاج السلوكي والمعرفي وسيطرة المدرسة البيولوجية في الطب النفسي

0 415

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هل صحيح أن المدرسة البيولوجية أو العضوية في الطب النفسي هي التي أصبحت مسيطرة الآن، وإذا كان هذا الكلام صحيحا فما فائدة العلاج السلوكي والمعرفي؟! وهل نفهم من هذا الكلام أن كل تمارين ومهارات العلاج السلوكي والمعرفي ليس لها قيمة إذا لم يتناول الشخص العقاقير النفسية؟!

هل لابد من تناول العقاقير النفسية لمعالجة اضطرابات نفسية كالوسواس القهري أو الرهاب الاجتماعي؟ وهل يستطيع الشخص أن يكتفي فقط بالعلاج السلوكي والمعرفي ومحاولة تطبيقها بشكل جيد دون أن يلجأ للعقارات النفسية؟!

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فارس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إذا رجعنا إلى الأسباب المهيئة والأسباب المرسبة للأمراض النفسية نجد أن هناك الجانب البيولوجي وهناك الجانب الاجتماعي وهناك الجانب النفسي، فهذه هي المسببات الثلاثة (البيولوجي، الاجتماعي، النفسي)، ومن هنا ندرك تماما أن العلاج كذلك يجب أن يكون متعدد المحاور، فما دامت المسببات مختلفة وقد تتفاوت من إنسان إلى إنسان وتتفاعل مع بعضها البعض بدرجات مختلفة لتعطينا النموذج المرضي؛ فإذن الأفضل والأسلم هو أن يكون العلاج أيضا متعدد الجوانب.

كثير من المدارس النفسية الموثوق بها ترى أن العلاج أيضا يجب أن يكون من نبع قطرة؛ فيجب أن نأخذ بالجانب البيولوجي، ونأخذ بالجانب الاجتماعي، ونأخذ بالجانب النفسي، ولا شك أن المرضى ليسوا بشريحة واحدة، فهناك من يجد أن العلاج النفسي قد يكون أفضل بالنسبة له مع إعطائه جرعة بسيطة من الدواء، وهناك من يكون الدواء هو الشيء الأساسي بالنسبة لعلاجه.

أتفق معك تماما أن المدرسة البيولوجية أصبحت الآن هي المسيطرة بدرجة كبيرة مع عدم تجاهل المدرسة السلوكية، وحتى ما يعرف بالمدرسة الإنسانية والمدرسة التحليلية لازال لديها بعض الوجود فيما يتعلق ببعض الحالات والأمراض النفسية، المدرسة البيولوجية أصبحت أكثر سيطرة لسببين:

السبب الأول: هو أن المفاهيم فيما يخص المسببات للحالات النفسية مثل الوساوس القهرية والاكتئاب والهرع الاجتماعي ومرض الفصام وخلافه أصبح هناك تفهم كبير جدا فيما يعرف بالموصلات أو المرسلات العصبية التي ربما تلعب دورا في تسبب هذه الحالة، فلابد أن أعترف لك أن الرؤية ليست واضحة بصورة كاملة، حتى المدرسة البيولوجية الآن فيها الكثير من النواقص، فنحن نتحدث للناس عن السيرتونن وعن الدوبامين وعن هذه المواد الكيميائية، والآن أصبحت هناك مفاهيم جديدة فيتحدثون عما يعرف عن (سيجما واحد) هو أحد الموصلات العصبية، ويتحدثون عن مادة B (ب)، ويتحدثون عن مادة أخرى تعرف باسم (الجلوتميت)... وهكذا.

إذن فهناك الكثير من المفاهيم البيولوجية أصبحت الآن في متناول الأطباء والعلماء وأصبحت الأدوية تصنع وتقاس حسب هذه المواد.

السبب الثاني الذي جعل المدرسة البيولوجية لها السيطرة هي: قوة شركات الأدوية، فالآن أصبحت شركات الأدوية فعالة وقوية ولا أنكر أن الجانب التجاري موجود في هذا الأمر، ولكن الأمر يترك للطبيب وضميره.

المدرسة السلوكية لا يمكن تجاهلها، فالمدرسة السلوكية المعرفية لها من يؤيدها ولها فعليتها، وأنا أعترف تماما أن كتابة الدواء سهلة جدا ولكن أن تكون مدربا وحاذقا ومجيدا للعلاج السلوكي ليس سهلا، فيتطلب فنيات ويتطلب الوقت ويتطلب الصبر، وهذا أيضا جانب ربما يجعل الكثير من الأطباء يلجئون فقط لكتابة الأدوية في كثير من الحالات.

إذن أنا أعتقد أن الوضع المثالي والصحيح هو أن يتناول الإنسان الأدوية من الطبيب الموثوق بالجرعة الصحيحة في الوقت الصحيح، وكذلك أن يتبع الإرشادات السلوكية خاصة أن المدرسة المعرفية أيضا مدرسة متطورة ولها وجودها، والدراسات تشير أن الذين يأخذون الدواء بجانب العلاج السلوكي تكون فرصة الشفاء لديهم أفضل خاصة فيما يخص الوساوس القهرية والمخاوف، علما أن معظم الذين يعتمدون فقط على تناول الأدوية ربما تحدث لهم انتكاسات بعد توقفهم عن الأدوية بعد شهرين أو ثلاثة على سبيل المثال، ولكن الذين يستمرون في المنهج السلوكي ويطبقونه بصورة يومية فهذا يقلل كثيرا من الانتكاسات المرضية.

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات