السؤال
السلام عليكم.
هل عندما يعتاد الإنسان على مشاهد العنف والإثارة والدماء تتغير شخصيته؟
فأنا أعلم أن الإنسان يستطيع أن يكتسب صفات كالصبر والأناة والحلم عندما يمرن نفسه عليها ويمارسها بشكل مستمر، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم) وأنا سؤالي بخصوص المشاهد الدموية: هل ممكن أن تغير من شخصية الإنسان؟ خصوصا إذا كانت شخصيته ضعيفة أو لنقول: ذو شخصية حساسة ومرهفة، لأني أنا أحيانا أحاول أن أعود نفسي على هذه المشاهد لأني أريد أن أغير من شخصيتي، فأنا عندما أجد أي مشهد دموي أو عنيف سواء بالإنترنت أو على التلفاز أجبر نفسي على مشاهدته ظنا مني أنه مع مرور الزمن سوف يكون هناك تغيير جذري في شخصيتي، وأنا لا أعني بهذا الكلام أن أكون إنسانا دمويا، لا، فقط أنا لا أريد أن أكون شخصا حساسا وخائفا... وأي شيء يخيفني.
وأنا أعلم أن هناك أشخاصا تأثروا وانقلبت حياتهم وأصبحوا يعانون من كوابيس في النوم بسبب هذه المشاهد، لكن لا أعتقد أنها تنطبق على كل شخص.
سؤالي الثاني: سمعت من أحد المختصين بالصحة النفسية أن الجهاز العصبي المركزي لدى الإنسان يختلف من شخص لآخر، فهناك جهاز عصبي قوي وهناك جهاز عصبي متوسط وهناك جهاز عصبي ضعيف ..... ومن يكون الجهاز العصبي لديه قويا فهو الذي يستطيع أن يتحمل الصدمات والمصائب ولا تؤثر فيه، وفعلا هناك أشخاص يتعرضون إلى مصائب وكوارث ومع ذلك هم أقوياء ولايظهر عليهم أي مظهر من مظاهر الضعف أو الانهزام، وفي المقابل هناك أشخاص قد يتعرضون لمشكلة بسيطة ولايستطيعون التحمل ويصابون بانهيار.
أرجو تفسير ذلك وبارك الله فيكم وفي موقعكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماجد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
أخي! العلم والتعلم بالنسبة للإنسان هو حقيقة ثابتة، وهنالك دائما جوانب أساسية هي التي تؤدي إلى مكونات السلوك، وهذه الجوانب الأساسية هي شخصية الإنسان، وتركيبته الجينية والوراثية، ثم بعد ذلك يأتي دور البيئة ومدى تفاعله مع بيئته، ثم بعد ذلك تأتي الظروف التي تساعد على استمراريته في نمط السلوك الذي تعلمه، ويا أخي لا شك أن الحديث الذي أوردته عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو بالطبع يمثل قمة تعلم السلوك الإنساني، لا شك في ذلك، وهذا التعلم بالطبع يختلف من إنسان إلى إنسان، الإنسان إذا جعل ديدنه دائما هو أن يشاهد هذه المشاهد المرعبة والفظيعة، لا شك أنها سوف تؤثر فيه، أولا: لن يراها بنفس الفظاعة التي هي عليها في حقيقة الأمر، وهذا ربما يجعله يسلك مسلكا متبعا لهذه المشاهد، أنت تعرف -يا أخي- الآن أن الدنيا قد تغيرت كثيرا، وبكل أسف أصبح ما نراه ونشاهده في وسائل الإعلام يؤثر تأثيرا مباشرا على حياة الناس، ربما تكون قد استمعت إلى الحادثة التي حدثت في أمريكا يوم 16/4 والتي قتل فيها الطالب الكوري الجنوبي والذي يسمى بـ (شو سونج هيو)، قام بقتل 32 طالبا وأستإذن، اتضح فيما بعد وبعد دراسات اجتماعية ونفسية أن هذا الطالب كان يعاني من بعض الصعوبات في شخصيته، ولكن الأهم من ذلك كان يشاهد أحد الأفلام الكورية الجنوبية، وهذا الفلم فاز بجائزة في منافسة للأفلام أجريت في سنة 2004، هذا الشاب أخذ من هذا الفلم الكثير وتمثل به، حتى في طريقة قتله للناس.
إذن أخي! هذا الجانب لا ننكره أبدا، هو جانب تعلمي، ولكن لا نقول فقط: مشاهدة هذه المناظر الدموية والقاسية سوف تغير أي إنسان، لا. لا شك أن مدى استعداد الإنسان للتغير وهذا يعتمد على جيناته ومكوناته الوراثية، وكذلك على شخصيته، على مستوى القيم لديه، شفرة الفضيلة، هنالك شفرة للفضيلة، هل تتقبل مثل هذه الأشياء أم لا؟ ولكن بالطبع حين يتعرض الإنسان لجرعات كبيرة من هذه المشاكل أو من هذه المناظر سوف تغير حتى في تركيبته الداخلية.
أخي الفاضل! اتضح الآن أن الجينات يمكن أن تطوع، أضرب لك مثلا علميا: أثبت الآن إذا أنجب إنسان ولدا في عمر العشرين، وأنجب ولدا آخر في عمر الخامسة والخمسين، صدقني أنه سوف تكون هنالك اختلافات كبيرة جدا بين الولدين، مع أن الأب هو نفس الأب، ولكن التجارب الحياتية التي اكتسبها الأب سوف تنعكس على الطفل الذي ولد حين كان الأب عمره خمسة وخمسون عاما، المهارات التي اكتسبها، التغيرات التي اكتسبها سوف تنعكس على ذاك الولد، هذه أخي أيضا قائمة على نظرية العلم والتعلم، وهذا الأمر يا أخي أمر طويل ومعقد جدا، ولكن بالطبع أخي لا أدعوك مطلقا أن تشاهد هذه المناظر الدموية من أجل أن تحول أو تغير في شخصيتك.
أنت -أخي- تتحدث أنك حساس وتحدثت أنك تريد تغييرا جذريا في حياتك، هذه الحساسية التي تراها هي نوع من الرحمة، هي نوع من اللطف، هي نوع من الوجدان الداخلي الطيب.
أخي! من أفضل الوسائل التي يستطيع أن يغير بها الإنسان شخصيته في بعض الأحيان هي مصاحبة الأخيار، والتمثل بهم، والاقتداء بهم، ونحن يا أخي الفاضل في تاريخنا الإسلامي العظيم توجد شخصيات عظيمة لماذا لا نقرأ عنها؟ لماذا لا نتشبه ونتمثل بها؟ عل الحافر أن يقع على الحافر، نحن لا نحتاج أبدا أن ننظر لهذه المناظر الدموية البشعة حتى نغير أنفسنا، نحن نغير أنفسنا وسلوكنا بتربيتنا الإسلامية الصحيحة.
أما بالنسبة لسؤالك الثاني: فالجهاز العصبي المركزي يختلف بالطبع من إنسان إلى إنسان، ولكن الجهاز العصبي المركزي لا ينظر إليه من الناحية التشريحية فقط، بل ينظر إليه من الناحية الفيزيولوجية، ينظر إليه من الناحية الكيميائية، هنالك موصلات كهربائية وموصلات عصبية، هنالك مراكز وجدانية لم تتضح صورتها بصورة كاملة حتى الآن، ولكن يعرف أن الفص الصدغي للمخ هو الذي يحمل مركز الوجدان والعواطف لدى الإنسان، وهنالك منطقة صغيرة تسمى بـ أمجدالا ( Amgdala ) وترجمتها بالعربية ( اللوزة ) لأنها تشبه في شكلها اللوزة، هذه المنطقة في المخ هي منطقة صغيرة جدا، ولكنها تحمل الكثير من السمات الوجدانية، السمات الوجدانية مخزنة ومشفرة في هذه المنطقة، ولذا نجد أن بعض الناس تحملهم قوي للصدمات، وآخرين تحملهم أقل، نجد أن بعض الناس تميل للعنف والقسوة، ولا يتعلمون من تجاربهم ولا من أخطائهم، ونجد بعض الناس على العكس من ذلك.
أخي، هذا التفاوت في مشاعر الناس وفي طريقة تفاعلهم مع الأحداث الحياتية كما ذكرت هو في الأساس يعتمد على التكوين البايولوجي والوجداني للشخص، كما أنه بالطبع يعتمد على المراكز الدماغية الموجودة لدى الإنسان، والتي تختلف بالطبع من شخص إلى آخر.
بالطبع بعد ذلك يأتي دور البيئة أيضا، لا نستطيع أن نفصل دور البيئة، البيئة قد تساهم أيضا لدرجة كبيرة في الطريقة التي يعبر بها الإنسان عن مشاعره، مفهوم الصبر هو من المفاهيم التي يتعلمها الإنسان، مفهوم الرحمة واللطف أيضا من المفاهيم التي قد يتعلمها الإنسان من بيئته، القسوة، عدم اعتبار الآخرين، أيضا البيئة قد تلعب دورا فيها.
إذن الأمر شائك ومعقد بعض الشيء، ولكنه هو تفاعل ما بين محاور مختلفة تتمركز بالطبع حول الجهاز العصبي المركزي، والذي يختلف من إنسان إلى إنسان.
بارك الله فيك، ونسأل الله لك ولنا وللمسلمين جميعا التوفيق والسداد.