السؤال
السلام عليكم.
مشكلتي هي أني أخاف من الارتباط بأي رجل يتقدم لي حيث أخاف من أن يظلمني، وأنا لا أحب الظلم ولا أستطيع العيش مع أي شخص يقسو علي أو يظلمني، لأني بطبعي لا أستطيع رد الإساءة بالإساءة، ولا أستطيع أن آخذ حقي من أي شخص يظلمني، ولا أتحمل العيش مع الشخص الذي أحس فيه بعدم الوضوح أو المراوغة أو البخل أو الذي يريدني أن أعمل بعد زواجي.
ولا أعرف لماذا يطلب الزوج من زوجته العمل بعد الزواج، وخصوصا إذا كان يدعي أنه ملتزم بالدين، وأعتبر هذا يتناقض مع أخلاق وطباع الرجل الملتزم؛ لأن علمي أن المرأة مكانها بيتها، وأعظم عمل تقوم به الفتاة بعد زواجها هو مراعاة زوجها وأولادها.
وأنا فتاة واضحة أحب العيش دون مشاكل وأحب الهدوء والابتعاد عن كل ما يسبب لي المشاكل أو يعكر علي صفو الحياة، وبطبعي أبتعد عن كل من يسيء الظن بي أو أجد فيه طباعا غير حسنة، وأتصور أني لا أستطيع تغيير طباع الأشخاص وأقول أن من شب على شيء شاب عليه، فأتجنب كل من فيه طباع غير جيدة، فهذه حياتي قبل الزواج، لكني أفكر بحالي بعد الزواج كيف سأتصرف مع الزوج الذي سأقيم معه وسيلازمني ليل نهار ولا أستطيع أن أتجاهله، وكيف ستكون حياتي فيما إذا وجدت فيه طباعا كنت طوال حياتي لا أحبها وأبتعد عنها.
وأخاف من الفشل خصوصا أني أسمع قصصا عن ظلم الأزواج لزوجاتهم، وأسمع عن تحمل الزوجات الشيء الذي لا يطاق، ولا أريد أن أكون مثلهم وأقول أني غير مجبرة على تحمل طباع رجل من الممكن أن يكون أنانيا أو بخيلا أو ظالما أو حتى قاسيا ولا يفكر إلا في نفسه.
وأنا أعيش مع أهلي ويسود بيتنا الاحترام والهدوء والألفة فيما بيننا، وكذلك خوف أحدنا على الآخر، ولا نعرف البخل ولله الحمد، وكل منا يفهم الآخر ويحب له ما يحب لنفسه، فنحن ولله الحمد عائلة تتصف بنكران الذات فيما بيننا ولم نظلم أحدا طوال حياتنا، وقبل مدة تزوجت أختي من رجل اكتشفنا أنه بخيل جدا، حتى عندما تمرض لا يعطيها المال كي تتعالج، ويقول لها إنك تبالغين ولا يوجد فيك أي شيء، ويبخل عليها حتى بالكلمة الطيبة، وأختي المسكينة تفاجأت بهذا الزوج القاسي وتعاني ما تعانيه، خصوصا أنها شابة في مقتبل العمر وتحتاج للكلام الطيب والمعاملة الطيبة، ولكنها فوضت أمرها إلى الله.
وأنا محتارة فهل أرفض كل الذين يتقدمون لي، أم أرضى وأختار الرجل المتدين، ولا أعرف ماذا سيظهر بعد الزواج وماذا سأكتشف بعد زواجي منه، فليس كل رجل يصلي ويصوم تكون طباعه مع زوجته جيدة، ونحن نسمع عن رجال ملتزمين بالدين ويعملون كل ما لا يرضي الله مع زوجاتهم، وكأنهم يأخذون الزوجة لينتقموا منها لا ليكرموها ويعزوها ويحافظوا عليها، وهل إذا اخترت أن أعيش بدون زواج خوفا من كل هذه المشاكل وألتزم بالصوم لأحمي نفسي، ولله الحمد أني ملتزمة، ولكني أخاف بتصرفي هذا أن أغضب الله رب العالمين، فهل آثم إذا خفت على نفسي من الظلم أو القسوة أو تحمل شيء لا أحبه؟ وهل يعاقبني الله من مخاوفي هذه أم يعذرني - وخصوصا أن الله يعلم طباعي وقدرة تحملي للإساءة - ؟!
وجزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Dana حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فهنيئا لكم بهذه الأسرة المتفاهمة، ونسأل الله أن يديم فضله عليك بعد الزواج، وأرجو أن لا تترددي إذا طرق بابكم صاحب الدين والأخلاق وتوجهي إلى مقدر الأرزاق، واعلمي أن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه...)، فلم يقل دينه ويسكت، رغم أن الأخلاق داخلة في الدين، ولكن ولأهمية الأخلاق قال: (خلقه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
وبهذا تبرز أهمية التركيز على خلق الخاطب، وبهذا أيضا نستطيع أن نفسر الأخلاق السيئة لبعض الأزواج المتدينين، حيث تم قبولهم على أساس الدين وحده دون النظر إلى الخلق، ولا شك أن الدين بدون خلق، هو تدين ناقص؛ لأن أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا.
وأرجو أن تنظري للحياة الزوجية بمنظار جميل، فإن فيها السكن والراحة والطمأنينة، وللنساء خلق الرجال وللرجال خلق النساء، ويؤسفنا أن نقول أن كثيرا من المتزوجات لا يعكسن إلا الجانب المظلم في الحياة الزوجية، وهناك من تنسى أن السعادة في الحياة الزوجية تضعها في الغالب المرأة المؤمنة التي تعلم أن رضى زوجها من رضى ربها، وتوقن أنها مأجورة على تعبها وصبرها، فإن الحياة الزوجية عطاء وأخذ ومودة ورحمة وخير واحتساب، وقد تنال المرأة بصرها على زوجها وسهرها على عيالها جنة الله، وقد حفظت لها شريعة الله ذلك فكانت وفاتها في المخاض شهادة، وقيامها بحق زوجها يعدل الجهاد والاستشهاد، بل جعلت الشريعة الأم بابا إلى الجنة.
ولا يخفى عليك إن الإنسان لن يجد إنسانا بلا عيوب، ولكن كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه، وإذا بلغ الماء فلتين لم يحمل الخبث، فلن تجدي رجلا بلا عيوب، ولكن طوبى لمن انغمرت سيئاته في بحور حسناته، كما أن الرجل لن يجد امرأة بلا عيوب، ولكن رسولنا صلى الله عليه وسلم وجهه فقال: (لا يفرك -أي لا يعيب- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر)، وإذا تذكر الإنسان لذة الثواب نسي ما يجد من الآلام.
ونحن نتمنى أن يفهم كل من الرجل والمرأة نفسية شريكه الآخر، فإن لكل شخصية مفتاحها، وللمرأة أسلحة كثيرة تستطيع أن تؤثر بها على شريكها، والمرأة الولود الودود لا يملك زوجها إلا أن يكون أطوع لها من بناتها، فلا ترفضي من يتقدم إليك واختاري فيه دينه وأخلاقه واستخيري واستشيري، واعلمي أن قبولك للرجل وارتياحك له دليل على أن نسبة الوفاق بنيكما سوف تكون مرتفعة فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
ولن يكون هناك تعارض بين حسن العبادة والزواج، بل إن في الزواج عون على الدين والطاعة، ولو كان الآباء والأمهات يدومون لنا لما رغب الكثيرون في الزواج، ولكن هكذا تمضي بنا سفينة الحياة، وسوف تحتاجين غدا إلى من يؤنس وحشتك، وقد يخرج الله منك من يعيد للأمة أمجادها، وربما كان دخولك للجنة بسبب صلاح ذريتك، ولن تتضرري من تنكبهم للطرق إذا قمت بواجبك في النصح والتوجيه، فخوضي التجربة وأحسني الاختيار، وتوكلي على الواحد القهار.
ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.
وبالله التوفيق والسداد.