السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشعر أنني متسامح جدا مع الناس خاصة مع الأقارب والأرحام، حيث إذا أساء إلي أحد منهم فإنني أنسى هذه الإساءة وأمد يدي إليه بالصلح والتسامح وإذا خاصمني أحد - حتى وإن كان الحق معي - فإنني أبدأ بالسلام، وأذهب إليه في بيته، مما يثير حفيظة زوجتي دائما وترى أن هذا ليس بتسامح وإنما ضعف في شخصيتي.
وحدث أنني كنت خارج البلاد وقامت زوجتي بالمشاركة مع والدها في شراء سلعة معينة لنا، وعندما عدت إلى بلدي فوجئت بأن والدها قد أخذ من مالي وبدون وجه حق مبلغا كبيرا، حيث أخبرني أن هذا سعر السلعة الحقيقي، ولكن قدرا انكشفت الحيلة وفعلا اعترف لي الرجل بما فعل وطلب مني العفو والسماح، فقلت له أنت مثل أبي، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (أنت ومالك لأبيك)، فبكى الرجل وتعانقنا وقام فعلا برد المال، ولم أشك لحظة في أن زوجتي مشتركة أو عندها علم بما حدث وانتهى الموضوع على ذلك، ولكن المثير أن زوجتي لم تثن أبدا على ما فعلته من أجلها، بل الأغرب من ذلك أنها ما زالت تعتبر تسامحي مع الأرحام على أنه ضعف في الشخصية مما يسبب لي الكثير من الألم والحيرة، فهل هذا تسامح أم سذاجة؟!
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله العتيبي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن التسامح مع الأقارب والأرحام هو هدي رسولنا عليه الصلاة والسلام، بل هو سلوك ممتد في أنبياء الله الكرام، فقد قال الله على لسان نبيه يوسف الكريم لما اعتذر له إخوانه عن فعلتهم: (( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ))[يوسف:92]، ولا يخفى على أحد ما فعله إخوة يوسف بأخيهم، كما أن عبارة السماحة والتسامح تكررت على رسولنا صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش حين قال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء )، وردد قول الله: (لا تثريب عليكم اليوم...).
ونحن نبشرك بقول رسولنا عليه صلاة الله وسلامه: (وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)، وبشر النبي صلى الله عليه وسلم من يكظم غيظه فقال: (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ما شاء)، وجعل القرآن العفو والتسامح من صفات المتقين فقال سبحانه في مدحهم: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ))[آل عمران:134].
ومن هنا فنحن ننصحك بالاستمرار على منهجك في العفو والتسامح، واعلم أن صلات ذوي القربى لا تستمر إلا بهذه الطريقة، ومن يصفح ويعفو إذا لم يفعل ذلك من يعمل في مهنة التعليم، وأرجو أن لا يدفعك كلام زوجتك أو كلام الناس إلى ترك ما تعودت عليه من الخير.
وأرجو أن يعلم الجميع أن الذي يقهر نفسه ويحمله على العفو والصبر أعظم من الذي يفتح مدينة، وليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد هو الذي يملك عند الغضب، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة حلمه بسيف غضبه فهو يتصرف في مواقف الغضب بالحلم والكمال في أخلاقه والجمال في التأسي به صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعطي من حرمه ويصل من قطعه ويعفو عن من ظلمه حين مدحه العظيم فقال: (( وإنك لعلى خلق عظيم ))[القلم:4]، وقد أحسنت بعفوك عن والد زوجتك ولا تنتظر على فعل الخير شكرا من أحد، واقصد بأعمالك وجه الله.
ومرحبا بك في موقعك مع إخوانك في الله، واعلم أن أولى الناس باهتمامك هي زوجتك فلا تقصر في حقها، فإن خير الناس خيرهم لأهله - سدد الله خطاك وبلغك مرادك -.
ويمكنك الاطلاع على هذه الاستشارة (268461) ففيها مزيد فائدة.
وبالله التوفيق والسداد.