السؤال
أتساءل هنا عن زواج بعض الرجال بأخرى.
طبعا لا أسأل عن مدى مشروعيته، فأنا أعلم بشرع الله ومسلمة تسليما، ولكن سؤالي هو أن بعض الرجال يتزوج بطريقة تكاد تخلو من الرحمة بزوجته الأولى ولا يفكر في حالتها النفسية، ولا يفكر بالوقت المناسب لهذا المشروع الجديد كأن يستغل أحدهم مأساة تصيب المرأة ويتزوج عليها وهي في قمة الحزن، فيزيد حزنها حزنا من فقد الحبيب وانعدام في الثقة.
أو يتزوج وهي في قمة سعادتها عندما تريد أن تسكن بيتها، أو حصولها على درجة علمية، وكأنه لا يستطيع أن يصبر حتى تنقضي أيام حزنها أو فرحها، فهو لا يفكر إلا بغريزته الحيوانية ولم يفكر بها أو بحالتها عند وقوع الخبر.
فكر فقط بإسعاد نفسه ولم يتفكر بحال زوجته التي عانت معه ... ونسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء خيرا، وقد قال صلى الله عليه وسلم (رفقا بالقوارير).
لقد ضيعتمونا هداكم الله وكسرتم قلوبنا ولم تفكروا إلا بأنفسكم، والله إني مع تعدد الزوجات للرجال على الرغم أني امرأة، ولكن راعني تصرف زوج صاحبتي التي حصلت على درجة الدكتوراه قبل شهرين فقط، وعادت للوطن بعد غربة 6 سنوات، وقبل أن تستقر يفجعها بخبر زواجه، أي نوع من الرجال في هذا الزمن!
والله إنها من خيرة النساء التي واجهتها في حياتي، ولكنكم معاشر الرجال تستخدمون ما أحل لكم الشرع بطريقة حيوانية تكاد تخلو من الإنسانية... ألا تستطيعون الصبر، وتنكرون على النساء رفضهن لمبدأ تعدد الزوجات.
والله إنه من أفعالكم التي جانبتم بها الشرع والإنسانية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ العنزي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فلاشك أن الإخراج السيء يفسد القضية! وشريعة الله تراعي المشاعر، وتدعو لحسن التصرف ورعاية الآثار النفسية للتصرفات، خاصة في مثل هذه الأمور التي ينبغي أن تراعى فيها عشرة السنوات، ويتأمل فيها الإنسان قول الله: ((ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير))[البقرة:237]، والإنصاف يقتضي أن يعرف الرجل لزوجته الأولى فضلها، بل ومن الأدب أن يكرمها ويوسع عليها ويطيب خاطرها إذا عزم على الزواج بامرأة أخرى، كما أن العاقل يطلب من زوجته الجديدة أن تعرف لأختها فضلها وتحترمها لأجل سنها وسبقها.
ولكننا بالطبع نرفض التعميم، ففي الرجال أصحاب ذوق وحسن تصرف وأهل وفاء وكرم، وأرجو أن تشجعي صديقتك على تقبل الأمر، وغدا سوف يعرف قيمتها فإن معظم من تزوجوا لم يدركوا فضل الزوجة الأولى إلا بعد الزوجة الثانية، وبدأ أكثرهم في إكرام زوجته الأولى بعد أن دخل في مشاكل ردته إلى صوابه، ويؤسفنا أن لا تنفتح البصائر إلا من خلال الأخطاء.
وقد أسعدني إقرارك بحق الرجل في الزواج من الثانية والثالثة والرابعة فتلك شريعة الله الخالدة، وخير لكل امرأة أن يأيتها زوجها من فراش أخت لها في الطهر والإسلام بدلا من أن يعود إليها ملطخا بعار الزنا وفيروس الإيدز.
ونحن إذ نشكر لك هذه المشاعر نتمنى أن توجهي رسالة مماثلة لمن يقصرن في حق الزوج ويحرمنه من حقوقه، فما كل باكية مظلومة، وسوف يكون لكلماتك أبلغ الأثر، وكم نحن سعداء بمثل هذا التفاعل وبجمال هذه اللفتة بالبارعة التي نتمنى أن ينتبه كل رجل يفكر في الزواج، وحبذا لو حرص كل إنسان على حسن التصرف ونظر في توقيت وعواقب وآثار كلماته وأعماله، وقدوتنا في ذلك هو رسولنا صلى الله عليه وسلم، الذي طيب خاطر زوجته صفية رضي الله عنها لما قالت لها حفصة رضي الله عنها: يا يهودية، وقال لحفصة: اتقي الله، بل ورد أن مسح دمعتها بيده الشريفة، ومنع الصحابة من سب أبي جهل رعاية لمشاعر عكرمة الذي جاء مهاجرا مسلما عائدا تائبا، وطيب خاطر الصعب بن جسامة عندما رد هديته، وأحسن الاعتذار له فقال:
(إننا لم نردها إلا أننا حرم) وطيب خاطر عبد الله ولد ابن أبي ابن سلول رغم أن والده هو رأس النفاق، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم حافلة برعاية المشاعر، فبأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم منه نتعلم من الدنيا كل خير.
وأرجو أن ينتبه كل أخرق من الرجال والنساء إلى تصرفاته وكلماته حتى لا يكون مصدرا للآلام والضيق لإخوانه وأخواته.
وهذه وصيتي للجميع بتقوى الله ثم بإدراك عظمة هذه الدين الذي يدعون إلى أن نعامل الناس بمثل ما نحب أن يعاملون به.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد وشكرا على تواصلك والسؤال.بالله التوفيق والسداد.