السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لعلي أجد الراحة في استشارتكم.
أنا ولله الحمد شاب يظهر علي الالتزام والتمسك بشرع الله إضافة إلى حسن الخلق والعلم والعمل المرموق.
على رغم صغر سني -26 عاما- فإن علاقاتي وصداقاتي مع من هم أكبر مني سنا ما فوق 35، سواء كان ذلك في العمل أو على المستوى الشخصي، يحبني الجميع ويحترمونني ويستشيرونني لأني ـ ولله الحمد ـ الشخص الذي أرفع الأذان وأقيم الصلاة وأقرأ عليهم ما تيسر من رياض الصالحين.
هذا أيضا في مسجد منطقتنا يقدمونني للإمامة بهم لما أحمل من جمال الصوت والترتيل، كل هذا وأكثر وأنا فرح بذلك، ولكن لا أرى في نفسي أني أستحق هذه المكانة.
عندما يراني أحد ويسمع عني الأخبار الطيبة دائما يقول لي: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ))[الطلاق:2-3] ولكنني أشعر بأسف وحزن شديدين لأني لا أرى في نفسي التقى! ولا أرى في نفسي ما أشعر به بأن الله سوف يرزقني حسن الختام.
أخاف أن يكون الله قد عجل لي الخير في الدنيا وحرمني منه في الآخرة.
أحب الله قيراطا وأخاف مكره 24 قيراطا.
أريحوني أراحكم الله، كيف أجمع بين الالتزام والشعور بالرضا في الأعمال؟ حيث أنني لا أجد أن ما أقوم به من عبادات هو خالص لله وأن الله يقبله مني.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإن استمرارك في الأعمال الصالحة سوف يوصلك إلى الإخلاص والدرجات العالية، وإذا أحسن الناس بك الظن فارتفع لمستوى ظنهم، واعلم أن الناس لا يعلمون منك إلا الظاهر، وأنت أعلم بنفسك من الناس، والله أعلم بك منك، فاجعل بينك وبين الله خبيئة من الأعمال الصالحة، وحاول أن تقوم من الليل، واحرص على أن تخلو بنفسك في بعض الأوقات، كما كان شيخ الإسلام ابن تيمية يفعل، وربما ذهب للصحراء يستغفر ويذكر ربه، وكان يجلس في الغداة يذكر ربه ويقول هذه غدوتي التي لولاها لم تحملني رجلاي، وحاول أن تبذل من أموالك سرا، فإن الفلاح لمن يتصدق بالصدقة فلا تعلم يمينه ما تنفق شماله.
وأرجو أن تعلم أن الخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر، وأن محبة الله مثل الرأس، هكذا قال ابن القيم رحمه الله، ثم قال: فإذا قص الجناح لم يستطع الطائر أن يطير وإذا قطع الرأس مات الطائر.
والفلاح للمؤمن أن يزيد جرعة الخوف في أيام العاقبة، فإن من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة، فإذا جاءت اللحظة الأخيرة غلب جانب الرجاء ليموت وهو يحسن الظن بالله كما قال معاذ بن جبل: ( اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك ) ومعاذ رضي الله عنه إمام الفقهاء.
وهذه وصيتي لك بتقوى الله، ثم بضرورة زيادة جرعات الحب لله؛ لأن العبادة حب وتذلل (( والذين آمنوا أشد حبا لله ))[البقرة:165] وأهل الإيمان وصفهم القرآن يقول الله: (( يرجون رحمته ويخافون عذابه ))[الإسراء:57].
والإنسان مهما عمل فما ينبغي أن يرضى عن نفسه، ومن هنا يكون الانطلاق للأمام والنجاح في الوصول إلى رضا من لا يغفل ولا ينام، وأنت ولله الحمد على خير والناس شهداء الله في أرضه، فاحمد الله على ما تسمع من الثناء، ولا تتوقف عند الثناء، وتوجه إلى رب الأرض والسماء، ومرحبا بك في موقعك بين الإخوان والآباء.
وكم نحن فخورين بأمثالك ممن يتقدمون صفوف الصلاة ويشنفون الآذان بكلام رب الأرض والسماء.
وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.