السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصف الحالة:
جيراني الذين يضايقونني من أقربائي.
بيتي تحت بيتهم ونتشارك بالمصارف الصحية... إلخ
طبيعتهم أنهم لا يتركون لنا مجالا للراحة لا في الداخل، حيث غرف النوم تعاني من صوت الموسيقى الصاخبة، ويقومون كل يوم بضرب أرضية السقف الثاني حيث يسكنون بأمور ربما كالعصا، وذلك يصدر صوتا مزعجا، فنستيقظ قبل استيقاظ العصافير بعدما ننام بحوالي نصف ساعة بعد أن نؤدي صلاة الفجر.
الموسيقى المزعجة -والتي ربما محرمة- ترن في آذاننا (24) ساعة في اليوم.
الشبابيك التي من جهتهم يقومون بفتحها عنوة دون علمنا فنقوم ونغلقها، والعكس: حيث عندما نحتاج لفتحها في الصباح يغلقونها!
مشكلتهم أن الأم حسودة وغيورة تراقب الداخل والخارج عن طريق الشرفة التي تطل مباشرة على ساحة بيتنا، فلا نشعر بالراحة؛ لأنها هي وأولادها الذين من شاكلتها يقومون بالمراقبة والتكلم بصوت عال لرؤيتنا بهدف إزعاجنا (يتكلمون بطريقة ملتوية ليجرحوا مشاعرنا).
الابن الأكبر هو اليد اليمنى لأمه، (عمر الأم (51) عاما، وعمر الأبناء (17)، (14)، (12).
يرمون بورق المرحاض المليء بالقاذورات، يقومون بالتحرش بإخوتي الصغار وضربهم والبصق عليهم عندما يرجعون من المدرسة.
باختصار: لا أعرف نوعا من الأذى إلا ونعاني منه منذ أن سكنوا فوقنا، (يعني: منذ (20) سنة قبل أن يأتي الأولاد المشاكسون)، لكن أمي صابرة وجميعنا صابرون، ونحاول أن نتعايش مع الوضع ريثما يفرجها الله.
الأب هو عمي ويمشي بصف زوجته وأبنائه.
خلال الـ (20) سنة كانت تظهر تلك العائلة على أنها مظلومة، حيث تسبقنا تلك " المرأة المشكلة " وتشتكي لجدتي فتحن عليها وتقف بصفها.
مشكلتهم أنهم يريدون الجميع أن يكونوا خدما لهم وألا يتقدم أحد عليهم، فعندما أتفوق بالدراسة يزيدون الأذى، وعندما نصلح بيتنا من الداخل -ليس للمنظرة، بل لأنه قد اهترأ- يزيدون كذلك ... إلخ.
أنا لا أحب أن أؤذيهم لأن ذلك من أذى الجار.
نحن صابرون لكن نفكر ببيع منزلنا والسكن بين جيران طيبين في بيت مستقل.
بالرغم من محاولتنا إخفاء ما نتقدم عليهم به من تحصيل علمي وتصليح المنزل إلا أنهم يقومون بمراقبتنا (24) ساعة في اليوم.
أريد استشارتكم ووقوفكم إلى جانبي بتلك المحنة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ سيف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
قد أسعدني صبر والدتك على الأذى، ونسأل الله أن يعطيها من الخيرات حتى ترضى، واعلموا بأن الصبر على الأذى صفة رسل الله الذين اصطفى، وقدوتكم في ذلك نبي الله يوسف ورسولنا المصطفى، فقد قال نبي الله يوسف لإخوانه الذين رموه في البئر، ودخل بسبب ذلك في ذل الرق، وانتهى به الأمر إلى السجن، ثم من الله عليه فصعد إلى السيادة في القصر، وجاءه إخوانه فعرفهم وهم له منكرون، فلما عرفوه أدركوا خطأهم وطلبوا عفوه فقال لهم: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) [يوسف:92]، أما رسولنا عليه صلاة الله وسلامه فقد قال لمن آذوه وقتلوا أحبابه وإخوانه: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وذلك بعد أن خضعت له رقابهم وذلت بتوفيق الله له نفوسهم.
لا شك أن الإنسان مطالب أن يصبر على أرحامه، وقد (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي)، فماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث بصلة الأرحام وكسر الأوثان؟ قال له يبشره: (لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)، وأعظم بها من بشارة، ومعنى (تسفهم المل) يعني: تطعمهم الرماد الحار، وهذا كناية عن الذنب الذي يلحقهم، ويكفي من يصبر على أذى أرحامه أن يفوز بتأييد الله ومعونته.
لا مانع من قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل صاحب نعمة محسود، ومن سوء الحسد أنه يشتد بين الأرحام والزملاء والجيران، ولكن الحسد داء يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود، كما قال معاوية رضي الله عنه:
(ما رأيت في خصال الشر أعدل من الحسد)؛ لأنه يتوجه للحاسد فيقتله دون أن يصيب المحسود، وقد أحسن من قال:
اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله *** فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
وكما قيل: ما رأينا ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد، ويكفي الحاسد ما يلاقيه من هموم وغموم وأحزان؛ لأن نعم الله تتنزل في الليل والنهار والحاسد يتألم لكل ذلك، وهو مسيء للأدب مع الله لأنه لم يقبل بقسمته بين عباده، وقد أحسن من قال:
ألا قل لمن يأتني حاسدا * أتدري على من أسأت الأدب
فظنك في خالقي سيء * لأنك لم ترض لي ما وهب
فكان جزاؤك أن زادني * وسد عليك طريق الطلب
أما بالنسبة لترك المكان فأرجو عدم اللجوء إليه، إلا إذا لم تطيقوا الصبر؛ لما يترتب على ذلك من جفوة وآثار سالبة، ومع ذلك فالأمر متروك لكم، وأرجو أن تطيعوا الوالدة وتفعلوا ما يرضيها، واعلموا أن لله في ذلك حكما عظيمة، وقد أحسن من عبر عنها بقوله:
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت * ما كان يعرف طيب عرف العود
واعلموا أن الله قال في كتابه: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) [الأعراف:199]، ومعنى ذلك أن يعطي الإنسان من حرمه، وأن يصل من قطعه، وأن يعفو عمن ظلمه، وما زال التغافل من خلق الكرام، واعلموا أن الإحسان يكسر حدة العداوة، وأن الهدية تسل السخيمة.
هذه وصيتي لكم بتقوى الله، وأرجو أن أعلن إعجابي بصبركم، ونحن نتمنى أن يدرك كل الناس أن صلة الرحم لا يمكن أن تحصل إلا بنسيان المرارات والارتفاع فوق الجراحات، ونسأل الله أن يرفع لكم الدرجات.