كيف يفرق بين الانتكاسة والاضطراب ثنائي القطبية؟

0 824

السؤال

السلام عليكم:
أنا صاحب الاستشارة رقم (273774) حيث تمت الإجابة على رسالتي من قبل الدكتور محمد عبد العليم، وفي هذه الرسالة أود أن أضيف بعض المعلومات التي أراها مهمة.
لقد تمت الإجابة على رسالتي بالقول بأنني أعاني من اضطراب وجداني ثنائي القطبية، وليس أحادي القطبية، وقد انزعجت لذلك كثيرا، ولا أقول هذا من أجل إزعاجك، ولكنها الحقيقة وأنا ممتن لك.
أنا أعرف أن الاكتئاب الوجداني ثنائي القطبية يصعب تشخيصه، وأود الاشارة هنا إلى أن التحسن ظهر علي بعد تناولي للدواء، وليس قبله، فأرجو أن تأخذ هذا في عين الاعتبار.

السؤال هنا كيف أفرق بين الانتكاسة والاضطراب ثنائي القطبية؟ وأيضا بين التحسن والهوس؟ بمعنى الإنسان إذا تحسن 'بسبب الدواء' نقول أنه مصاب باضطراب ثنائي القطبية، وفي هذه الحالة هو الهوس.

أرجو أن لا أكون قد بالغت في وصف حالتي في الرسالة السابقة؛ لأنني وبصراحة أحسست بالتحسن ولا أدري بالضبط ما هي درجته؟ ولكني من شدة ما عانيته سابقا -أي قبل تناولي للدواء- ربما بالغت في وصف حالتي، وأرجو أن لا تأخذ كلامي على أنه إيحاء لك بالتراجع عن تشخيص حالتي، ولكن من باب التذكير فقط؛ لأني أعلم أن الحالات النفسية في مجملها يصعب تشخيصها.

إذا سلمت أني مصاب بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، وفي هذه الحالة التوجه العام للعلاج هو استعمال مثبتات المزاج، وسؤالي قد يبدو غريبا السؤال هو: على أي قطب تعمل هذه المثبتات هل على قطب الاكتئاب أم على قطب الهوس والانشراح؟

أعاني من عسر المزاج أي أن مزاجي في معظم الأوقات ليس على ما يرام، فقد أكون اليوم في مزاج جيد وغدا العكس، وفي معظم الأوقات أحس بضعف الشخصية وضعف الثقة بالنفس في أمور كثيرة، وكم ذكرت لك في الرسالة السابقة أنني أستطيع أن أضحك وأمزح مع الناس لكن ليس من قلبي، بمعنى أنني لا أحس بالفرح الداخلي كالسابق مثلا، كما أن الإحساس لدي ضعيف أي أنني لا أحس بمشاعر الآخرين فهل أن دواء "الدبكين كرونو" الذي وصفته لي سوف سيحسن من مزاجي المتعكر أم أنه سوف يثبته فقط؟ وما هي آثار هذا الدواء؟ وهل يمكن الحصول على الدواء المذكور بدون وصفة طبية؟ حيث أنني لا أستطيع مناقشة هذا الأمر مع الطبيب لأنه لا يعطي الوقت لأي مريض، وأنا أتفهمه؛ لأن الأمراض النفسية ليست ككل الأمراض، لكنه يكتفي بالقول أنت بخير لا تقلق وأنا لست كذلك بالمرة.

هل دواء ديباكين كرونو يسبب النوم لأنني أعاني من النوم؟.

إنني أتعرض بالإضافة إلى تأنيب النفس والضمير إلى تأنيب العائلة لكونهم لا يتفهمون طبيعة مرضي، وخصوصا والدي، ورغم أنه مثقف جيدا إلا أنه يؤنبني بالقول لماذا تفكر كثيرا؟ ما هي مشاكلك؟ دع المشاكل جانبا؟ وأنا والله الذي لا إله إلا هو لا أستطيع.
أريد منك -يا دكتور- أن تشرح لهم طبيعة مرضي ومنشأه، وأنه ككل الأمراض العضوية، وأسبابه ونتائجه على الفرد... إلخ.
أتمنى ألا أكون قد أزعجتكم كثيرا برسائلي المتكررة.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ المتفائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
حقيقة أنا سعيد جدا لهذه الرسالة وهذا بالطبع يدعونا لمزيد من التوضيح حقيقة إذا حدث نوع من الانشراح الذي يعتبر فوق المعدل الطبيعي للإنسان هذا دليل بالطبع على أن القطب الانشراحي موجود لأن القطب الآخر هو القطب الاكتئابي ويعرف عن الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية أنه في الآونة الأخيرة حدث كثير من التقدم في تشخيصه وأنا كنت أرى أن الانشراح الذي حدث لك والثقة الزايدة في النفس وحتى زيادة الحركة الجسدية والذي نتج عن تناول الأدوية هو في الحقيقة اضطراب وجداني من الدرجة الثانية أو الثالثة، وليس الأولى، وهذا معروف في مصطلحات ومراجع الطب النفسي، بمعنى أن الدواء قد يسبب اضطراب وجداني ثنائي القطبية من الدرجة الثانية أو الثالثة، ولكن هذا لا يحدث إلا للشخص الذي لديه الاستعداد أصلا بمعنى أن الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية هو في الأصل موجود كان كامنا أو لم يظهر قطبه الآخر -وهو القطب الانشراحي- إلا بعد تناول الأدوية المضادة للاكتئاب، وهذا نشاهده كثيرا حين نعطي بعض المرضى العلاج الكهربائي.
قبل شهرين أتاني أحد المرضى من دولة مجاورة، وذكر أنه يعاني من اكتئاب شديد، وفعلا أدخلناه المستشفى وكان اكتئابه عميقا، وكان من الواجب أن نعطيه الجلسات الكهربائية، وقد قمنا بذلك، ومن الجلسة الثالثة لاحظنا أنه أكثر انشراحا وحركة وزاد كلامه للدرجة التي نراها أيضا أنها غير طبيعية، وكان بالطبع القرار أن نوقف الجلسات الكهربائية، وأن نعطيه دواء مثبتا للمزاج، وهذا هو الذي حدث، وهذا الشخص لم يشك مطلقا من أي انشراحات في السابق، كان دائما يعالج كمريض مكتئبا وكان يتناول أيضا أدوية الاكتئاب، ولكن أدوية الاكتئاب لم تدفعه للقطب الانشراحي، ولكن العلاج الكهربائي لقوته وشدته دفعه إلى هذا التحول، وهذا أيضا يعتبر ثنائي القطبية.
يا أخي الكريم أنا لا أودك أن تنزعج مطلقا للاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، الكثير من الكتاب ومن الشعراء ومن المهتمين بالأدب يقال إن لديهم شيئا من الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، وهذا حقيقة ما ذكرناه لك ما هو إلا اجتهاد، ونسأل الله أن نكون على الصواب.
أنا لا أقول الذي وصلت إليه هو درجة الهوس؛ لأن الهوس يوجد في الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية التي من الدرجة الأولى، ولكن من الدرجة الثانية والثالثة هو حالة انشراحية، ويجب أن توصف كذلك.
إذن الفرق بين التحسن والهوس هو فرق كبير جدا: الهوس حالة مرضية تضطرب وتتطاير فيها الأفكار، ويشعر الإنسان بما نسميه بالانتفاخات الداخلية، يشعر بأنه منتعش، أنه أكبر من حجمه في حركاته وكلامه، وربما يأتيه شيء مما يسميه بعضهم بجنون العظمة.
إذن هذه حالة مرضية، ولكن الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية من الدرجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة تكون حالة الانشراح فيه واضحة، ولكنها لا تصل مرحة الهوس مطلقا.
أرجو أن يكون الأمر قد اتضح لك الآن.
أشكرك مرة أخرى على قيامك بالتوضيح، وأنا كنت حريص جدا في المعلومات التي ذكرتها لك في المرة الأولى؛ لأنه من واجبنا أن نطمئن الناس لا أن نسبب لهم المخاوف، ولكن اجتلاب الحقائق العلمية دائما يعتبر هو الأفضل وهو الأصدق، وحقيقة الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية ليس أسوأ من الاكتئاب النفسي أحادي القطبية، كما أنه أخي الكريم عمرك هو عمرك الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية وليس عمر الاكتئاب النفسي، وإن كان الاكتئاب النفسي أحادي القطبية ربما يحدث أيضا لصغار السن.
حقيقة أنا أقول لك أيضا: سوف يكون من المفيد إذا سألت أحد المقربين إليك حين مرت بك هذه الحالة الانشراحية أو التحسن كما وصفته: ما مدى وحجم هذا التحسن؟ وما هو نوع تصرفاتك في ذاك الوقت؟ هذا أيضا يفيد كثيرا بالنسبة لعمل مثبتات للمزاج الصورة ليست واضحة، ولكنها تعمل في الحيز الذي يؤدي إلى توازن بين الموصلات العصبية التي تؤدي إلى الاكتئاب والموصلات العصبية الأخرى التي تؤدي إلى الهوس أو إلى الانشراح، وهذه الحقيقة أدوية لن يكتشف هذه الفعالية أو الخاصية التي تتميز بها إلا في سنوات أخيرة؛ لأنها معظمها أدوية مضادة للصرع وتستعمل في علاج الصرع.
بالنسبة لنوع الأدوية التي تستعمل في علاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية فالمدرسة الأمريكية تحتم على استعمال مثبتات المزاج فقط، أما المدرسة الأوروبية فلا تمانع من استعمال مضادات الاكتئاب بجرعة صغيرة وبحذر إذا تطلب الأمر ذلك، وذلك بجانب مثبتات المزاج، وفي بعض الحالات يمكن أن تضاف جرع صغيرة من الأدوية المضادة للذهان والتي يعرف أيضا أنها من مثبتات المزاج مثل العقار الذي يعرف باسم أولانزبين بالنسبة لعلاج دبكين كرونوا، هذا إن شاء الله سوف يساعدك كثيرا في أن يتحسن مزاجك وأن يصل مزاجك في مرحلة سواء، بمعنى ألا يكون هنالك انشراح ولا يكون هنالك اكتئاب.
ويا أخي بالطبع لابد أن تكون فعالا حتى تسعد نفسك، الأدوية تساعد كثيرا ولكن لا تحل كل مشكلة، كن متفاعلا، كن دائما متحفزا؛ لأن تنجز، ولا تطاوع نفسك أبدا حين تنتابك نوبات الاكتئاب والإحباط، هذا أمر ضروري من الناحية التأهيلية، وهو يمثل ركيزة أساسية من ركائز العلاج.
يمكن الحصول على الدبكين كرونوا وصفة طبية ولكن بالطبع هذا يعتمد على قوانين الدول، فالأمر يختلف من بلد إلى أخر، ولكنه ليس من الأدوية المحظورة ولا من الأدوية التي تسبب الإدمان، وحاول أن تستفسر من طبيبك ربما لديه فرصة، وتذكر له ما ذكرته لك مهما كان مشغولا، فمن واجبه أن يعطيك الوقت المناسب للإجابة على كل استفسار، ولكن كرونوا قد يسبب زيادة بسيطة في النوم في الأيام الأولى، ولكن بعد ذلك يختفي، فلا تنزعج أبدا فهو ليس دواء منوما ولكن ربما يسبب زيادة بسيطة في النوم.
لا تكن ضحية لتأنيب الضمير، ولا تكن ضحية لمحاسبة نفسك أكثر مما يجب، المرض ليس بعيب أبدا، قد لا يفهم ذلك بعض الناس لكن هذا لا يهم ما دام الإنسان يعرف قدره حقيقة.
الحمد لله الآن التفهم للحالات النفسية أصبح ممتازا، وقد تقدم تقدما جيدا، وأنا أرى أنه سوف يكون من الجيد إذا طرح نوع من الحوار مع أسرتك، لا تقل لهم إني مريض، ولكن حاول أن تتحاور معهم أنك في بعض الأحيان تعاني من كذا وكذا، وقد سمعت أن ذلك ربما يكون حالة نفسية بسيطة ولكنك إن شاء الله سوف تتخطى هذه العقبة، وهكذا يجب أن يكون هنالك نوع من الحوار الإيجابي، والآباء يحبون ذلك بالرغم من أننا نعتقد في كثير من الأحيان أنهم يرفضون ذلك أو أنهم يصرون على آرائهم.
الحوار إذن هو المدخل الرئيسي للتفاهم مع الأسرة، أنت للمرة الثانية تسأل: ما هي طبيعة مرضك؟
أنا أعتقد أنك تعاني من اضطراب وجداني ثنائي القطبية من الدرجة الثانية أو الثالثة، ومنشؤه بالتأكيد لا أحد يستطيع أن يجيب على هذا السؤال، ولكن هنالك نظريات تقول إنه ربما يلعب العامل الوراثي دورا، لا أعرف إن كان لديك أحد الأقرباء يعاني من هذا المرض أم لا، وإن لم يوجد لا نعرف الأجداد السابقين.
بالطبع الشيء الثاني يقال إن هنالك نشاطا كيميائيا يحدث لإصابات بسيطة في الرأس أثناء الصغر، ويقال أنه لا توجد أي مسببات لهذه الحالات.
والذي أود أن أؤكده لك وهو من وجهة نظري أنك باتباعك للإرشادات وتناولك العلاج، وأن تحاول أن تكون فعالا في حياتك وتستثمرها بالصورة الصحيحة، صدقني أنك سوف تعيش حياة طبيعية جدا، وسوف تكون في صحة نفسية كاملة؟
أسأل الله لك الشفاء والتوفيق، وأشكرك مرة أخرى على رسالتك المفصلة والشيقة، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات