سبب التشتت وعدم التركيز عند قراءة موضوع ما وعلاجه

0 678

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد قدمت لي نصائح غالية، ولقد عملت بها والحمد لله أنا أكثر هدوءا من ذي قبل، الآن أريد سؤال حضرتك عن تشعب الأفكار (متعلق بالرسالة).

عندما أفكر في رأس موضوع أجد نفسي أفكر في موضوع آخر؛ مما يجعلني أتشتت، وكلما أقرأ مقالا أو كتابا أشعر بأني لا أعرف شيئا، حاليا أنا آخذ كبسول جنكو بلس يوميا (خلاصة جنكوبيلوبا 24% 50 مجم +خلاصة جنسنج 10%100 مجم), فهل هذا يساعد على التركيز أم أحتاج إلى شيء آخر؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على هذا الفضل العظيم الذي من الله عليك به، فإن هذا التحسن إنما هو من فضل الله وحده، وأيضا هو دال على هذه العزيمة الماضية التي لديك، فأنت قد أخذت بما قد علمت من صلاح دينك ودنياك، وهذا يجعلك - بإذن الله عز وجل – داخلة في قول الله جل وعلا: ((الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب))[الزمر:18]. ويبقى ها هنا الإشارة إلى ما تعانين منه من تشعب الأفكار، والتي أوضحتها بكلام جلي عندما ذكرت أنك تدخلين في رأس الموضوع، فتجدين نفسك أنك قد دخلت في موضوع آخر، فهذا أمر له أسبابه، وأسبابه يمكن حصرها بالآتي:

1- نوع من الآثار السابقة لتشتت الذهن الذي كنت تعانين منه، والذي كانت تشتد وطأته عليك كما أشرت في كلامك الكريم.

2- موضوعك الذي تحاولينه والذي تريدين أن تحققي فيه أملك وأمل أهلك بالنجاح في هذه الرسالة التي تودين تحضيرها؛ فأنت تشعرين بأهمية الموضوع؛ ولذلك ينتابك نوع من القلق من الإخفاق فيه فهذا يجعلك تدخلين في دراسة بعض المواضيع، وأنت لديك قلق كامل في نفسك من الإخفاق، فهذا يؤدي إلى ضعف التركيز أيضا - كما لا يخفى – وهو أيضا من العوامل التي تشتت الذهن؛ لأن الذهن غير صاف في هذه الحالة، بل هنالك ما يعكر عليه، وهو هذا القلق الذي لازلت تجدينه من الخوف من الإخفاق، لاسيما وأن الموضوع الذي قد اخترت قد أشرت إلى أنه موضوع جديد، حتى إن مشرفتك الكريمة ليس لها إلمام بجوانبه.

3- عدم جمع النفس وجمع الخاطر والذهن عند إرادة النظر في موضوع من المواضيع، وهذا السبب الأخير هو من أوكد الأسباب، فإن حل هذه المشكلة التي لديك يكون بأمر سهل وميسور لو أنك قد أخذت به، فجربي مثلا أن تستعدي لقراءة موضوع مهم تريدين تحضيره بأن تقومي بصلاة ركعتين قبل البداية – هذا إذا كنت خالية من العذر من الحيض – وأما إذا كنت غير قادرة على الصلاة بسبب هذا العذر فيمكنك الاكتفاء بأن تجلسي وحدك لبضعة دقائق تذكرين الله جل وعلا تسبحينه وتهللينه وتحاولين جمع قلبك عند ذكر الله جل وعلا بتدبر ما تقولين، فإذا قلت: الحمد لله؛ تذكرت نعمة الله عليك وما أولاك إياه من هذه النعم الجليلة والتي أعظمها نعمة الإيمان، والتي من أعظمها أيضا نعمة الحفاظ على نفسك والحفاظ على حجابك، والبعد عن العلاقات المحرمة، وغير ذلك من الأمور التي أسبغها الله عليك نعمة عظيمة منه بحيث تستحضرين هذه النعم.

4- فإن قلت: فما فائدة هذا الأمر؟ فالجواب: أن الأمر ظاهر، إن ذكر الله جل وعلا يجلب لك طمأنينة النفس؛ قال تعالى: ((الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب))[الرعد:28]. وأيضا فذكر الله جل وعلا يجلب لك الشعور بالإيمان: ((الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون))[الأنعام:82].

أيضا: فهو نوع من التدريب والمران على أن تجمعي فكرك عند إرادة النظر في أمر ما، فكما جمعت فكرتك واستجمعت نفسك على استحضار معاني ذكر الله جل وعلا وتسبيحه وتهليله وتعظيمه عز وجل، فكذلك عند إرادتك أن تنظري في موضوع من هذه المواضيع، ثم بعد ذلك تنتقلين إلى الموضوع الذي تريدين قراءته، فتبدئين بقراءة الموضوع بتمهل وتمعن، وتجعلين همك في فهم الكلمة التي تقرئينها، ثم بعد ذلك تقومين بتقييد الفائدة التي قد حصلتها من هذا الموضوع وعلى الفور في دفتر خاص بحيث تكوني ممسكة بيدك بالقلم، فإن هذا يعينك على التركيز على تقييد الفوائد، وهذا يستغرق منك وقتا زائدا في قراءة الموضوع، إلا أنك تحصلين بعد ذلك زبدة لهذا الموضوع قد قيدتها على هيئة فوائد وعلى هيئة إشارات في دفتر خاص، مشيرة إلى رقم الصفحة ورقم الفقرة، فبهذا توجدين سببا آليا في يدك يعينك على استحضار الذهن وإمعان النظر في المادة التي تقرئينها، وهذا مع التدرب عليه مرة ومرتين وتكرار ذلك ستجدين أنه قد صار سجية لك، وأنك - بحمد الله عز وجل – قد خرجت من ضعف التركيز وشتات الذهن إلى جمع النفس وجمع القلب على ما تودين تحصيله من المواضيع، ومن المواد التي تحتاجين إلى الإمعان النظر فيها.

بل إن هذا الأسلوب يعينك كثيرا في تحصيل الفوائد، فعند الحاجة إليها تجدين أنك قد قيدت هذه الفوائد بطريقة سهلة ميسرة تستطيعين الرجوع إليها عند الحاجة، وفوق ذلك يعينك على أن تنظري في هذا النص المهم من حين إلى آخر فيظل حاضرا في ذهنك أيضا فتستحضرينه عن ظهر قلب وقت ما احتجت إليه؛ ولذلك فإننا نفضل في هذه الحالة أن تقيدي الفائدة التي تريدينها بنقلها إلى دفتر خاص، وليس فقط بالإشارة إليها إلا إذا كانت طويلة جدا، فحينئذ تكفي الإشارة إليها وأن تلخصي المعنى، فمثلا: لو أنك كنت تحضرين درسا وهنالك فقرة تتعلق بالآداب الاجتماعية – وهذا على سبيل المثال – فحينئذ تقيدينها بأن تكتبي: فقرة مهمة في الآداب الاجتماعية تتعرض إلى نقاط عملية لتحصيل ذلك.. فبهذا يصبح لديك إلمام بجملة الموضوع بمجرد قراءة هذا السطر، وتعودين إلى الموضوع لاستحضار معانيه.

هذا الأسلوب هو من الأسلوب السلوكي الذي يعين على التركيز الذهني، لأنك استخدمت في ذلك الأمور الظاهرة مع الأمور الباطنة، فالأمور الباطنة هي جمع النفس على تدبر المقروء والأمور الظاهرة هي استخدام التقييد واستخدام الكتابة في هذا الشأن، مما يجمع همتك على تفهم هذه العلوم التي تحصلينها.

نود أن تبدئي بدايتك في هذا الأمر، وأن تحرصي عليه، وأن تعيدي الكتابة بعد أسبوعين أو ثلاثة إلى الشبكة الإسلامية بذكر النتائج التي توصلت إليها، والتي - بإذن الله عز وجل – نأمل أن تكون الفائدة قوية وظاهرة في هذا الشأن، فعلك تجدين آثار ذلك في القريب العاجل، لا سيما مع الدعاء والتضرع إلى الله جل وعلا؛ فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فاسألي ربك جل وعلا أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن ييسر لك الصعب، ودائما استحضري هذا الدعاء العظيم: (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا).

وبالله التوفيق.

انتهت إجابة المستشار الشرعي الشيخ أحمد مجيد هنداوي، تليها إجابة المستشار النفسي الدكتور محمد عبد العليم:
______________


كما ذكر لك الشيخ الفاضل الهنداوي، عليك باتباع التمارين السلوكية التي تقوم على التركيز والكتابة، ثم الاسترجاع لما تم تذكره، وسيكون لك أيضا من المفيد لك أن تتذكري موضوعين أو ثلاثة في نفس الوقت، ثم بعد ذلك تقولين لنفسك: لا، أنا سوف أتذكر موضوعا واحدا، وحاولي أن تتذكري الموضوع ذا الأهمية حسب المقام في ذاك الوقت، وهذا الموضوع الذي تفكرين فيه يجب أن تسمعي نفسك صوت عقلك، بمعنى أن تكون هنالك حدة في التفكير، ويا حبذا إذا تلفظت بالفكرة، لا بأس في ذلك أبدا، حاولي أن تتلفظي بنفس الأفكار في وقتها، وهذا أيضا يساعدك كثيرا، إضافة لما ذكره الشيخ الهنداوي.

عليك أيضا بممارسة الرياضة، نحن نقول إن الرياضة مفيدة جدا لتحسين التركيز وتحسين النوم، هذا أمر جرب وهنالك دراسات كثيرة تفيد في ذلك، ومن أفضل الرياضات هي رياضة المشي، فعليك بالحرص على ذلك حسب ما يتيسر لك.

حاولي دائما أن تقرئي بعض المواضيع حين تستيقظي من النوم، اقرئي موضوعا قصيرا وحاولي أن تركزي على هذا الموضوع، وقد وجد أن التفكير في الأمور بعد الاستيقاظ من النوم وقراءتها وتكرارها يثبت المعلومة، وفي نفس الوقت لا يفسح أي مجال لتشتت وتطاير الأفكار.

بالنسبة للدواء وهو كبسول الجنكوبلاس، الجنكوبلاس لا بأس به حقيقة، هي مكونات فيتامينية، وبها بالطبع بعض المشتقات المعدنية، وهي تفيد في تحسين التركيز بنسبة بسيطة وإن اختلف الناس في جدواها، ولكن الذي أؤكده لك تماما أنها لا تضر، فيمكن تجربتها؛ ولكن حقيقة أرى أن الذي سوف يساعدك أكثر هو أحد الأدوية المضادة للقلق، خاصة أن هنالك أدوية ممتازة وطيبة مضادة للقلق، وفي نفس الوقت إذا كان هنالك أي نوع من الاكتئاب الخفي البسيط سوف تزيله، الدراسات تشير أن البروزاك يعتبر دواء محسنا للتركيز بدرجة كبيرة؛ لأنه يزيل القلق ويساعد كثيرا على لملمة الأفكار.

بالطبع الدواء يتطلب أيضا أن يحسن الإنسان من إرادته نحو تحسين تركيزه، هذا أمر مهم جدا، فأختي الكريمة أرجو أن تتناولي البروزاك بمعدل كبسولة واحدة يوميا لمدة ثلاثة أشهر أيضا، هو دواء سليم وممتاز وفعال وقد استفاد منه الكثيرون، فعليك بجانب الجنكوبلاس أن تتناولي البروزاك.
وأكرر أن ما ورد في رسالة الشيخ الهنداوي يعتبر إرشادا قيما، فأرجو اتباعه.

عليك بصفة عامة أيضا أن تديري وقتك بصورة صحيحة، أخذ قسط كاف من الراحة يعتبر أمرا ضروريا جدا لتحسين التركيز، وكما ذكرنا أيضا الرياضة تعتبر ضرورية، مع تعلم التفكير الإيجابي دائما مهما كانت هنالك صعوبات في الحياة، مهما كانت مشاكل، هنالك إيجابيات كثيرة في حياة الناس، استذكار هذه الإيجابيات والتركيز عليها يحسن كثيرا من الصحة النفسية، وحين تتحسن الصحة النفسية يتحسن بالطبع المزاج، وكذلك التركيز.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات