كيفية التغلب على الخوف من البحر

0 502

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

سؤالي: أفيدكم بأنني أخاف جدا من البحر، وأخاف الركوب في المراكب البحرية، مع العلم بأنني سباحة جيدة وأغطس على عمق خمسة أمتار ولكن في المسبح فقط؛ لأنني متأكدة بأنه ليس هناك حيوانات بحرية، فإني أخاف منها كثيرا، ونقلت خوفي لبناتي الاثنتين، ولا أدعهما تسبحان في البحر حتى ولو كانتا مع والدهما، أبقى متوترة جدا، مع العلم بأنني أتركهما تسبحان في المسبح، وهما تعرفان السباحة.

وأصبحت أصاب بالدوران عندما أرى البحر، وحتى عندما أكون أتمشى على الكورنيش أدوخ؛ لمجرد النظر إلى الماء، مما يسبب لي مشاكل مع زوجي، وعندما أرى منظر تسونامي في التلفاز أدوخ، فما الحل؟

آسفة على الإطالة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

هذه حالة من حالات المخاوف الخاصة، ومعروف أن المخاوف تنقسم إلى عدة أقسام، ومن أهمها المخاوف الاجتماعية، أي: أن يخاف الإنسان حينما يكون في وضع اجتماعي معين أو مع مجموعة من الناس، أو في مناسبة معينة، وهناك نوع من الخوف يحدث للناس في حالات التجمعات أوفي الأماكن الضيقة أو الأماكن المرتفعة، وفي حال ما إذا عرف الإنسان أنه يوجد في موضع لا يمكنه الهروب منه، هذا نوع من المخاوف المنتشرة جدا، تأتي بعد ذلك المخاوف الخاصة ومنها نوعية المخاوف التي ذكرتها، وهناك المخاوف من الحيوانات، والمخاوف من رؤية الدم، والمخاوف من الكوارث الطبيعية أصبحت في زماننا هذا من المخاوف المنتشرة جدا، وهذا هو الذي يجعلك تخافين من مشاهدة تسونامي.

أختي الكريمة! المخاوف أمر مكتسب، هذه هي الحقيقة الأولى، وهي لا تدل على ضعف شخصية الإنسان مطلقا، ولكن أيضا إذا راجعنا المخاوف نجد أن معظم الذين يعانون من هذه المخاوف كان لديهم نوع من المخاوف في فترة الطفولة، لا أقول جميعهم ولكن معظمهم، ولذا تحدث الناس كثيرا في مجال الطب النفسي عن علاقة المخاوف بالشخصية.

عموما فهي مكتسبة، والشيء المكتسب يمكن أن يفتقده الإنسان، والمبدأ العام والمبدأ الأساسي في علاج المخاوف هي ألا يتجنبها الإنسان، بل يواجهها.

إذن المواجهة وعدم التجنب هي المبادئ الأساسية بالطبع، ربما تقولين: إن هذه هي مشكلتي وربما لا أستطيع أن أواجهها، وأنا أقول كلا، فإن الإنسان يستطيع أن يواجهها.

وتقسم المواجهة إلى مواجهة في الخيال ثم مواجهة في الحقيقة، نقصد بالمواجهة في الخيال مثلا: أن تجلسي في مكان في المنزل وتكوني مسترخية، وبعد ذلك تتأملين أنك على الكورنيش وأنك تنظرين إلى البحر، وبعد ذلك تتطورين من مستوى التأمل الخيالي لديك وتتصورين أنك في مركب وأنت الآن في عرض البحر، وربما قد يكون حدث نوع من المكروه للمركب وأنت سباحة جيدة وماهرة واضطررت إلى السباحة وإنقاذ بعض الناس، هذه الخيالات لا تكون مجدية إلا إذا عاشها الإنسان بجدية، كأنه نقل نفسه إلى الواقع وإلى الحقيقة، والذين يطبقون هذه الممارسات النفسية السلوكية بجدية يشعر الكثير منهم بالقلق، وقد أتاني من قال: إنه أصبح يعاني من الهلع ونوبات القلب الشديد حين يتخيل هذه المواقف، وهذا يدل على الجدوى العلاجية، نعم نحن نريد الناس أن يرتفع مستوى قلقهم حين يواجهون؛ لأن الحقيقة العلمية تقول: إن ارتفاع القلق لا يستمر لأكثر من خمس إلى ست جلسات، أو ما يعرف بجلسات التعرض، بعدها يبدأ القلق في مرحلة عدم الزيادة أو مرحلة الاستواء، وبعد ذلك يبدأ في الانخفاض التدرجي حتى ينتهي تماما.

إذن -أختي الكريمة- هذه وسيلة من وسائل العلاج يجب أن تبدئي بها، ولابد أن تكون لك جلسة نفسية مع النفس مرتين في اليوم صباحا ومساء، ويجب ألا تقل الجلسة الواحدة عن (20) دقيقة، وبعد ذلك تبدئين في التطبيق العملي، ولا مانع أن تذهبي إلى الكورنيش بصحبة زوجك، لا شيء يمنعك من ذلك تماما، ويمكنك أن تأخذي نفسا عميقا حين تشاهدين منظر البحر، هذا النفس العميق يعطي الإنسان شعورا بالثبات، ويحسن من مشاعر المواجهة لديه، هذا أيضا تمرين يجب أن يكرر يوميا، والذي أراه أنه يمكن أن تكون المواجهة في اليوم الأول لمدة عشرة دقائق وليس أكثر من ذلك، وأنت حين تعرفين أنك سوف تكونين عرضة لهذا الموقف لمدة عشر دقائق فقط أحسن أيضا، وسوف يحسن من مستوى قبولك للموقف، وبعدها في اليوم الثاني ارفعي المدة إلى ربع ساعة وبعدها هكذا، وبعد ذلك يمكنك أن تجربي دخول البحر بالصورة التي ترينها في المكان المناسب بالنسبة لك كامرأة، وهذه هي الطريقة العلاجية الجيدة جدا والتي أثبتت فعاليتها إذا طبقها الإنسان بجدية.

وبالنسبة للطفلتين يجب ألا تجعلي الطفلتين عرضة للمخاوف، بمعنى أنه لا يجب الحديث في الموضوع أمام هاتين الطفلتين، ويجب إخفاء مشاعر الخوف التي لديك بقدر المستطاع، وأنا شخصيا أنظر إلى أن السباحة في البحر بالنسبة للأطفال ربما تكون غير سليمة، ولكن هذه وجهة نظري الخاصة.

وكما ذكرة لك المبدأ العلاجي الأساسي هو ألا تظهري مشاعرك بالنسبة للطفلتين، وكذلك أن تتاح لهما فرصة التعرض لمصدر الخوف بقدر المستطاع.

أما بالنسبة لمخاوفك نحو سلامة الطفلتين بأخذ الاحتياطات اللازمة والحذر والدعاء لهما بالحفظ.

بالنسبة لمناظر تسونامي والكوارث الطبيعية بصفة عامة، فعلى الإنسان عدم التجنب، وعليه أن يعرض نفسه بأن يقرأ عن هذه الأمور أكثر، وإذا وجد أي فرصة لمشاهدة هذه الكوارث على التلفاز فهذا حسن.

إذن: لنرجع للمبدأ الأول وهو عدم التجنب، والتعرض بقدر المستطاع بدرجة الكثافة التي يتعرض لها الإنسان سوف تكون المنفعة العلاجية.

وجد أن تمارين الاسترخاء تساعد في علاج مثل هذه المخاوف، إذن يمكنك أن تتدربي على هذه التمارين، وتوجد أشرطة في بعض المكتبات مثل (مكتبة جرير) و(مكتبة الأمة للمطبوعات والصوتيات) في الدوحة، وتوجد أشرطة لكيفية القيام بالاسترخاء، إذن الاسترخاء من الأشياء التي تفيد بالنسبة للعلاج الدوائي.

وهناك بعض الأبحاث تشير أن العلاج الدوائي ربما يساهم أيضا في تخفيف هذه المخاوف، ولكنه بالطبع -أي: العلاج الدوائي لوحده- لا يعتبر مفيدا، وهناك أدوية مثل البروزاك ومثل الفابرين ومثل السبيرالكس ينصح البعض بتناولها، وأنا شخصيا لدي تجارب إيجابية مع السبيرالكس، فقد نصحت بعض الإخوة والأخوات الذين يعانون من المخاوف عامة والمخاوف الخاصة بتناوله، وقد استفاد الكثير منه، فلا مانع ولا بأس أن تجربي هذا الدواء، وهو من الأدوية السليمة جدا.

جرعة السبيرالكس هي ( 10مليجرام ) ليلا لمدة أسبوعين ثم ترفع الجرعة إلى (20 مليجراما ) ليلا لمدة ستة أشهر، ثم تخفض( 10مليجرام ) لمدة شهرين، ثم يمكنك التوقف عن هذا الدواء.

أسأل الله تعالى أن يجعلك تتغلبين على هذه المخاوف، وعليك الثقة بنفسك وأن تكويني جادة في تطبيق التمارين السلوكية في ذات الوقت، وأن يكون لديك إرادة قوية، وإرادة التغيير.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات