السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل التأثر بمشاهد التلفاز له دلالات نفسية أو غيرها؟ فمثلا عند حضور مشهد فيه عنف أو توتر واضطرب وأحيانا تنتابني أفكار غريبة، فلماذا يحدث هذا؟ وهل هو شدة التعلق بالمشهد وبما فيه؟ أم ماذا؟
طبعا أنا لست من هواة التلفاز وأفلام الهبل من العنف والرعب وغيرها! ولكن أحيانا ربما أرى مشهدا هنا أو هناك وبعدها يصير الشعور الغريب والأفكار الغريبة.
هذا الشق الأول من استفساري؟
الشق الثاني: لماذا فعلا تأتي على الإنسان أفكار غريبة مثل أنه سيقع إذا كان على مكان مطل أو مثلا أنه سيقوم ويصرخ والإمام يخطب الجمعة أو أنه سيخرج ريح بصوت وسط مجموعة من الناس، طبعا المشكلة أن هذه الأفكار تحدث نوعا من الارتباك للحظات وبعدها يزول الأمر وكأنه لم يحدث. طبعا لا أعتقد أنه انفصام ولكن من يومين قرأت كتابا اسمه الصحة النفسية للدكتور علاء الدين الكفافي- إن لم أخطأ باسم المؤلف – وكان فيه جزء يتحدث عن شخص اسمه العصابي، ومن مواصفاته مثل تلك الوساوس المزعجة، وما أدهشني أن بالكتاب أن الشخص العصابي هذا يكون يعرف ويدرك أنه هذه الوساوس تنغص عليه عيشه ويحاول أن يلغيها وأحيانا لا يستطيع، وربما يتأكد من كذبها 100 % ولكنها لا تفارقه، وفعلا هذا أنا في كثير من الأمور وطبعا لا أعتقد أنها تصل لدرجة المرض فأنا وبفضل الله أستغرب أحيانا فقط من الوساوس وكيف تأتي ولماذا تأتي؟
وطبعا وبحمد الله وفضله أهزمها دوما وهي ليست دائمة إنما تأتي في الأوقات التي تتسم بالقلق والترقب، أما وأنا هادئ البال فلا يضيرني أي شيء وتمضي كل الأمور بسلام ـ بفضل الله ـ طبعا هذا استفسار لأزيد معرفتي وأفيد نفسي وغيري.
وبارك الله فيكم، وعذرا على هذه الاستفسارات المملة ربما، ولكن للفائدة.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
أخي الكريم! بالطبع الناس تختلف في مشاعرها وفي درجة التأثر الذي يصيبها حين مشاهدة أشياء على التلفاز أو حتى أشياء في واقع الحياة .
بالنسبة للتأثرات التي تحدث في التلفاز، بالطبع هذه المناظر قد تؤدي إلى نوع من الشعور الإيحائي، وهذا الشعور الإيحائي يتغلب على مشاعر الإنسان الحقيقية ويجعل الإنسان يتأثر بهذه المواقف، وهذا كما ذكرنا يعتمد دائما على شخصية الإنسان وعلى مستوى نضوجه الوجداني وتجاربه في الحياة.
الإنسان إذا رجع إلى ذاكرته يجد أنه في وقت اليفاعة والشباب كأن يتأثر بأشياء كثيرة ولكن بعد أن تقدمت به الأيام واكتسب مهارات جديدة في حياته أصبحت الأمور التي كان يتأثر بها سابقا لا يتأثر بها بنفس المستوى الذي كان يتأثر بها في الماضي، أو على الأقل لا يعطيها التفسير الوجداني العاطفية فقط؛ لأن التأثر الشديد هو أن ينغمس الإنسان في فكره وجدانيا وعاطفيا وينقل هذه المناظر التي يراها من الخيال إلى الحقيقة وهنا بالطبع سوف تلتصق بنفسه وبكيانه وتؤثر عليه.
أما بالطبع حدوث الأفكار الغريبة فغالبا ما يكون مرتبطا بالموقف الذي يشاهده الإنسان وهنالك أشياء قطعا تتحكم فيها الدواخل النفسية خاصة ما يعرف بالعقل الباطني، والعقل الباطني أصبح الآن مرتبط بما يعرف بالذكاء العاطفي لدى الإنسان، وهي مقدرة الإنسان على تحليل أفكاره والاستفادة منها وأن يتواءم مع نفسه ويتواءم مع الآخرين، وهنالك منطقة معينة في المخ تعرف باسم اللوزة، هذه المنطقة هي التي تتحكم في وجدان الإنسان وعواطفه، وربما تصدر منها في بعض الحالات إشارات وجدانية خاطئة، وهذا أيضا ربما يفسر هذه المشاعر الغريبة التي قد يشعرها الإنسان وتكون مخالفة للموقف تماما.
عموما أخي الكريم توجد عدة تفسيرات والذي أدعو إليه دائما هو أن الإنسان حين يتعلق بهذه المشاهد عليه أن يحقرها ويقول لنفسه أن هذه مجرد مشاهد وهذه مجرد نوع من التمثيل وهكذا، وليس من شيء في واقع الحياة مثل هذا، هذا بالطبع يخفف على الإنسان كثيرا في تعلقه وتأثره بما يشاهد.
بالنسبة للجزء الثاني، أخي الكريم ما وصفته بالطبع هو وساوس قهرية، ومن فضل الله تعالى أن الوساوس القهرية من هذا النوع لا يتبعها صاحبها ولا يطبقها، هذا شيء يجب أن يطمئنك كثيرا، نعم ما ذكره الأخ الدكتور علاء الدين كفافي، -والاسم صحيح، والرجل أعرفه تماما وهو صديق لي- ما ذكره فيما يخص تعريف الوساوس القهرية هو صحيح تماما؛ لأن الوساوس هي فكرة أو فعل أو خيال أو نوع من الطقوس أو نوع من المخاوف التي تفرض نفسها على الإنسان، ويؤمن الإنسان بسخفها الكامل، ولكنه كثيرا لا يستطيع التخلص منها، وإذا حاول مقاومتها سوف يحس بالقلق الشديد.
إذن الذي يحدث هذا هو نوع من الوساوس كما ذكرت لك، والمنهج العلاجي هو أن يحقرها الإنسان، وأن يحاول أن يتجاهلها، وأن يستبدلها بأفكار مضادة لها، فالاستبدال المستمر بفكرة مضادة يقلل من حدتها ويخفف منها كثيرا.
وحقيقة الوساوس دائما مرتبطة بالقلق لأن الوساوس القهرية في الأصل تشخص كنوع من القلق النفسي، وحين نرجع لكل التشخيصات العالمية للطب النفسي والصحة النفسية سوف نجد أن الوساوس دائما تدرج كنوع من أمراض القلق، وهذه الوساوس التي تحدث لك -الحمد لله- ليست بالشدة وليست بالحدة وليست بالإطباق الذي يجعلك تنزعج منها كثيرا، وأنت ما تقوم به من تفهم لها ومعالجات هي إيجابية ومجدية جدا، ولا أعتقد أنك في حاجة لأي علاج دوائي، ولكن إذا كان القلق يكثر عليك في بعض الأحيان فلا بأس من أن تتناول أحد الأدوية مثل العقار الذي يعرف باسم زولفت، ويسمى أيضا باسم لسترال، فلا مانع أن تتناوله بجرعة حبة واحدة خمسين مليجراما ليلا لمدة شهرين أو ثلاثة ثم تتوقف عنه.
أسأل الله لك التوفيق والصحة والعافية.