حصول الشقاق والتباعد بين الصديقات بعد التآلف والتقارب وكيفية علاجه

0 512

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي صديقة مقربة مني جدا، وحصل مواقف من المشاجرات بيني وبينها مما أدى إلى تدهور الصداقة التي كانت بيننا، ولم تعد إحدانا تطيق الأخرى، المهم أنني ابتعدت عنها ولم أعد أتواصل معها بسبب ما تلقيت منها من كلام جارح بات يؤلمني كلما تذكرته، وأنا بيني وبين نفسي لا أريد لهذه الصداقة أن تعود ثانية، ولكني سامحتها على ما فعلته بي.

المشكلة هنا في صديقتي بالرغم من ابتعادي عنها، وابتعادها عني عن طريق الرسائل والاتصالات، فهي تتعمد استفزازي ببعض الكلمات والخواطر الجارحة عن طريق إرسالها بالإيميل أو عن طريق الماسنجر مع أني لم أضع أي كلام جارح من بعد قطع العلاقة، بل هي التي اختارت أن تقطع صداقتي بها، وتدعي بأنها مظلومة.

مع العلم بأنها كانت تفعل معي تصرفات من ورائي، بحيث أنها تكون كناقلة كلام، وتضمر بداخلها الغيرة والحقد مني، الآن الذي أريد أن أعرفه لماذا بالرغم من قطع الصداقة التي بيني وبينها تصر هذه الصديقة على أن تستفزني؟ ماذا تريد مني بالضبط؟ هل تصرفها هذا منطقي؟ ورغم سكوتي عنها قبل وبعد العلاقة، وماذا تنصحوني أن أفعل؟

مع العلم بأنها لا تؤذيني وجها لوجه، فقط في الماسنجر أو ببعض التصرفات المستفزة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عاشقة الجنة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الله سبحانه يقول: ((فمن عفا وأصلح فأجره على الله))[الشورى:40]، وقد أسعدني إصرارك على عدم الرد، فواظبي على هذا المسلك لتنالي فضيلة كظم الغيظ، واعلمي أن العفو مرتبة أعلى، وأرفع لك من ذلك مقابلة السيئة بالحسنة، قال تعالى يمدح الأخيار: ((والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين))[آل عمران:134]، ولا يخفى عليك أن مقابلة الشر بمثله ما هي إلا إضافة شر إلى شر، وإن الإنسان لن يجد شيئا أفضل من الحسنة يقابل بها السيئة قال تعالى: ((ادفع بالتي هي أحسن السيئة))[المؤمنون:96]، وقد أساء رجل إلى أبي الدرداء فقال له: (اتق الله فينا، ولا تتوسع في سبنا، واجعل للعفو موضعا، واعلم أننا لن نجازي من يعصي الله فينا بمثل أن نطيع الله فيه).

وأرجو أن تعلمن جميعا أن من شغل الشيطان ومهامه الكبرى غرس العداوة والبغضاء وإشاعة الخصام والخلاف، ولن ينتفع من القطيعة وفساد ذات البين سوى هذا العدو، ومن هنا فنحن ندعوك إلى ما يلي:

1- اسألي الله أن يصلح الأحوال وأن يرد الأمور إلى وضعها الصحيح.

2- كوني على حذر من النمامات.

3- اصبري واحتسبي، واتركيها تخرج ما في نفسها من شحنات، واعلمي أن السكوت أبلغ رد، وقد أحسن من قال:

وذو سفه يواجهني بجهل *** فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما *** كعود زاده الإحراق طيبا

4- أكثري من الذكر والاستغفار، وتجنبي معصية الواحد القهار، وقد كان السلف يقولون: (ما حدث شقاق بين صديقين أو خلاف بين زوجين إلا بذنب أحدثه أحدهما).

5- لا تذكري عنها إلا الخير فإن صعب عليك فلا أقل من السكوت، وكان السلف إذا غضبوا على إنسان أمسكوا عنه فلم يذكروه لا بخير ولا بشر.

ولا يخفى على أمثالك أن الصداقة الشديدة إذا انقطعت تتحول غالبا إلى عداوة شديدة، وقد تكون قسوتها دليلا على أنها كانت تحبك فلم تستطع مواجهة الصدمة، ولن نستطيع أن نعذرها في ذلك؛ لأن المؤمنة تتقيد بأحكام الشرع في غضبها ورضاها.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله ثم بضرورة الصبر على تصرفاتها وإهمال المواقف السيئة، وتجاهل الإساءات، وتذكري الأيام الجميلة، واعلمي أن لذة الثواب تنسي مرارة الآلام، وبادري إلى الإصلاح، واعلمي أن الشريعة تقول: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) وما المانع بعد ذلك من جعل العلاقة محدودة إذا رأيت أن السلامة في ذلك.

واعلمي أنك لست مسئولة عن الذي تخفيه عنك من الحقد، وعليك بما يظهر، فإن هذا مدخل للشيطان، فالتمسي لها الأعذار، فإن لم تجدي لها عذرا فقولي لعل لها عذرا لا أعرفه، وتجنبي كل ما يوسع الهوة، ويرسخ لروح الجفوة.

ونسأل الله لك السداد وشكرا على تواصلك ومن أمثالك ننتظر العفو والصفح.

وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات