السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عاما، أعاني منذ خمسة أشهر من وسواس قهرية، وعندما أصبت بالحالة أصابني أيضا اكتئاب شديد، وانعزلت عن الحياة، وكنت أعاني أنا وأسرتي كثيرا، مع العلم أني أعيش مع أمي وأبي، ولدي وقت فراغ كبير، وعندما أصبت بالوسواس كنا في رمضان، ولك أن تتخيل؛ فقد كنت كل ما أستطيع فعله هو أن أصلي وأبكي بين يدي ربي، وأدعو أن يصفح عني، ويرفع مقته وغضبه عني، وعندما أدعو وأقول: يا رب! يزداد وسواسي أكثر، فأنا أخشى أن أذكر الوسواس الذي أصابني أن أتجرأ على ربي، وأسمع صوت سباب وشتائم في أذني، ولكل الناس، وكنت أضرب رأسي في الحائط، ولكن - بفضل الله - قررت ألا أترك نفسي تستسلم لهذه الوساوس، وبفضل الله علي حاولت جاهدا.
والحمد لله حالتي تحسنت كثيرا، ولكن أسرتي لا تعرف نوع الوسواس الذي أصابني، ولكنها تعلم أني مصابة بوساوس فقط، فأنا أخشى أن أبوح ما في داخلي، ولا أحد يعلم غيري أنا وربي وأنتم، فماذا أفعل وأنا حاليا مخطوبة، وبقي لي أشهر على إتمام الزواج، وأخشى أن أبدأ حياتي مع هذا الوسواس، وأخشى أن يرزقني ربي الذرية، وتكون مصابة بهذا المرض اللعين، ولكني الحمد لله بدأت أتخلص منه، ولكن في بعض الأحيان أضعف، وأحيانا أخرى أنجح وأتجاهل هذا الوسواس.
أحيانا أقول في خاطري: إنه فراغ، وعندما أجد ما يشغلني فسوف أتخلص من كل الوسواس، مع العلم أني لا أستطيع أن أذهب إلى طبيب، وهل لو أخذت الدواء ممكن أن أتخلص من هذا الوسواس نهائيا؟ وهل له أعراض تؤثر على زواجي؟ وما اسم هذا الدواء؟ وما جرعته؟
أرجو الرد بالله عليكم في أسرع وقت.
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Aliaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد أحسنت بهذا السؤال، وأحسنت بهذا السرد الواضح والبين لحالتك، فإنك قد وصفتها وصفا دقيقا تجعل المطلع عليه يصل إلى طبيعة هذه الوساوس، وإلى طبيعة الحالة التي وصلت إليها، فأنت تعاني من وسواس يتعلق أصالة بأمور العقيدة، فهنالك وساوس تأتيك وتشعرين كأنها تتردد في نفسك حتى إنك تخشين أن تكون هذه الوساوس صادرة منك أنت، وتخشين أن ترضي بها، وهذه الوساوس تتعلق مثلا في كلام قبيح يتعلق بالله عز وجل تعالى وتقدس، بسباب رديء أو بكلام قبيح، وسباب في حق الرسول صلى الله عليه وسلم أو في حق القرآن، أو ترد عليك الشكوك في الجنة والنار، وفي الميزان والصراط وعذاب القبر، وفي الله، وغير ذلك من أمور العقيدة التي لا يمكن أن ترضيها لنفسك، فهذا سبب لك تعبا شديدا وسبب لك حزنا بالغا، حتى إنك كنت تضربين رأسك بالحائط كأنك تعاقبين نفسك على هذه الوساوس التي تجدينها في نفسك، وكأنك تريدين أن تصرخي بأعلى صوتك، إنني لا أرضى أن يجول في خاطري مثل هذه الوساوس في حق ربي العظيم الذي لا أرضى أن أتفوه بهذه الكلمات حتى لأبين كيفيتها، ولا حتى أرضى بكتابتها تعظيما لله عز وجل، فهذا أساس الوسوسة التي لديك.
وأنت -بحمد الله- لا تعانين من أي مرض في عقلك، وهي نوع من الوساوس التي تسلطت عليك؛ ولذلك فإننا نود أن نقف معك وقفات فتأمليها بقلبك قبل أن تتأمليها بعينك، وتمعني فيها، فإنك - بإذن الله - ستنالين بسببها الشفاء الكامل والخروج من هذه الحالة، فشمري عن ساعديك، وتأملي في هذه الوقفات، فالوقفة الأولى:
1- ما هو مصدر الوساوس؟ والجواب: أن مصدره أمران اثنان: الشيطان الذي قال الله تعالى فيه: (( فوسوس إليه الشيطان ))[طه:120] وقال تعالى آمرا عباده أن يستعيذوا من وسوسته فقال: (( قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس ))[الناس:1-6].
والسبب الثاني في الوسوسة هو النفس الأمارة بالسوء، قال تعالى: (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ))[ق:16]. فهذا هو مصدره، فمصدره إذن عدو الإنسان، فإن النفس تأمر بالسوء إلا ما رحم ربي، كما قال تعالى حاكيا عن امرأة العزيز: (( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ))[يوسف:53]. وقال تعالى: (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ))[ق:16].
وكذلك الشيطان الذي هو عدو للإنسان، قال تعالى: (( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ))[فاطر:6]. فهما يوسوسان بضر الإنسان؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من وسوسة الشيطان ويستعيذ من وسوسة النفس الأمارة بالسوء، بل ويجمع بينهما كما قال في دعائه الكريم: (اللهم فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم). وكان من دعائه أيضا: (ونعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا)، وكذلك كان من الدعاء العظيم الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته: (اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا) والحديث قد خرجه الترمذي في سننه.
وفائدة هذه الوقفة أن تعرفي المصادر الذي تأتي بهذه الوساوس، وأن تعرفي أنها من عدوك الذي يسعى في ضرك فتكونين أشد حذرا، وأيضا تعرفين كيف تواجهينه.
والوقفة الثانية هي:
2- في حكم هذه الوساوس التي ترد عليك، وهذه آكد وقفة على الإطلاق، فما حكم هذه الخواطر، وهذه الوساوس، وهذه الألفاظ القبيحة التي ترد كسباب أو شتائم أو أمور لا يصح أن يتلفظ بها المؤمن في حق الله عز وجل؟ والجواب: إنه لا مؤاخذة عليك فيها أبدا.. إنك فتاة مؤمنة، بل إنك صاحبة إيمان صريح وقوي بإذن الله، فلا تعجبي من ذلك!
فإن قلت: وكيف لك بهذا؟ كيف لك أن تحكم بأنني صاحبة إيمان صريح وقوي وأنا يقع في نفسي هذا الشر من الوساوس؟ فالجواب: إن هذا هو الذي نطق به نبيك الأمين صلوات الله وسلامه عليه عندما جاءه طائفة من أصحابه فذكروا له هذه الوساوس التي تقع في أنفسهم في أمر الله، وفي أمر العقيدة، وفي أمر القرآن ونحوها، فقال صلى الله عليه وسلم: (أوجدتموه؟ -أي هل وجدتم ذلك؟ هل وجدتم تلك الوسوسة؟- قالوا: نعم -وهم يتألمون لذلك- فقال -صلوات الله وسلامه عليه: ذاك صريح الإيمان) أخرجه مسلم في صحيحه.. فشهد لهم صلوات الله وسلامه عليه بأنهم أصحاب إيمان صريح.
فإن قلت: وكيف ذلك؟ والجواب: لأنهم دفعوه؛ ولأنهم كرهوه وقاوموه، بل إنك فعلت أشد ما يدل على الكراهية، إنك ضربت نفسك بالحائط والجدار تعبيرا عن رفضك لهذه الوساوس وكراهية لها، فأنت بحمد الله في أشد أنواع الكراهية لها وهذا هو صريح الإيمان، فاحمدي الله وخري ساجدة له شاكرة على ما آتاك من فضله.
وبشرى عظيمة أخرى لك، وهي قوله: صلى الله عليه وسلم عندما جاءه طائفة من أصحابه – رضي الله عنهم – فشكوا له هذه الوساوس وبينوا له لئن يكون أحدهم حممة – أي شيئا محروقا تالفا – خير له من أن يتلفظ بها لقباحتها، فقال صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد له الذي رد كيده إلى الوسوسة). فكبر النبي صلى الله عليه وسلم فرحا واستبشارا، وحمد الله أن كيد الشيطان قد رد إلى الوسوسة فقط؛ لأنه لا يستطيع أن يخرج هؤلاء النفر من المؤمنين إلى غير عبادة الله، فبين صلوات الله وسلامه عليه أن هذا من ضعف كيد الشيطان عندما عجز عن إغوائك، وعجز أن يوقعك في مهاوي الرذيلة، ومهاوي الفساد، لم يجد سبيلا إلا بهذه الوساوس؛ ولذلك قال تعالى: (( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ))[النساء:76].
فالحمد لله الذي قد أبان لك أن هذه الأمور كلها لا تضرك وأنك على نقيض ما تظنينه بنفسك، فأنت بحمد الله صاحبة إيمان صريح في هذا الأمر، فاحمدي ربك على ذلك. والوقفة الثالثة:
3- في كيفية الخروج من هذه الوساوس: فأول ذلك أن تنتهي عنها وأن تبذلي الجهد في عدم التفكير فيها، فبمجرد أن تعرض لك فانتقلي إلى الاستعاذة من الشيطان الرجيم، قال تعالى: (( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ))[فصلت:36]. وأن تنفثي عن يسارك ثلاثا، واقرئي قول الله جل وعلا: (( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ))[الحديد:3]. وكل ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبتت قراءة الآية (هو الأول والآخر ..) عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وابذلي جهدك في ذلك، ولا تلتفتي إلى هذه الوساوس، واخرجي إلى التعامل الاجتماعي مع أخواتك الصالحات، واذهبي إلى حلقات تجويد كتاب الله، وإلى دروس العلم، وإلى مساعدة والدتك، وإلى القيام معهم بالعلاقات الاجتماعية، بالمساعدة في شئون البيت، وتوكلي على الله فإنك - بحمد الله - في خير وفضل، فاعرفي ذلك واحرصي عليه.
وأما عن إشارتك عن الذرية التي قد يرزقك الله جل وعلا بها أنها قد تكون مصابة بهذا الوسواس، فهذا أمر لا يثبت بحمد الله، فلا علاقة بهذا من الناحية الوراثية، وإن كانت بعض البحوث الاختصاصية النفسية تشير إلى أن هنالك احتمال بوجود تأثر وراثي في مثل هذا الأمر من ناحية الاستعداد القابل الذي يجعل النفس قابلة لهذا الأمر، وهذا أمر لم يثبت من الناحية العملية وبالأدلة والبراهين وهو مجرد احتمالات، فلا وجود لهذا فإن هذا الأمر الذي يعرض لك - بحمد الله - هو أمر قد يعرض لأي إنسان، وحسبك أنه قد عرض لطائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خيار الناس بعد الأنبياء – عليهم جميعا صلوات الله وسلامه عليهم – وهو أيضا لم يؤثر على زواجك طالما أنك قاومته ولم تلتفتي إليه وأنك بحمد الله قد نجحت شيئا ما في التخلص منه، وبعد هذه الخطوات ستجدين أنك - بإذن الله - قد تخلصت منه تماما، ولكن الأمر يحتاج منك إلى شيء من الوقت اليسير، والذي نظن أنه لن يطول بك بإذن الله.
ونود أن تعيدي الكتابة إلى الشبكة الإسلامية بعد أسبوعين أو ثلاثة لذكر عامة النتائج والثمرات التي توصلت إليها، مع التكرم بالإشارة لرقم هذه الاستشارة، ونسأل الله عز وجل أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يحفظك من كل سوء، وأن يبارك لك في زواجك، وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وبانتظار رسائلك الكريمة، وأهلا وسهلا بك ومرحبا.
وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة المستشار الشرعي الشيخ / أحمد مجيد الهنداوي ـــ ويليها إجابة المستشار النفسي الدكتور / محمد عبد العليم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية، وأرجو أن تأخذي بكل ما أورده الشيخ الهنداوي جزاه الله خيرا، علما بأن الوساوس القهرية يمكن علاجها بصورة تامة إذا التزم الإنسان بالتطبيقات السلوكية وتناول الدواء بالصورة المطلوبة.
والذي أود أن أؤكد عليه أن ما انتابك من نوبة اكتئابية هي مجرد ردة فعل مصاحبة للوساوس، ولا يعتبر عسر المزاج الذي أصابك حالة نفسية أساسية.
لابد أن تجري حوارا مع نفسك يصل بك إلى تحقير هذه الوساوس واستبدالها بأفكار مخالفة ومضادة لها.
أما بالنسبة للدواء؛ فتوجد بفضل الله تعالى عدة أدوية ذات تأثير فعال جدا في علاج الوساوس وإن ظل العلاج السلوكي هو الأساس ولكن الأدوية تتميز أيضا بأنها تدخل الإنسان في مزاج إيجابي يجعله يتجاوب مع العلاج السلوكي بصورة أفضل.
أرجو البدء في تناول العقار الذي يعرف باسم بروزاك، وجرعة البداية هي 20 مليجرام ليلا بعد الأكل لمدة أسبوعين ثم ترفع الجرعة إلى 40 مليجرام ليلا لمدة ستة أشهر ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى 20 مليجرام ليلا لمدة 6 أشهر أخرى، وهذه هي المرحلة الوقائية وهي تعتبر ضرورية جدا حتى لا تعاود الوساوس مرة أخرى.
البروزاك يعتبر من الأدوية السليمة حتى في أثناء الحمل.
أرجو الالتزام القاطع بتناول الجرعة في وقتها وبالصورة الموصوفة؛ لأن ذلك يساعد كثيرا في أن يكون البناء الكيمائي للدواء فاعلا.
أسأل الله تعالى أن يتم لك الزواج وأن يجعله زواجا مباركا، وكما أشار الشيخ الهنداوي لا يوجد تأكيد قاطع فيما يخص الأثر الوراثي، وعلى الإنسان دائما أن يفوض أمره إلى الله تعالى في مثل هذه الأمور وفي كل أمر بالطبع.
وبالله التوفيق.