استغلال الأوقات بين المشروع والمحرّم

0 612

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا لا أعمل وأقضي معظم وقتي بالمنزل، بعد وفاة أبي بدأت ألتزم بقراءة القرآن، ولكني عندما أقوم لأشاهد التلفزيون، أقول: إن الوقت هذا أولى أن أصلي أو أقرأ فيه قرآنا حتى توقفت عن مشاهدة التلفزيون إلا نادرا جدا جدا وسماع الأغاني، وتعلمي للغة الإنجيلزية عبر الإنترنت رغم حبي الشديد لها.

وعندما أريد أن أبدأ تعليمي لها مرة أخرى أقول: إذا توفاك الله الآن سوف يتوفاك وأنت تتعلمين إحدى اللغات من الأفضل أن يتوفاك وأنت تقرئين القرآن حتى يكون شفيعا لك.

فهل معنى التقوى هو التوقف عن كل ما يروح القلوب؟ وأتذكر أني قرأت حديثا يقول: روحوا عن قلوبكم..هذا بالإضافة إلى صلة الرحم وخلافه وهل تعلم اللغات الأخرى غير مهم بالرغم أنه لا يصرفني عن ديني؟ وهل سماع الأغاني حرام حتى إذا كانت لا تعطلني عن أداء الفروض في أوقاتها؟ وكذلك بالنسبة لمشاهدة الأفلام الأجنبية لتقوية اللغة عندي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Bosi حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يزيدك إيمانا وصلاحا واستقامة وهدى، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يجعلنا وإياك وسائر المسلمين من أهل الجنة، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد في سؤالك فإنه مما لا شك فيه أن حفظ القرآن الكريم وقراءته من أعظم القربات وأجل الطاعات لأنه كلام الله -تبارك وتعالى جل وعلا- وفضل كلام الله على كلام الناس كفضل الله على سائر خلقه، وكون الإنسان يشغل بالقرآن فهذه نعمة عظيمة؛ وقد أثر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: (والله لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم).

فكلما كان القلب طاهرا نقيا كلما كان أحرص على قراءة القرآن وسماعه وعلى حفظه وتدبره، ولذلك أحمد الله تعالى أن يسر لك ذلك، إلا أنه ليس معنى ذلك أننا مطالبون شرعا أن نقضي الوقت كله في القرآن الكريم وإن كنا نتمى ذلك؛ لأن هناك أعمالا أخرى أيضا قد يكون لها من الأجر كما لأجر القرآن بل أعظم؛ لأن قراءة القرآن فرض كفاية، وهناك أمور طلبها فرض عين وذلك كتعلم العلم الشرعي الضروري، يعني إذا كنت ستتعلمين شيئا عن عقيدتك (عقيدة أهل السنة والجماعة) فهذا أولى من قراءة القرآن، كذلك إذا كنت ستتعلمين شيئا عن الأحكام كأحكام الطهارة وأحكام الصلاة، هذه العبادات الضرورية التي يلزمك أن تكوني على علم يقيني بها فهذه أيضا أفضل من قراءة القرآن، إلا أن الإنسان منا ينبغي أن يقسم وقته، فيجعل له وقتا لقراءة القرآن ووقتا للأشياء الأخرى من العلوم النافعة الضرورية التي يحتاجها.

أما فيما يتعلق بتعلم اللغة الأجنبية يبقى هنا السؤال: لماذا ستتعلمينها؟ إذا كنت ستتعلمينها لغرض شرعي فهي عبادة مأجورة - بإذن الله تعالى - وأنت بقراءتك لها وتعلمك إياها عابدة في محرابك كطالبة العلم وقراءة القرآن تماما بتمام -إذا كانت ستستخدم في غرض شرعي؛ وذلك بقصد دعوة الأخوات إلى الإسلام أو عرض الإسلام على غير المسلمين.

أما مجرد تعلم اللغة للغة فإن هذا أمر لا خير فيه، فهو تضييع للوقت بلا فائدة، فإذا كنت ستتعلمين اللغة لخدمة الدين فنقول لك: لا مانع أن تقتطعي جزءا من وقت القرآن وأن تتعلمي اللغة لأنك بذلك تكونين عابدة الله تعالى بهذا التعلم، وإذا قدر الله وتوفاك الله – ونسأل الله أن يطيل عمرك في طاعته– وأنت تتعلمين هذه اللغة فأنت عابدة لله تعالى؛ لأن المقصد والهدف والغاية إنما هو تعلم هذه اللغة لإقامة الحجة على عباد الله وشرح الإسلام لمن لا يعرفه من المسلمين. وغيرهم.

فإذا كان هذا هو الهدف وهذه هي الغاية فنعم، أما مجرد الثقافة العامة والاطلاع على أفكار الناس فهذا أمر يستحيل أن يقول لك أحد كقراءة القرآن بحال من الأحوال.

أختي الكريمة: فيما يتعلق بسماع الأغاني، الراجح عند أهل العلم أن سماع الأغاني حرام؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: ((والذين هم عن اللغو معرضون))[المؤمنون:3]، فبين أن من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا يضيعون أوقاتهم فيما لا ينفع؛ لأن اللغو هو كل شيء لا يفيد ولا ينفع، وعد العلماء من اللغو الغناء فاعتبروه من اللغو المحرم، وقال عن عباد الرحمن الذين أسأل الله أن يجعلك منهم في أواخر سورة الفرقان: ((وإذا مروا باللغو مروا كراما))[الفرقان:72]^، قالوا: لا يستمعون لهذه الأغاني ولا يجلسون عند من ينشدها أو من يتغنى بها لا الموسيقى ولا غير ذلك، ولذلك قال أهل العلم: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. والغناء – كما ذكر العلماء – هو مزمار الشيطان، وهو بريد الزنا – عفانا الله وإياك منه – ولذلك نص جمهور العلماء على حرمة استماع الأغاني مطلقا، لأنها – كما ذكرت – لا تأت بخير وتصرف عن طاعة الله تبارك وتعالى.

أما عن مشاهدة الأفلام الأجنبية لتقوية اللغة، فأنا أقول: إن الأفلام الأجنبية تعرض حياة هؤلاء الكفار ولعلهم من كثرة مشاهدتنا لها تتعلق قلوبنا بهذه الحياة خاصة وأنهم لا ينضبطون بضوابط الشرع، فقد يحدث هنالك تقبيل وقد تحدث هناك صور شبه جنسية عارية فاضحة أمام الناس، وقد تكون هناك أيضا أشياء كتعاطي الخمور والقتل وغيره والتعري الذي يحدث أيضا ما بين الرجال والنساء، وهذا كله لا ينبغي أن يضيع فيه وقت المسلم الصادق، وكما ذكرت إذا كنت تريدين أن تتعلمي اللغة فتعلميها بطريق آمن بعيد عن هذه الأفلام التي تقسي القلب والتي تؤدي إلى التعلق بهؤلاء القوم خاصة وأنت تركزين على اللغة فتستفيدين بذلك ثقافة الناس ومعارفهم وأنت لا تشعرين، يعني أنت الآن تقولين أنا لا أريد أن أتعلم حياتهم ولكن القضية ليست أنك تريدين أو لا تريدين، هذه الأمور تدخل إلى قلب الإنسان وعقله بدون أن يشعر ويصبح يميل إلى هذه الحياة ويأنس بها ويفرح بها بل وقد يكره حياته الإسلامية الصادقة مع الأيام.

أعود فأقول: إن تعلم اللغة إذا كان للهدف الشرعي فلا حرج ولكن بشرط أن يكون أيضا بطريق شرعي، أما مشاهدة الأفلام فليس طريقا شرعيا، بل إنها تؤدي إلى الفساد والإفساد وإلى تعلق القلوب بهذه الحياة الماجنة التي يعيشها هؤلاء.

إذن أنصحك أختي الكريمة أن تجتهدي في تنظيم وقتك وأن تجعلي وقتا لقراءة القرآن الكريم ووقتا للعلم الشرعي المهم كالعقيدة والفقه لأنك في حاجة إلى أن تكوني على قدر كبير من العلم الشرعي الضروري؛ لأن الذي أقوله الآن هو فرض عين، ففرض عين أن يعرف الإنسان عقيدته وفرض عين أن يتعلم الإنسان من عباداته ما تصح به هذه العبادة، فالطهارة بأنواعها خاصة فيما يتعلق بالحيض والنفاس والاستحاضة وكيفية التطهر منها وكيفية احتساب أوقاتها وكيفية الوضوء وكيفية الاستنجاء وكيفية الغسل وأنواع الغسل وسنن الغسل ومبطلات الغسل، هذه كلها عبادات مطلوب منا أن نتعلمها حقيقة.

والسواد الأعظم من المسلمات لا يعرفن عنها شيئا، فإذن قسمي وقتك ما بين القرآن وهذا العلم وكذلك موضوع صلة الأرحام وغيره، وتعلم اللغة – كما ذكرت – إذا كنت ستتعلمينها لهدف شرعي فلا حرج، وإذا كنت لن تتعلميها لهذا الهدف فأرجو أن تتركيها أيضا، واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والإسلام لا يمنع الترويح عن النفس أبدا، وإنما الترويح المشروع، الترويح المباح، ساعة وساعة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد والإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه جواد كريم.
والله ولي التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات