السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة .
أنا متزوج حديثا، لي ثماني أشهر تقريبا, والحمد لله وفقني ربي لزوجة ملتزمة حسنة الخلق والخلقة ,وأحمد ربي على هذه النعمة كثيرا, وعلاقتنا بما فيها علاقة الفراش جيدة جدا,
ولكن منذ حوالي أربع أشهر تقريبا توفيت والدة زوجتي ــ رحمها الله ــ بعد معاناة مع مرض السرطان ,حيث أجريت لها عدة جراحات, كانت آخرها استئصال الرحم, ثم لم تلبث إلا فترة قليلة وتوفيت, وكانت زوجتي ابنتها الوحيدة وارتباطها بها كان شديدا للغاية .
بعد هذه الحادثة لاحظت تغيرا كبيرا في سلوك زوجتي! أصبحت قلقة باستمرار, وتنام بصعوبة , وتروع من أقل شئ.
إذا دخلت عليها مثلا دون أن أطرق الباب ,أو إذا دق جرس الباب,
وأرى الدموع في عينيها دائما، ولكنها لا تستطيع البكاء, حتى يوم وفاة والدتها لم تستطع البكاء , بالرغم من حبها الشديد لها وارتباطها القوي بها , كما أنها امتنعت تقريبا عن الفراش.
وسيطرت عليها فكرة أن العلاقة الجنسية هي التي تؤدي للإصابة بسرطانات الرحم والمبيض وما إلى ذلك, وأصبحت تخاف بشدة من هذه العلاقة, واذا رأت أن شوقي لها استبد بي , تطالبني بأشياء غريبة! كأن أضع عضوي مثلا في محلول مطهر لمدة عشر دقائق قبل هذه العملية, وأشعر أنها تعاني من تشنج ما، في عضوها أثناء الجماع , كأنها تتعرض لإيذاء بدني, أنا أحبها بشدة وأقدر ما تعانيه من ألم نفسي, وأعاملها برفق شديد, ولكني خائف عليها من أن يتحول الأمر معها إلى وساوس خطيرة, كما أن الجو العام للبيت أصبح يخيم عليه الكآبة والحزن .
أرشدوني بالله عليكم كيف أتصرف معها؟ وما السبيل لخروجها من هذه الحالة ؟
رجاء أخير أرجو عدم نشر الاستشارة ضمن الاستشارات الأسبوعية ولكم وافر الاحترام .
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ياسر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخي جزاك الله خيرا على هذه الرسالة، وهي معبرة جدا وتمثل حالة نفسية لا أقول إنها فردية ولكن من الناحية العلمية تعتبر من الحالات التي تشد الانتباه كثيرا،
الحمد الله تعالى الذي رزقك الزوجة الصالحة ومن صلاحها حزنت على والدتها حزنا شديدا وصبرت، وهذه عواطف إنسانية، ولكن الحزن يغلب عليها وهذا الكبت الداخلي، والموازنة بين الصبر وبين التعبير وبين الأحزان ولدت لنا هذه الحالة، ولكن إن شاء الله صبرها هو الذي سوف يغلب في نهاية الأمر.
الفاضلة زوجتك واضح أنها حدث لها نوع مما يعرف بالتوحد أو الارتباط اللصيق مع والدتها حتى بعد موتها وهذا يدل على متانة العلاقة التي كانت بينهما في الدنيا، وهذا الارتباط الشديد تولدت عنه هذه الحالة الوسواسية! خوفها من ما أصاب والدتها قد يصيبها، ولا شك أن التعبير عن الأحزان بشدة هو صيغة من صيغ الاكتئاب ونوع من أنواع الاكتئاب المعروفة، ولكنه يعتبر اكتئابا ظرفيا، ويعتبر اكتئابا مرتبطا بوضع معين وسبب معين، ولذا يمكن علاجها، وبالطبع هو يتطلب بعض الزمن حتى ينتهي.
هذه الحالات تستفيد كثيرا من الدواء وخاصة المضادة للاكتئاب والأدوية المضادة للوساوس، وأرجو أن لا تعتقد أننا قد استعجلنا في وصف الدواء، ولكن من التجارب العلمية والعملية ولا نزكي أنفسنا أبدا، والأدوية تساعد كثيرا وتساعد في تحسين المزاج ليتفاعل مع العلاجات السلوكية والإرشادية الأخرى، والدواء الذي أرى أنه سيفيد زوجك إن شاء الله يعرف باسم سبراليكس، وأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة 10 ملم ليلا وهذه هي جرعة البداية، وبعد عشرة أيام تعرف الجرعة 20 ملم ليلا وهذه هي الجرعة العلاجية وتستمر على جرعة 20 ملم لمدة 6 أشهر ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى 10 ملم وهي الجرعة الوقائية وتستمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر أخرى ثم تتوقف عن الدواء، إن شاء الله سوف يأتي التحسن بعد ثلاثة أسابيع من بداية العلاج، وسوف يستمر إن شاء الله في التصاعد حتى تصل إن شاء الله إلى قمة تحسنها بعد ثلاثة إلى أربعة أشهر من تناول الدواء.
وأرجو أن تطمئن تماما إن السبراليكس دواء فعال وسليم جدا وليس له آثار جانبية. ربما يزيد قليلا من النوم في الأيام الأولى وربما تحس بجفاف بسيط وربما تفتح شهيتها للأكل بمعدل زيادة نسبيا.
أخي بالطبع بجانب ذلك اجعلها تعبر وتتحدث عن والدتها، وأرجو أن تساعدها أن لا تتجنب الذكريات التي تربطها مع والدتها إذا كانت هنالك بعض المتعلقات والممتلكات أو الصور الخاصة بوالدتها اجعلها لا تتجنب الرؤية لها والتفاعل معه، ولا مانع من وقت لآخر لأن التجنب والابتعاد يولد مشاعر داخلية سلبية جدا ويزيد من الأحزان، إذن المواجهة سوف تفيدها حتى وإن أثارت فيها عواطف نفسية في الوهلة الأولى، ولكن بعد ذلك سوف يحدث لها نوع من التوأمة والتطبع ويقل إن شاء الله هذا الوضع الذي تميز بالحزن الشديد.
بخصوص تخوفها من الإصابة بسرطان الرحم وأن يحدث ما حدث لوالدتها، وعليها بالدعاء، وأن تسأل الله أن يحفظها ( اللهم إنا نعوذ بك من البرص ونعوذ بك من الجذام، ونعوذ بك من الجنون، ونعوذ بك من سيء الأسقام) هذا دعاء مأثور وعلى الإنسان أن يدعو به في مثل هذه الحالات، مع بقية الأدعية الأخرى.
هنالك وسائل طيبة في المستقل، وهنالك عيادة صحة الأم، والتي من خلالها يكشف على الثديين لدى الأنوثة، وكذلك تؤخذ مسحة بسيطة من عنق الرحم.
معظم النساء يقمن بذلك كل ستة أشهر مثلا، وزوجتك الآن صغيرة في السن، ولا أعتقد أنها في عمر هذه الأمراض مطلقا، ولكن حتى لا تنزعج مستقبلا يمكنها أن تذهب إلى عيادات صحة المرأة ولا أحبذ الذهاب أكثر من مرة في السنة أو الستة أشهر اذكر لها ذلك وطمئنها أنه الآن أصبح إن شاء الله هنالك عيادات وقائية، وفوق ذلك يسأل الإنسان الله تعالى أن يحفظه.
بالنسبة للمعاشرة الزوجية عليك أن تقدر ظروفها بالطبع، ولكن إن شاء الله بعد تناول الدواء سوف تتحسن هذه الانقباضات وهذه التشنجات التي تحدث في عضلة الفرج وكذلك في عضلات الأرجل، معروفة تماما تحدث في مثل هذه الحالات، وينصح لها أيضا بأي نوع من تمارين الاسترخاء حتى إن شاء الله تتغلب على هذه الحالة، هنالك تمارين بسيطة جدا للتنفس تساعد في الاسترخاء وهنالك تمارين لاسترخاء العضلات أيضا.
ويمكنك الاستعانة بأحد الأشرطة أو الكتيبات التي تساعد في إجراء هذه التمارين، وببساطة شديدة نقول لها هذه التمارين تتمثل في أن تستلقي في مكان هادئ وتتأملي في شيء طيب وجميل في حياتك، اغمضي عينيك قليلا افتحي فمك قليلا ثم بعد ذلك خذي نفسا عميقا وببطئ، عن طريق الأنف وهذا هو الشهيق، أجعلي صدرك يمتلئ بالهواء ويرتفع البطن قليلا ثم بعد ذلك أمسك على الهواء قليلا ثم أخرج الهواء عن طريق الفم بنفس البطء وبنفس القوة يكرر هذه التمرين أربعة إلى خمس مرات بمعدل مرتين في اليوم ويا حبذا لو قامت به قبل المعاشرة الزوجية، وعليها أن تتأمل أنها في حالة استرخاء في عضلات الأرجل وعضلات الساقين، وعضلات الحوض وعضلات البطن وهكذا، كل هذا إن شاء الله يساعدها.
أخي هذا الأمر سوف ينتهي تماما عليك اتباع الإرشادات السابقة، وعليك إحضار الدواء الذي وصفته لك لتناوله زوجتك، وأنا على ثقة كاملة إن شاء الله تعالى سوف تخرج من هذه الحالة، ونسأل الله تعالى أن يرحم والدتها وجميع موتانا وموت المسلمين.
وبالله التوفيق والسداد.