المرض بالوسواس بعد التوبة من المعاصي

0 429

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كنت إنسانا عاصيا ولكن الله أنعم علي بالتوبة، فتبت توبة خالصة لله وحده لا شريك لله، وأصبحت أصلي جميع الصلوات في المسجد، ولكن أصابني الوسواس، فصار يوسوس لي بالشرك والكفر، وبأشياء لا أستطيع تلفظها.

فاستشرت شيخ المسجد فطلب مني الصبر والإكثار من السنن والذكر، وذكر لي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، فحاولت بعدها جاهدا بكل السبل للتقرب من الله بصلاة السنن والدعاء وحفظ القرآن ونحو ذلك، والجلوس مع الصحبة الصالحة في المسجد، وذهبت إلى بيت الله العتيق للعمرة والمدينة المنورة والتصدق في سبيل الله، ولكني حتى الآن لم أستطع التغلب على هذا الوسواس الخناس، فأعينوني على هذه المصيبة.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد فادي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك يا ولدي، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يتقبل توبتك خالصة لوجهه الكريم، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ووساوسه وأن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنك تعلم أن الفترة التي قضيتها في المعاصي لعلها كانت طويلة وكنت صديقا للشيطان وجنديا من جنوده وتابعا من أتباعه، ثم جئت بعد هذه الفترة لتنقلب عليه ولتعصيه ولتبتعد عنه ولتعلن الرفض لكل ما يأتيك منه، فهل تتصور أن الشيطان يتخلى عنك بسهولة؟ هل تتصور أن الشيطان يدعك تحقق مشاريعك الإيمانية وتتقرب من الله تبارك وتعالى وتصبح من عباد الله الصالحين وهو يتفرج عليك؟!

قطعا هذا من المستحيل؛ لأن الإنسان حتى وإن لم يفعل مع الشيطان شيء ولم يكن من جنوده فإنه يحاول إيقاع الضرر به، فالنبي عليه الصلاة والسلام يخبر بأن الشيطان له ركضة – أي دفعة أو ضربة – يضربها للطفل وهو ما زال في برنوسه يعني بعد أن يولد بدقائق، ولذلك فإن الطفل ينزل صارخا؛ لأنه يقول: كما حرمت أباك آدم من الجنة لأحرمنك منها، فما ذنب هذا الطفل؟ ليس له من ذنب إلا أن طبيعة الشيطان أنه عدو، (( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ))[يس:60]، فعداوة الشيطان للإنسان أزلية وعداوة دائمة وعداوة لا تتوقف ولا تنقطع.

فأنت كنت من جنوده والآن خرجت عنه، فتأكد أن العداوة ستكون أشد، ولذلك ما يوسوسه لك فيما يتعلق بذات الله تعالى أو غيره كله نوع من الكيد ونوع من الحزن ونوع من المحاولات المستميتة لعله أن يؤثر في توبتك أو أن يردك إلى المعصية، ولذلك عليك أن تثبت ولا تشغل بالك بهذه الوساوس، وكلما جاءتك فاتفل عن يسارك واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، والتزم بالمنهج الذي أخبرك به إمام المسجد -وفقه الله-، وواصل رحلتك في الطاعة والعبادة، وقاوم بكل ما أوتيت من قوة، واعلم أن المسألة مسألة وقت وعما قريب سوف يمل الشيطان منك بإذن الله تعالى.

نعم إنه سيبحث عن وسائل أخرى للإفساد، ولكن على الأقل سوف تستريح من هذا الجانب، وهو الآن يضغط عليك بكل الأسلحة التي لديه حتى يفسد توبتك وحتى يردك إلى طريقه، ولكن ثباتك وإصرارك خاصة وأنك بدأت في حفظ القرآن وأخذ دروس التجويد وقراءة السنة وهذه الأعمال، هذه كلها أعمال طيبة تغيظ الشيطان، فأكثر منها واجتهد، واعلم أنك منصور بإذن الله تعالى.

واصبر واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا، والشيطان يعز عليه بعد هذه الفترة الطويلة من صداقتك وصحبتك له أن تنقلب عليه وتصبح عبدا صالحا، فسوف يمارس الضغط عليك بل إلى أكثر من ذلك، ولكن استعذ بالله، وقل هذا الدعاء المبارك الذي علمك إياه النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي، اللهم إني أعوذ بك من كيد الشيطان وشركه)، ودائما أكثر من الاستعاذة بالله من شر نفسك ومن شر الشيطان، وواصل الطاعة والعبادة والاستقامة، وأبشر فإنك سوف تجتاح كل حصونه وتتغلب عليه بإذن الله تعالى ما دمت على هذا الحال وما دمت على هذا السبيل المبارك.

نسأل الله لك التوفيق والثبات والهداية والرشاد والنصر على عدوك الأكبر الشيطان الرجيم، وأن تظل دائما في حظيرة المؤمنين وأن تكون من أولياء الله الصالحين وعباده المقربين.

والله ولي التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات