السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الأفاضل: أريد المساعدة لحل مشاكلي، ومنها:
أنني ضعيف في العبادات -أقصد النوافل- ولا أقوم الليل ولو لركعتين -الحمد لله- أني أؤدي الفرائض في أوقاتها من الصبح إلى العشاء جماعة وفي المسجد، هذا مع انعدام الخشوع.
وفي معظم الأحيان لا أجتهد فيه (الخشوع) أيضا لا أقرأ القرآن إلا قليلا، وإذا حملت المصحف أصاب بملل فأتركه، هذا ما يحضرني الآن في أمور الآخرة.
أما في أمور الدنيا فإذا بدأت عملا لا أتمه، وأؤجل عمل اليوم إلى الغد، أيضا إذا شرعت في تجارة أو أي مشروع لا على سبيل التحديد، لا أحسن التخطيط ودراسة الوضع بجدية، وغير ذلك هذا، وقد صارحتكم بعد مصارحة نفسي، فأرجو منكم أن تساعدوني في الخروج من هذا المأزق، أريد أن أصلح نفسي وأكون نافعا لأمتي بأن تقدموا لي النصائح، وأرجو المتابعة إن أمكنكم ذلك، يتزامن هذا مع اغترابي عن أهلي وولدي قريبا -إن شاء الله- لأنني وجدت عملا بعيدا عن مسكني.
أرجو أني لم أسبب إحراجا لكم، وجزاكم الله عني كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك وأن يزيدك إيمانا، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقك لخيري الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإنك تعلم أنه ما من شيء إلا وله أسبابه ودواعيه، هذا الضعف الذي تعاني منه قطعا له أسبابه؛ ولذلك أتمنى أن تراجع نفسك مراجعة دقيقة لتقف على أسباب هذا الضعف، وهل كنت قبله أكثر قوة وثباتا أم أنك كذلك من أول أيامك، من أهم الأمور التي تعين على زيادة الإيمان طلب العلم الشرعي؛ لأن العلم نور، وهذا كلام الله -تبارك وتعالى- حيث قال: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، [فاطر:28]، فعلى قدر ما في نفسك وما في قلبك من علم شرعي أصيل خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بينك وبين الله تعالى فإن إيمانك سوف يزيد، وبالتالي سيزيد عندك الخشوع وتقل عندك هذه الأشياء.
الأمر الثاني: مصاحبة الصالحين، فالصحبة الصالحة معينة على طاعة الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة) متفق عليه، ويقول -صلى الله عليه وسلم- أيضا: (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي) رواه الترمذي في السنن فاجتهد -بارك الله فيك- في البحث عن إخوة صالحين يكونون عونا لك على طاعة الله تعالى.
أنا أحمد الله تعالى أنك تؤدي الفرائض في أوقاتها في جماعة، وهذه نعمة عظيمة، أحمد الله -تبارك وتعالى- عليها.
قضية الخشوع لعل السبب -بارك الله فيك- أنك تتعب في عملك البدني الذي تعمله فينعكس ذلك على نفسك، ولكن -اعلم أخي- أن من أحبه الله أعانه على طاعته، وأنا أرى أن كونك معانا على أداء الفرائض في أوقاتها في جماعة أن هذه نعمة عظيمة من الله تبارك وتعالى، أتمنى في صلاتك أن تسأل الله أن يرزقك الخشوع، (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)، [المؤمنون:1-2]، فالخشوع هو روح الصلاة، ولكن ليس معنى ذلك أن تتوقف عنها لأنك لا تخشع، وإنما صل وادع الله تعالى أن يرزقك الخشوع، صل واسأل الله تعالى أن يرزقك الخشوع.
وكم أتمنى أن تستغل أوقات فراغك في الأذكار والأدعية، يعني الآن تعمل بيدك ولا تعمل بفمك أو بلسانك، فاجعل يدك للعمل واجعل لسانك وقلبك لله تعالى، أكثر من الاستغفار طيلة فترة عملك ما دام لا يشغلك عن أداء عملك، أكثر من الاستغفار والأذكار والصلاة على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- حاول تستغل أوقات الفراغ كلها التي لا تستطيع أن تقرأ فيها القرآن، استغلها في الاستغفار والذكر والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وحاول أن توسع هذه المساحة في حياتك، وأنا واثق بأن الخشوع سيأتيك -بإذن الله تعالى-؛ لأن الذكر حصن حصين من الشيطان الرجيم، والذي تحكي عنه الآن إنما هو ثمرة من ثمار كيد الشيطان لك؛ لأن الشيطان عز عليه أن يمنعك من صلاة الجماعة لصلواتك الخمس فبدأ يفسد عليك صلاتك ويذهب منك خشوعك ويضغط عليك في الأمور الأخرى حتى يصرفك عن عمل الخير.
ولذلك فإن علاجه أن تواصل المسيرة وألا تتخلف أبدا -بفضل الله تعالى ورحمته- عن صلاة الجماعة، وأن تجتهد في عمل الخير ما تستطيع أن تفعله فافعله، وما لا تستطيعيه فاسأل الله أن يغفره لك.
الذي أنصحك به هو استغلال الفراغات، أوقات الفراغات أنت تعمل بيدك ولا تعمل بلسانك، فاجعل يدك للعمل واجعل لسانك لله الواحد الأحد، أذكار، استغفار، دعاء، صلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الأمور ثق وتأكد من أنها سوف تصرف عنك الشيطان ويأتيك الخشوع -بإذن الله تعالى-.
بالنسبة لأي مشروع تجاري، أنت تقول بأنك لا تحسن التخطيط، لك أن تقوم بأمرين (الاستخارة والاستشارة)، استشارة أهل الاختصاص من الصادقين، والاستخارة سؤال الله -تبارك وتعالى- الخير وسيدلك الله -تبارك وتعالى- قطعا على الخير -بإذنه تعالى-، ولا تعمل في عمل لا تحسنه، ولا تدخل في مجال لا تعرفه، وإنما انظر في الأعمال التي تستطيع أن تقوم بها بكفاءة واقتدار فادخلها -بإذن الله تعالى-.
وأتمنى أن تذهب أيضا إلى بعض الأخوة المشايخ المعالجين الذين يعالجون بالرقية الشرعية، ليقوم أحد هؤلاء الصالحين لرقيتك، لاحتمال أن تكون محسودا، وهذا أمر وارد جدا، والحسد إما أن يكون من الجن أو من الإنس، فأنا أرى -إن شاء الله تعالى- إن استطعت أن ترقي نفسك بالرقية الشرعية المعروفة وإذا لم تستطع أن تذهب لأحد فتستطيع أن تعالج نفسك بنفسك من القرآن والسنة، فإن وجدت أحدا أعانك فهذا خير وبركة، وأنا واثق -إن شاء الله تعالى- أنك ستعان -بإذن الله عز وجل- على تحقيق ما تريد، سيأتيك خشوعك -بإذن الله- وسوف يصلح الله حالك وييسر الله أمرك ويوفقك لخيري الدنيا والآخرة.
واعلم أن النجاح في التجارة أمر نسبي، واعلم أن الله تبارك وتعالى قد رأى بعلمه القدير أن عملك في التجارة قد يصرفك عن دينك، فالمهم -كما ذكرت- أن تستشير وأن تستخير وأن تقوم بأداء دراسة جدوى جيدة لأداء أي مشروع ولا تدخل فيما لا تعرف، واسأل الله التوفيق والسداد، وإذا كان لك أم أو أب أحياء فاسألهم أن يدعوا؛ لأن دعاء الوالدين لولدهما لا يرد.
ونحن يسعدنا حقيقة اتصالك بنا في أي وقت وعلى استعداد للمتابعة دائما وأبدا، فاكتب إلينا عن أي شيء فنحن هنا في انتظارك، ويسعدنا دائما وأبدا -كما ذكرت- أن نستقبل رسائلك واستشاراتك في أي موضوع وفي أي زمان، فنحن إخوانك ويسعدنا دائما خدمتك وخدمة إخواننا المسلمين جميعا.
أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، والله ولي التوفيق.